في التكتيك العسكريّ... «حماس» تغيّر قواعد اللعبة الإسرائيلية بغزة

دبابة إسرائيلية داخل قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
دبابة إسرائيلية داخل قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
TT

في التكتيك العسكريّ... «حماس» تغيّر قواعد اللعبة الإسرائيلية بغزة

دبابة إسرائيلية داخل قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
دبابة إسرائيلية داخل قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)

يُصنّف الخبراء المستوى التكتيكي بأنه في الترتيب الثالث بعد المستويين العملاني والاستراتيجيّ. على المستوى الاستراتيجيّ، تُربط الأهداف بالوسائل المتوافرة. وعلى الأهداف أن تكون متوازنة مع الوسائل وقابلة للتحقيق. وإذا تعذّر ذلك، وجب العمل على المستوى الاستراتيجيّ لتغيير الأهداف بهدف خلق التوازن.

تؤدّي الجيوش على المستوى التكتيكي ما هو مطلوب منها من المستوى الاستراتيجيّ. فالتكتيك هو التفصيل. وفيه تتراكم النجاحات التكتيكيّة لتعطي، فيما بعد، النجاح الاستراتيجي. في التكتيك، يختبر الجندي ما تعلّمه نظريّاً، لكن على أرض الواقع. يحصل الابتكار (Innovation) أكثر ما يحصل على المستوى التكتيكي، لكن بشرط أن تكون الاستراتيجيّة صحيحة وعقلانيّة. فالنجاحات التكتيكيّة المتراكمة لا يمكن لها أن تُنقذ استراتيجيّة خاطئة. تؤدّي الابتكارات التكتيكيّة إلى التعويض بموازين القوى. فالابتكار التكتيكي أساسيّ، خاصة إذا كان العدو يتفوّق تقنيّاً. في التكتيك، المهم يكون في «الكيف» وليس «الكم»، بحسب ما قال المفكّر الأميركي ستيفين بيدل.

يعكس التكتيك الفلسفة الثقافيّة للجيوش. في هذا الإطار، أعطى الألمان هامشاً كبيراً من حريّة العمل للمستوى التكتيكي، لكن من ضمن روحيّة المهمّة الأساسيّة (Auftragstaktik). اعتمدت غالبية الجيوش الغربيّة هذا المبدأ. في المقابل، يقوم أسلوب القتال الشرقيّ على المستوى التكتيكي على سيطرة جامدة ومباشرة من الرعيل الأعلى على الرعيل الأدنى. تعتمد روسيا هذا الأسلوب، وهذا فعلاً ما يُفسّر مقتل العديد من جنرالات جيشها على الجبهات المتقدّمة (أي المستوى التكتيكي) في بدايات الحرب على أوكرانيا.

قافلة آليات إسرائيلية تتحركة داخل قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)

يُصنّف الكثير من الخبراء التكتيك على أنه عِلمٌ. لكن تطبيقه يُعتبر فنّاً (Art). فخلال الحرب لا وقت للدرس. هكذا قال المارشال الفرنسيّ فرديناند فوش. ما تعلّمه القائد في المعاهد العسكريّة، عليه أن يُسقطه (Projection) على أرض الواقع خلال المعارك، كما عليه أن يكون خلاقاً ومُبتكراً من الدرجة الأولى.

يتطلّب تكتيك القرن الواحد والعشرين من الجندي أن يكون مُبدعاً، يتمتّع بخصائص الحرباء التي تُغير لونها وتتأقلم مع المحيط كي تحيا وتستمرّ. عليه أن يكون قادراً على التعامل بحرفيّة عالية مع التكنولوجيا الحديثة وكيفيّة تطبيقها في أرض المعركة (Techcraft) كي ينفّذ المهمة ويبقى على قيد الحياة.

في البدء كان التكتيك

يقول الكاتب الأميركي بريت فريدمان في كتابه «في التكتيك»، إن الحرب كلّها تتركّز على المستوى التكتيكي لأنه الأهم. فيه يشم الجندي رائحة الموت والبارود. وعلى هذا المستوى، وبعد تجربة الخطر، يتحوّل الجندي إلى إنسان آخر. هكذا قال الفيلسوف الألماني الشهير هيغل بما معناه: «مع مواجهة الموت، ينتقل الإنسان من مجرّد كائن حيّ إلى إنسان بكلّ ما للعبارة من معنى. أي إلى وعي ذاتيّ».

وحسب الكاتب فريدمان، يرتكز المستوى التكتيكي على ثلاثة أعمدة أساسيّة هي: البعد المادي، والبُعد الذهني، ومن ثم البُعد المعنويّ. في البّعد المادي يُحضّر مسرح المعركة، من مناورة، وحشد، وقوّة نارية وكذلك الوتيرة (Tempo). يرتكز البُعد الذهني على عامل الخداع، والمفاجأة والصدمة. أمّا بُعد المعنويات فيقوم على اللُّحمة بين الوحدات (Cohesion). ومن الضروري أن تتجانس هذه الأعمدة مع بعضها كي تنجح المهمّة، والعكس يعني الهزيمة النكراء.

جانب من عمليات الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة يوم الاثنين (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

مجاراة العدو أم تغيير قواعد اللعبة؟ قطاع غزّة مثالاً

عندما لا تستطيع مجاراة العدو في خططه، وإمكاناته فما عليك إلا محاولة تغيير قواعد اللعبة كي تتماشى وتتجانس مع إمكاناتك. وفي هذا الإطار، أي لتغيير قواعد اللعبة، وجب إقناع العدو بالقوة كي يغيّر أسلوبه القتاليّ، ويعتمد مُرغماً أسلوباً جديداً لم يعتد عليه، ولم يتهيأ له، لا تدريباً ولا عتاداً ولا ثقافة عسكريّة. فهل حصل هذا الأمر في غزّة؟

يعتبر الجيش الإسرائيليّ أن الخطّة الاستراتيجيّة، العملانيّة والتكتيكيّة، لتحقيق أهدافه في غزّة، تقوم على ما يلي: غزو بريّ (سطح الأرض)، وتدمير قدرات حركة «حماس»، وتدمير الأنفاق، واغتيال قيادات الحركة، وتحرير الرهائن. هذه هي قواعد اللعبة الإسرائيليّة.

في المقابل، غيّرت «حماس» قواعد اللعبة، عبر تبديل المستوى الاستراتيجي الإسرائيليّ إلى المستوى التكتيكيّ. بكلام آخر، أصبح البُعد الاستراتيجيّ تحت الأرض بدل أن يكون فوق الأرض (Surface). وهكذا، أصبح لزاماً على الجيش الإسرائيلي خوض معركة تكتيكية مُدمّرة فوق الأرض للوصول إلى الأنفاق تحت الأرض.


مقالات ذات صلة

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

المشرق العربي مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها؛ لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

ولم يصدر أي تأكيد من الجيش الإسرائيلي حول هذا الإعلان.

وأكد أبو عبيدة، على منصة «تلغرام»، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته وقادة جيشه يتحمّلون المسؤولية عن حياة أسراهم «وهم يصرون على التسبب في مقتلهم».

وأضاف أبو عبيدة أن أسيرة أخرى ما زالت معرّضة للخطر بعد مقتل رفيقتها في شمال غزة، محذراً إسرائيل من أن تستعد للتعامل مع «معضلة» اختفاء جثث أسراها القتلى «بسبب الدمار الواسع الذي لحق بقطاع غزة واستشهاد بعض الآسرين»، في إشارة للعمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة والتي تترافق مع قصف جوي ومدفعي عنيف منذ أكثر من شهر في شمال قطاع غزة.