حراك فرنسي لوقف الحرب ومنع الاندفاع لمواجهة شاملة

باريس تعمل على 3 مستويات وتحاول استخدام «الدبلوماسية الالتفافية»

صورة من الدمار في لبنان بسبب الهجمات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)
صورة من الدمار في لبنان بسبب الهجمات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)
TT

حراك فرنسي لوقف الحرب ومنع الاندفاع لمواجهة شاملة

صورة من الدمار في لبنان بسبب الهجمات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)
صورة من الدمار في لبنان بسبب الهجمات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

تسعى باريس، بالوسائل المتاحة لها، إلى تجنيب لبنان حرباً مفتوحة يعي الجميع ما ستنتجه من ضحايا إنسانية وتهجير وتدمير هائل في البنى المدنية. وتذكر باريس أنها نبّهت منذ أشهر طويلة من الوصول إلى ما وصلت إليه الأمور اليوم، وتذكر بالمبادرة التي حملها وزير الخارجية السابق ستيفان سيجورنيه إلى لبنان وإسرائيل، منذ أوائل عام 2024، في محاولة لإيجاد تسوية ونزع فتيل التفجير بين «حزب الله» وإسرائيل. ويذكر المسؤولون الفرنسيون بـ«الخفة» التي تعامل بها الطرف اللبناني مع التحذيرات الفرنسية، والغربية بشكل عام، واعتبارها «تهويلية»، وهي حاصلة لخدمة إسرائيل التي «لن تقدم» على مهاجمة لبنان بشكل مكثف بسبب المعادلات العسكرية، وبسبب انشغالها بالحرب في غزة.

لماذا لم تطلب باريس اجتماعاً «فورياً» لمجلس الأمن؟

بيد أن هذه المرحلة «التمهيدية» ذهبت إلى غير رجعة. والمطلوب اليوم، وفق القراءة الفرنسية، وقف هذه الحرب. ولذا، فإن باريس تعمل على 3 خطوط: الأول، مجلس الأمن الذي طلب وزير الخارجية الفرنسي الجديد جان نويل بارو اجتماعاً طارئاً له «هذا الأسبوع». والمستوى الثاني، التواصل مع من سمّاهم بارو، في الكلمة التي ألقاها مساء الاثنين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجهات الداعمة للطرفين المحاربين، في إشارة ضمنية إلى الولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة ثانية. والمستوى الثالث يتولاه المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان، الوزير السابق جان إيف لو دريان، الذي واصل الثلاثاء اجتماعاته مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين في محاولة مزدوجة الأهداف: البحث في خفض التصعيد والتعرف على متطلبات الطرف اللبناني من جهة، ومحاولة إحياء الجهود الدافعة باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ في قصر بعبدا، وصل إلى عامين، ولا تبدو في الأفق أي دلائل تشير إلى قرب ملئه.

اللافت بالنسبة للمستوى الأول أن باريس لم تطالب باجتماع «فوري» لمجلس الأمن، وتركت أفقه الزمني مفتوحاً لهذا الأسبوع.

وترى مصادر دبلوماسية في باريس أن التفسير الأرجح قوامه أن الطرف الفرنسي أراد، قبل الاجتماع، أن يقوم بجولة واسعة من المشاورات التمهيدية ليرى ما هو الممكن، وما هو غير الممكن، وتحديداً التعرف على «الأفكار الملموسة» التي أشار إليها مسؤول أميركي مساء الاثنين. وتعي باريس أن «وزنها» السياسي وقدرتها التأثيرية، سواء على إسرائيل أو على «حزب الله» محدودة، وبالتالي فإنها تمارس ما يمكن تسميته «الدبلوماسية الالتفافية» عن طريق واشنطن من جهة، وإيران من جهة ثانية. ويصعب على باريس الاعتماد على الرافعة الأوروبية بسبب الانقسامات المعروفة بين الأوروبيين، وبسبب مبدأ الإجماع المعمول به في سياسة الاتحاد الخارجية. من هنا، أهمية التشاور أولاً، بالنسبة إليها، مع واشنطن والتعرف على محتوى مقترحاتها، التي ستناقشها مع الحلفاء والشركاء «هذا الأسبوع».

هل التعويل على تدخل إيران مجدٍ؟

ومن الجانب الآخر، تريد باريس أن تدفع طهران للتدخل لدى «حزب الله» لدفعه بالتالي للقبول بتسوية، لا تظهر ملامحها في الوقت الحاضر، إذ الكلمة اليوم «للميدان». ولم يكشف قصر الإليزيه عن الاجتماعات الجانبية التي سيقوم بها الرئيس ماكرون على هامش أعمال الجمعية العامة. إلا أنه من المرجح جداً أن يلتقي الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان، الموجود هو الآخر في نيويورك، للبحث معه في الملف اللبناني، مستنداً إلى حرص طهران على عدم الانخراط في حرب موسعة، ستواجه فيها إسرائيل والولايات المتحدة وأطرافاً غربية أخرى. وسبق لماكرون أن تواصل مع بزكشيان، إلا أن العلاقات بين باريس وطهران شهدت في الأشهر الأخيرة بعض التوتر.

ومن المقرر أن يلقي ماكرون خطابه أمام الجمعية العامة، بعد ظهر الأربعاء، بتوقيت نيويورك.



السفارات تتريّث بإجلاء رعاياها... مطار بيروت يعمل بأدنى طاقته

عناصر من الصليب الأحمر في موقع استهدفته غارات إسرائيلية في بلدة شبعا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
عناصر من الصليب الأحمر في موقع استهدفته غارات إسرائيلية في بلدة شبعا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

السفارات تتريّث بإجلاء رعاياها... مطار بيروت يعمل بأدنى طاقته

عناصر من الصليب الأحمر في موقع استهدفته غارات إسرائيلية في بلدة شبعا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
عناصر من الصليب الأحمر في موقع استهدفته غارات إسرائيلية في بلدة شبعا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

علّقت سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان أعمالها مؤقتاً، فيما تتريث السفارات الأجنبية في لبنان بإجلاء رعاياها من البلاد رغم الحرب التي تتصاعد وتيرتها، وتعمّق القصف الإسرائيلي على 5 محافظات لبنانية.

ولا يزال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يعمل بشكل طبيعي، بالحدّ الأدنى من طاقته، بفعل وقف شركات الطيران العالمية رحلاتها من وإلى لبنان باستثناء 4 منها فقط، وأعلن رئيس المطار المهندس فادي الحسن لـ«الشرق الأوسط»، أن «الشركات التي ما زالت تعمل بشكل طبيعي هي طيران الشرق الأوسط (الخطوط الجويّة اللبنانية)، والخطوط العراقية، وشركة (أور إيرلاينز) العراقية، وشركة الطيران الإيراني»، مشيراً إلى أن «السبب الرئيس لتعليق الرحلات هو المخاطر الأمنية التي ارتفعت في الأيام الأخيرة جرّاء العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان»، مؤكداً في الوقت نفسه أنه «لا توجد عمليات إجلاء لرعايا أجانب عبر المطار، بل رحلات تجارية عادية».

عائلات نازحة من جنوب لبنان تلوذ بحديقة في طرابلس (أ.ف.ب)

تدني حركة السفر عبر المطار

وتحدّث رئيس المطار عن «تدنّي نسبة رحلات المغادرة والوصول لأكثر من النصف». وقال الحسن: «في الأيام التي سبقت الحرب، كان هناك 70 رحلة مغادرة وعدد مماثل في الوصول، أما الآن فلا يتجاوز عدد الرحلات 35 رحلة يومياً، منها 30 رحلة لطيران (الميدل إيست) فقط». وأمل أن «يبقى مطار بيروت بعيداً عن الخطر ومفتوحاً أمام المسافرين بما يخدم مصلحة لبنان وكلّ الدول التي لها رعايا على الأراضي اللبنانية».

خطط مؤجلة للتدخل

وعلى الرغم من دخول لبنان مرحلة الحرب الشاملة التي تشنّها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية منذ الاثنين الماضي وسيطرتها التامة على الأجواء اللبنانية، لم تبادر أي من الدول العربية والأجنبية بإجلاء رعاياها، بل جددت دعوتها لهم إلى المغادرة فوراً، وحذّرت من السفر إلى لبنان في هذه المرحلة.

وقال مصدر دبلوماسي، في سفارة دولة غربية كبرى لـ«الشرق الأوسط»، إن السفارة «ما زالت تنصح رعاياها بمغادرة لبنان على وجه السرعة عبر الرحلات التجارية المتاحة، لكنّها لم تعمد حتى الآن إلى عمليات الإجلاء القسري». وأشار إلى أن «عمليات الإجلاء في عام 2006 كانت صعبة ومعقّدة ومكلفة للغاية، نتمنى ألّا نعيد التجربة نفسها، وأن يبادر مواطنونا إلى السفر الآن عبر مطار بيروت الدولي ما دام الوضع يسمح بذلك حتى الآن، لكنّ هذا الاحتمال وارد جداً»، لافتاً إلى أن «الآلاف ما زالوا في لبنان وهم من أصول لبنانية ويعتقدون أنهم في مناطق آمنة».

وأضاف المصدر الدبلوماسي: «في حال ارتفاع الخطر فإننا وضعنا الخطط الهادفة إلى التدخل والإجلاء سواء عبر البحر باتجاه قبرص، أو من جسر جوّي طارئ».

وعمّا إذا كانت هناك ضمانات إسرائيلية للدول الغربية بعدم إقفال مطار بيروت أو مهاجمته، نفى وجود أي ضمانات. واستطرد قائلاً: «من غير المعروف كيف تتطوّر الأمور، والوضع يخضع للتقييم ساعة بساعة».

دخان يتصاعد جراء غارة إسرائيلية استهدفت منزلاً في بعلبك شرق لبنان (أ.ف.ب)

دعوات للمغادرة

وجددت دول عدّة أبرزها: أستراليا، والولايات المتحدة الأميركية، وكندا، وفرنسا، واليونان، وبريطانيا والبرتغال؛ دعوة مواطنيها إلى مغادرة لبنان فوراً، وذكرت وكالة «رويترز» في تقرير لها، أن أستراليا أعدت خطة طوارئ تشمل إجلاء رعاياها عبر البحر، كما أعلنت كندا أنها ستتعاون مع أستراليا في إجلاء رعاياها من لبنان. في حين أمرت الولايات المتحدة الأميركية بنشر العشرات من قواتها في قبرص استعداداً لسيناريو إجلاء المواطنين الأميركيين من لبنان، وقالت سفارتها في بيروت إن الرحلات التجارية لا تزال متاحة للمواطنين الراغبين بالخروج من لبنان.

وأفاد تقرير «رويترز» بأن فرنسا لديها سفينة حربية في المنطقة وحاملة طائرات هليكوبتر في مدينة تولون (جنوب فرنسا)، قد تحتاج لأيام للوصول إلى منطقة لتشارك بعملية إجلاء رعاياها بحراً.

المطار لا يزال مفتوحاً

وتستنفر الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية للمساعدة في إجلاء الرعايا الأجانب عندما تطلب بلادهم ذلك، وأوضح مصدر أمني أن «الفارق ما بين اليوم ومرحلة 2006، هو أن مطار رفيق الحريري الدولي ما زال مفتوحاً أمام الرحلات المدنية، أما الحرب السابقة فإن إسرائيل سارعت إلى قصف المدرج الرئيسي ومخازن الوقود ووضعته خارج الخدمة في الأيام الأولى للحرب». وكشف لـ«الشرق الأوسط»، أن «معظم السفارات الأجنبية وضعت بالتعاون مع الجيش اللبناني خططاً لإجلاء رعاياها عند الضرورة، عبر المرافئ البحرية لكنّها لم تنفّذ أي خطة حتى الآن»، مؤكداً أن «الأمر يعود لأسباب عدّة أبرزها أن المطار ما زال بالخدمة ويمكن السفر عبره بطريقة طبيعية، كما أن السفارات تعتبر أن الأمور لا تزال مضبوطة وأن إسرائيل تضرب أهدافاً عسكرية محددة لـ«حزب الله»، ما يعني أن الخطر غير محدق».

ولفت المصدر الأمني إلى أن «خطط الإجلاء ستشمل المرافئ البحرية، أي مرفأ بيروت وجونية وسلعاتا وطرابلس، وأن الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية جاهزة لتقديم التسهيلات عندما يحين وقت إجلاء الرعايا الأجانب».