بَعد «بيجر» لبنان... هل يمكن تفجير هواتفنا الجوالة عن بُعد؟

مخاوف من اختراق الهواتف الجوالة وتفجيرها (أ.ف.ب)
مخاوف من اختراق الهواتف الجوالة وتفجيرها (أ.ف.ب)
TT

بَعد «بيجر» لبنان... هل يمكن تفجير هواتفنا الجوالة عن بُعد؟

مخاوف من اختراق الهواتف الجوالة وتفجيرها (أ.ف.ب)
مخاوف من اختراق الهواتف الجوالة وتفجيرها (أ.ف.ب)

أثار الاختراق الأمني غير المسبوق لأجهزة النداء «البيجرز» واللاسلكي التابعة لعناصر من «حزب الله» في مختلف أنحاء لبنان ووقوع الآلاف من التفجيرات المتزامنة يومي الثلاثاء والأربعاء، العديد من التساؤلات عن مدى خطورة أجهزة الجوال الشخصية وإمكانية تفجيرها عن بعد.

وتُصنع بطاريات الأجهزة الجوالة من مواد كيميائية سريعة الاشتعال، إلا أن هناك وحدة تحكم متصلة مباشرة بالبطارية ومدمجاً بداخلها برمجيات خاصة للحفاظ على سلامتها وضمان خصائصها الفيزيائية والكيميائية.

وبالرغم من ذلك يمكن التلاعب بوحدة التحكم هذه بصورة خبيثة عبر طرق متعددة للاختراقات، أهمها استبدال بالوحدة بأكملها أخرى تحوي برمجيات خبيثة تستطيع رفع درجة حرارة البطارية لدرجة الاشتعال، ويمكن أن يجري عمل ذلك لاستهداف جهاز معين أو أي عدد من الأجهزة كما جرى في الحالة اللبنانية بحسب المهندس أحمد سلام، مؤسس ورئيس شركة تقنيات الحماية العميقة «ديب سيف تكنولوجي» (DeepSAFE Technology)، ورئيس أبحاث الأمن والحماية في شركات «مكافي» و«إنتل» و«نوكيا» سابقاً.

تشييع قتلى تفجيرات الأجهزة اللاسلكية في لبنان (أ.ف.ب)

وهناك أيضاً «بطاريات يمكن أن يتم صناعتها بطريقة خبيثة، بحيث يدخل صناعتها مواد متفجرة قابلة للاشتعال، إما برفع درجة الحرارة إلى درجة معينة أو عن طريق وحدة متصلة بها تقوم بتفعيل منظومة التفجير»، وفق سلام. ويمكن أن «يتم كل هذا عن طريق وضع وحدة تحكم شديدة الصغر تلحق بالبطارية من الداخل مع وجود وحدة اتصال خارجي يمكن أن تتلقى إشارات عن بعد، سواء كانت عن طريق موجات راديو أو أي موجات كهربائية لا سلكية»، وفق ما قاله سلام لـ«الشرق الأوسط».

ويمكن أن «يأتي تزامن التفجيرات على الرغم من عدم وجود أي اتصال مع العالم الخارجي»، بحسب تعبير سلام الذي يشير إلى أنه «قد يتم الانتظار للحظة زمنية معينة تم برمجتها مسبقاً داخل البرمجيات الخبيثة، بحيث تحدث التفجيرات كلها في ذات اللحظة الزمنية، تماماً كما هو الحال مع آلية عمل القنابل الموقوتة».

في حين يؤكد ماهر القاضي، أستاذ مساعد في قسم الكيمياء بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس، والرئيس التنفيذي للعلوم والتكنولوجيا بشركة «نانوتك إينيرجي» الأميركية، وهي شركة متخصصة في تطوير وإنتاج البطاريات، أن «الانفجارات التي جرت في لبنان لم تأتِ بالصدفة وإنما عن عمد»، مرجحاً «زرع دائرة تحكم جرى تفعيلها عن بعد، وهو ما يفسر تزامن التفجيرات».

جهاز لا سلكي قبيل تفجيره من عناصر الجيش اللبناني (أ.ف.ب)

وقال القاضي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك العديد من الآليات التي يمكن أن تؤدي لانفجار أي بطارية؛ أولها تعرض الجهاز الجوال أو السيارة الكهربائية لحادث يؤدي لاختراق جسم معدني للبطارية، أو الضغط على أجزاء البطارية بمعدل مرتفع يؤدي لانضغاط أجزائها وتدميرها، أو وقوع البطارية من مكان مرتفع يؤدي لتدمير أجزائها». لكن وفق القاضي «يبقى هناك احتمالان آخران، هما وجود محفز خارجي يؤدي لارتفاع درجة حرارة البطارية لمعدلات عالية جداً تتسبب في انفجارها، والاحتمال الآخر يرتبط أيضاً بوجود مؤثر خارجي يؤدي إلى توصيل الطرف الموجب بالطرف السالب داخل البطارية، وهما سيناريوهان حدث أحدهما في لبنان».

ووفق خبراء، فإنه يمكن اختراق أجهزة جوال ودمج برامج خبيثة فيها من أجل تفجيرها من خلال الوصول إليها في أي من مراحل التصنيع أو التوريد أو عبر شبكة الإنترنت.

ويطمئن القاضي الجمهور العام بأنه من دون مسبب خارجي متعمد فإن احتمالية انفجار البطارية نتيجة عيوب التصنيع لا تتعدى بطارية واحدة لكل 10 ملايين بطارية، مضيفاً أن هناك اختبارات قاسية تجرى لضمان تحمل البطاريات للحرارة المرتفعة، والتي قد تصل إلى ما يزيد عن 150 درجة مئوية. ولكن ذلك لم يمنعه من وصف بطارية الليثيوم أيون التي توجد في أجهزة «البيجرز» وكذلك في الأجهزة الجوالة الحديثة بأنها «قد تكون بمنزلة قنبلة موقوتة، وأن الأضرار الناجمة عن انفجارها تتوقف على حجمها وموقع المستخدم منها أو مدى قربها من أي من أعضاء الجسم البشري الحيوية»، مشيراً إلى أن الأمر بالطبع سيزداد سوءاً حال حدوثه في السيارات الكهربائية؛ لأن حجم بطاريتها قد يصل إلى 5 آلاف إلى 7 آلاف حجم بطارية الجوال، لكنه شدد على أن ذلك نادراً ما يحدث ويستلزم في العادة إساءة استخدام البطارية أو تعمد الضرر بها، كما في الحالة اللبنانية.

سلاسل الإمداد

وعن كيفية تجنب تكرار ما حدث، يشير سلام إلى ضرورة تأمين سلاسل الإمداد، موضحاً أن هناك وسائل كثيرة كان يمكن بها التحقق من إمكانية حدوث تعديلات على الأجهزة القادمة إلى لبنان واختبار مدى احتمالية زرع أي مكونات جديدة بداخلها.

مخاوف من اختراق الهواتف الجوالة وتفجيرها (أ.ف.ب)

وتقنياً، يمكن عن طريق استخدام ميزان حساس معرفة أي تغيير حدث مهما كان طفيفاً في وزن الجهاز، بحيث يُعرف إن حدث أي تعديل عليه أو لا. وهذا الميزان الحساس ينبغي استخدامه في حساب أوزان كل وحدة بدقة، خاصة البطارية. كما يمكن استخدام أجهزة الأشعة أيضاً مثل «الإكس راي» و«السي تي سكان» وكذلك وحدات الكشف الكيميائي عن المواد المتفجرة، وعادة ما يتم استخدام كل هذه الوسائل التقنية داخل المطارات. يقول سلام: «لذلك أتصور أن هناك خللاً أمنياً هائلاً في التعامل مع الأمر في الحالة اللبنانية»، مشدداً على أن هناك تقنيات جاهزة ومتاحة مدنياً للتأكد من وجود أي مواد متفجرة من عدمه.

ضحايا تفجير أجهزة «بيجر» (أ.ب)

ووفق وسائل إعلامية، فإن أجهزة «البيجرز» اللبنانية تم تصميمها بواسطة شركة تايوانية أعطت رخصة بالتصنيع لشركة أخرى مجهولة في أوروبا، وبالتالي فإن الأمور المتعلقة بسلامة التصنيع وجودة التنفيذ ربما لم يتم التأكد منها.

وتحتاج أجهزة «البيجرز» عموماً إلى جهاز خادم (سيرفر) لضبط عملية الاتصال بها، سواء كان الاتصال في اتجاه واحد على مستوى الاستقبال، أو في اتجاهين على مستوى الاستقبال والإرسال. ولكن وفق سلام، فإن هذه الأجهزة الخادمة لديها قواعد بيانات، وغالباً ما تعمل بأنظمة تشغيل رقمية معرضة للهجمات والاختراقات السيبرانية.

وشدد سلام على أنه «يمكن لأجهزة (البيجرز) أن تتعرض للتعديل عبر سلاسل الإمداد، وهو الشيء نفسه الذي يمكن أن يكون قد حدث مع الأجهزة الخادمة»، موضحاً أنه يمكن أن تكون هذه الأجهزة نفسها قد تعرضت للتبديل ووضع البرمجيات «الخبيثة» أثناء عمليات التصنيع أو خلال سلاسل الشحن والإمداد.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)
رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)
TT

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)
رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل.

وأكد حسين، في كلمة خلال «منتدى الجامعة الأميركية» بدهوك في إقليم كردستان، أنَّ «القوات المسلحة تلقّت أوامر من رئيس الحكومة بمنع أي هجمات تنطلق من الأراضي العراقية»، وشدد على أن بلاده «لا تريد الحرب، وتسعى لإبعاد خطرها»، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية.

من جهته، قال رئيس البرلمان محمود المشهداني، إنَّ «ما يحدث اليوم في منطقة الشرق الأوسط يمكن تسميته المجالَ الحيوي للنكبة الثانية».

بدوره، حثّ الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الدول الكبرى على بذل «جهود جادة لحل هذه القضايا وإنهاء الحروب». ودعا رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، إلى «إبعاد العراق عن الحرب».