تسليح الضفة... ما دور الجماعات الناشطة في لبنان؟

إسرائيل قتلت قيادياً في «شهداء الأقصى» بتهمة التورط في إرسال أموال وأسلحة

جانب من تشييع خليل المقدح القيادي في «كتائب شهداء الأقصى» الذي قتلته إسرائيل في غارة على سيارته بمدينة صيدا اللبنانية يوم 21 أغسطس (أ.ب)
جانب من تشييع خليل المقدح القيادي في «كتائب شهداء الأقصى» الذي قتلته إسرائيل في غارة على سيارته بمدينة صيدا اللبنانية يوم 21 أغسطس (أ.ب)
TT

تسليح الضفة... ما دور الجماعات الناشطة في لبنان؟

جانب من تشييع خليل المقدح القيادي في «كتائب شهداء الأقصى» الذي قتلته إسرائيل في غارة على سيارته بمدينة صيدا اللبنانية يوم 21 أغسطس (أ.ب)
جانب من تشييع خليل المقدح القيادي في «كتائب شهداء الأقصى» الذي قتلته إسرائيل في غارة على سيارته بمدينة صيدا اللبنانية يوم 21 أغسطس (أ.ب)

فتح إعلان إسرائيل، في 21 أغسطس (آب)، عن اغتيال القيادي في «كتائب شهداء الأقصى»، العميد خليل المقدح، في جنوب لبنان، الباب واسعاً أمام مجموعة من التساؤلات بخصوص دور الفصائل الفلسطينية في لبنان، وكذلك «حزب الله» وقوى أخرى مرتبطة بإيران، في تسليح المجموعات الفلسطينية المقاتلة في الضفة الغربية.

فخليل الذي اغتيل بقصف سيارته، هو شقيق اللواء منير المقدح، القيادي في حركة «فتح» وتتهمه إسرائيل بـ«العمل لصالح الحرس الثوري الإيراني»، وتزعم أنه شارك في توجيه الهجمات ونقل الأموال والأسلحة لتعزيز «بنى الإرهاب في يهودا والسامرة»، التسمية اليهودية للضفة الغربية.

ولم ينكر اللواء المقدح أنَّ شقيقه كان من قادة «كتائب شهداء الأقصى»، بالإضافة إلى كونه عميداً في حركة «فتح». وأشار إلى أن الراحل كان مسؤولاً عن «إمداد المقاومة» في الداخل الفلسطيني.

كذلك قالت «كتائب شهداء الأقصى» في لبنان إن اغتيال المقدح تم أثناء قيامه «بواجبه النضالي ضمن معركة طوفان الأقصى»، التسمية التي أطلقتها حركة «حماس» على هجومها في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على بلدات غلاف غزة. وأشادت «الكتائب» بـ«الدور المركزي للشهيد خليل المقدح في إسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته، ودوره الكبير في دعم خلايا المقاومة ضد الاحتلال على مدار سنوات طويلة في الضفة الغربية الباسلة».

وعنونت جريدة «الأخبار» القريبة من «حزب الله»: «اغتيال المقدح في صيدا: ثأر العدو من دعم لبنان لمقاومة الضفة».

وتتكتم كل الفصائل في لبنان حين يتعلق الأمر بالحديث عن طرق إمداد الضفة بالسلاح. ويقول مصدر في حركة «فتح» لـ«الشرق الأوسط»: «لا دور رئيسياً للبنان بموضوع إيصال السلاح للضفة الغربية. صحيح أن هناك جهات ودولاً إقليمية تدعم هذا التوجه والفصائل والمجموعات الموجودة هناك، لكن معظم السلاح داخل الضفة هو من السوق المحلية في الأراضي المحتلة. وما يثبت ذلك أن معظم السلاح الذي يظهر هو سلاح فردي. أما المتفجرات فتصنيع ذاتي محلي». ويشير المصدر إلى أن ما سبق «لا ينفي وجود محاولات لتهريب سلاح، وخاصة عبر الأردن»، مؤكداً أن «الأخوين المقدح من الداعمين لـ(كتائب شهداء الأقصى)، ولكن لا علاقة لهما بتهريب السلاح».

مقاتلون من «كتائب شهداء الأقصى» في مخيم عين الحلوة قرب صيدا بجنوب لبنان يوم 21 أغسطس (أ.ب)

من جهته، يوضح مدير مركز تطوير للدراسات هشام دبسي أن «وسائل الاتصال والتهريب من لبنان للضفة الغربية لا يمكن أن تتم إلا عبر شبكات تهريب لها علاقة مع مَن يتعاملون مع المجموعات المسلحة داخل فلسطين، سواء كانوا عرباً أو فلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، أو متعاونين ومهربين يهوداً يقومون بعمليات تهريب من أجل المال». وأضاف في تصريح لـ «الشرق الأوسط» أن الإسرائيليين أعلنوا في الفترة الماضية «ضبط بعض الشبكات التي قالوا إنها متعاونة مع (حزب الله)، والتي تعمل بالتهريب عبر الحدود اللبنانية، ولكن مع المواجهات على الحدود الجنوبية اللبنانية تراجعت عمليات التهريب على هذه الحدود، وبات التركيز على العمليات التي تتم عبر الجولان السوري والأردن». وتابع أن الشبكات التي تعمل على خط التهريب عبر الحدود الأردنية «ليست عصابات بسيطة بل هي نافذة وقوية وتتحدى الأجهزة الأمنية الأردنية وتشتبك معها أحياناً بالسلاح».

وشدد دبسي على أنه في هذا المجال «لا يمكن تجاوز خطابات (المرشد الإيراني علي) خامنئي المستمرة حول وجوب تسليح الضفة الغربية ودخولها في المعركة كجزء من محور المقاومة، وهذا يؤكد وجود غطاء إيراني سياسي ولوجيستي للناشطين على خط إيصال المال والسلاح للضفة»، معتبراً أن «إيصال المال للضفة أسهل وأكثر فعالية لأن ذلك يمنح الفلسطينيين القدرة على شراء السلاح من تجار السلاح الإسرائيليين». لكنه لفت إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية «ليست بعيدة عن هذا الأمر، فتراها تارة تغض الطرف وتارة تقوم باعتقالات بحق تجار السلاح. لكن المتعارف عليه شعبياً في المخيمات الفلسطينية أن إيران ترسل الأموال، وتجار السلاح الإسرائيليين يبيعون السلاح، ولذلك فإن دور الفصائل والمجموعات في لبنان في مجال تسليح الضفة دور ثانوي أمام الدور الإيراني».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي جنود إسرائيليون في قطاع غزة (رويترز)

«كتائب الأقصى»: قصفنا موقع نتساريم العسكري الإسرائيلي في غزة بالصواريخ

نقلت وكالة شهاب الفلسطينية للأنباء عن «كتائب الأقصى»، اليوم (الخميس)، القول إنها قصفت موقع نتساريم العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة بالصواريخ.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطيني يحمل كومة من فوارغ الرصاصات عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من خان يونس (أ.ف.ب)

ستة أشهر من القتال في غزة: الحرب في أرقام

تسببت الحرب المتواصلة منذ ستة أشهر بين إسرائيل و«حماس» في غزة بحصيلة بشرية هي الأعلى بتاريخ القطاع

أوروبا سيارة للشرطة الإيطالية (حساب الشرطة الإيطالية على منصة «إكس»)

إيطاليا: القبض على ثلاثة فلسطينيين بتهمة الإرهاب

ذكر بيان للشرطة الإيطالية، اليوم (الاثنين)، أنها ألقت القبض على ثلاثة فلسطينيين يقيمون في وسط إيطاليا، قالت إنهم كانوا يخططون لشن هجمات في دولة لم تحددها.

«الشرق الأوسط» (روما )
المشرق العربي القوات الإسرائيلية خلال اقتحام سابق لمخيم للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة طولكرم (أ.ف.ب)

فلسطينيون يتصدون لقوة إسرائيلية ومقتل 3 في اشتباك بمخيم طولكرم

نقلت قناة الأقصى الفلسطينية عن «كتائب شهداء الأقصى»، اليوم الثلاثاء، القول إنه إنها نصبت كمائن للقوات الإسرائيلية في عدة محاور داخل مخيم طولكرم بالضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

اشتباكات سورية جديدة تُهدّد خرائط النفوذ القديمة

سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

اشتباكات سورية جديدة تُهدّد خرائط النفوذ القديمة

سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)

غيّرت التحركات العسكرية حول حلب لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات خرائط السيطرة ومناطق النفوذ في شمال غربي سوريا، وحرّكت حدود التماس بين جهات سورية محلية متصارعة، وقوات إقليمية ودولية منتشرة في تلك البقعة الجغرافية.

وتشي سخونة العمليات العسكرية بأن الهجوم قد يتمدد إلى كامل الشمال السوري، وينذر بإشعال جبهة شمال شرقي البلاد الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت روسيا وتركيا، اتفقتا في مارس (آذار) 2020 على تفاهمات تكرّس خفض التصعيد ووقف إطلاق النار شمال غربي سوريا، بعد سنوات من دعم موسكو للقوات الحكومية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، ومساندة أنقرة لفصائل مسلحة معارضة.

دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب 29 نوفمبر (أ.ب)

الخبير العسكري والمحلّل السياسي عبد الناصر العايد قال لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة حلب وحدودها الإدارية خارج دائرة الهجوم، حتى الآن، سيما مركز المدينة نظراً لتشابك وتعقد الحسابات الدولية وخضوعها لتفاهمات روسية - تركية أعقبت الاتفاقية الموقّعة عام 2020.

وتوقع العايد أن يصبح «التركيز بالدرجة الأولى على إخراج الميليشيات الإيرانية من المنطقة، وأن تستمر المعارك بشكل أعنف في قادم الأيام لتشتعل مناطق جغرافية تمتد بين ريف إدلب الشرقي والجنوبي، إلى جانب ريف حلب الغربي والشمالي».

حسابات إقليمية

وتخضع مدينة إدلب ومحيطها ومناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة لـ«هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة معارضة أقل نفوذاً، ويسري منذ 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته روسيا الداعمة لدمشق؛ وتركيا التي تدعم الفصائل المسلحة المعارضة بعد هجوم واسع شنّته القوات النظامية بدعم روسي واستعادت آنذاك مناطق شاسعة من قبضة تلك الفصائل.

ويرجع الخبير العسكري عبد الناصر العايد، وهو ضابط سوري سابق منشق يقيم في فرنسا، تقدم الفصائل المسلحة ووصولهم نحو مدخل حلب الغربي، إلى: «شدة الهجوم وزخم التحشيد الذي أُعد له منذ أشهر»، مشيراً إلى أن «المعارك ستتركز في تخوم حلب الغربية والجنوبية، ومناطق شرق إدلب وصولاً إلى معرة النعمان».

وباتت الطريق الدولية السريعة (إم 5) التي تربط مدينتي حلب شمالاً بالعاصمة دمشق خارجة عن الخدمة؛ معيدة للأذهان مشهد توقفها كلياً لسنوات بعد اندلاع الحرب السورية لتجدد العمليات العسكرية خلال الأيام الماضية على طرفي الطريق.

وما يزيد من ضبابية معارك الشمال السوري غياب الدعم الروسي للقوات النظامية وإحجامها عن الهجمات الجوية، كسابق تدخلاتها لصالح الحكومة السورية، ويعزو العايد موقف موسكو إلى عدم رغبتها في دعم الميليشيات الإيرانية المقاتلة هناك، ليقول: «لأن حلب بالكامل خرجت عن السيطرة الروسية ولم يبقَ لها أي تأثير فعلي، علماً أن الروس شاركوا بقوة برياً وجوياً لاستعادة شطر حلب الشرقية من قبضة الفصائل المعارضة منتصف 2016»، ويعتقد أن «عدم مشاركة روسيا، حتى الآن، بمعركة حلب مردّه: (بمثابة عقوبة مضاعفة للميليشيات الإيرانية، ويبدو هنالك أبعاد متعلقة بملفات استراتيجية خارج سوريا)»، على حد تعبير المحلل العسكري العايد.

تبادل لإطلاق النار في محيط حلب بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة (أ.ف.ب)

مقايضة تركية - روسية

وبحسب مقاطع فيديو وصور نشرها نشطاء محليون على منصات التواصل الاجتماعي، وصلت الهجمات لمدخل مدينة حلب الغربي بالقرب من حي الحمدانية العريق، كما أصبحوا على بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء وهما بلدتان شيعيتان تتمتع جماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران بحضور عسكري وأمني قوي هناك، إلى جانب قربهما من بلدة تل رفعت الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً؛ ما ينذر بتوسع وتمدّد المعارك القتالية نحو كامل الريف الشمالي لمحافظة حلب ثاني أكبر المدن السورية.

بدوره؛ يرى براء صبري، وهو باحث مساهم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن قوات «قسد»، شريكة واشنطن في حربها ضد التنظيمات الإرهابية، تخشى من حصول تركيا على مقايضة عسكرية من روسيا على الأرض «تشمل بلدة تل رفعت مقابل الضغط على (هيئة تحرير الشام) وفصائل (رد العدوان) للتوقف وضبط إيقاع الهجوم».

وتابع صبري حديثه قائلاً: «على الرغم من أن الهجوم السريع على قوات دمشق (القوات الحكومية) والخسائر الكبيرة هناك توحي بتسجيل نصر لصالح المعارضة و(هيئة تحرير الشام)، لكن من غير المتوقع تغطية مدينة حلب ولن يُسمح بسقوطها، لا من قِبل الروس أولاً، ولا من قِبل الإيرانيين و(حزب الله) المنهكين في صراعهما مع إسرائيل ثانياً».

وتشير المعطيات الميدانية لمعركة حلب إلى أن الحدود التي ستشعلها المرحلة المقبلة لن تكون كما سابق عهدها، بعد اتفاق سوتشي 2020، بين الرئيس التركي إردوغان والروسي بوتين، ومنذ 4 سنوات لم تتغير حدود السيطرة بين الجهات السورية المتحاربة والجهات الدولية الفاعلة، بما فيها فصائل المعارضة في شمال سوريا التي تدعمها تركيا، وقوات «قسد» التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي من البلاد.

مسلحون يستولون يوم 29 نوفمبر على دبابة للجيش السوري بالقرب من الطريق الدولية M5 (أ.ف.ب)

الإيرانيون لا يملكون الكثير

وعن الموقف الإيراني ودور جماعة «حزب الله» اللبنانية في حين وصلت العمليات العسكرية إلى بلدتي النبل والزهراء، أوضح صبري أن الإيرانيين: «لا يملكون الكثير ليقوموا به للدفاع عن المنطقة لأن الطيران الإسرائيلي يترصدهم، لكن المتوقع أن يتحول (حزب الله) مجموعة مستميتة عندما يصل الخطر إلى نبل والزهراء وهما معقل الشيعة السوريين هناك».

وحذَّر هذا الباحث من انزلاق المعركة إلى طابع مذهبي، منوهاً بأن الهدنة في لبنان التي دخلت حيز التنفيذ: «ستمكن (حزب الله) من لملمة صفوفه والتحرك أكثر بدعم إيراني، وسيحول الحزب ما يسميه انتصاراً في لبنان إلى حافز لإظهار وجوده من جديد في سوريا».

وقد تكون الهجمات العسكرية لـ«تحرير الشام» محاولةً لإعادة تموضع جغرافي في مساحة واسعة في أرياف حلب وحماة وإدلب غربي سوريا، غير أن الباحث براء صبري شدد بأن الروس ستكون لهم الكلمة الفصل، وقال: «بالنسبة للروس سقوط حلب بمثابة النكبة لانتصاراتهم المدوية التي حققوها خلال الأسبوعين الماضيين في خط الدونباس بأوكرانيا، وداخل روسيا نفسها في منطقة كورسك».

وذكر صبري في ختام حديثه بأن حلب أكبر من قدرات المعارضة المسلحة و«هيئة تحرير الشام»، «وأكبر من استطاعة تركيا نفسها، وإذا أخذنا بأن الهجوم خرج عن تخطيطها أو سُمح له بالمرور دون اعتراض؛ فسيقابله تشدد تركي إذا تسبب بسقوط حلب التي ستُغضّب الروس كثيراً».