دعوة نصر الله لفتح البحر للسوريين تعرّض لبنان للعقوبات

لماذا تزامنت مع الجلسة النيابية واستبقت مؤتمر بروكسل للنازحين؟

تشكّل دعوة حسن نصر الله إلى «فتح البحر» أمام النازحين إحراجاً للبنان لأنها تعرّضه لعقوبات كما أن تنفيذها غير ممكن (رويترز)
تشكّل دعوة حسن نصر الله إلى «فتح البحر» أمام النازحين إحراجاً للبنان لأنها تعرّضه لعقوبات كما أن تنفيذها غير ممكن (رويترز)
TT

دعوة نصر الله لفتح البحر للسوريين تعرّض لبنان للعقوبات

تشكّل دعوة حسن نصر الله إلى «فتح البحر» أمام النازحين إحراجاً للبنان لأنها تعرّضه لعقوبات كما أن تنفيذها غير ممكن (رويترز)
تشكّل دعوة حسن نصر الله إلى «فتح البحر» أمام النازحين إحراجاً للبنان لأنها تعرّضه لعقوبات كما أن تنفيذها غير ممكن (رويترز)

يُدخل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، بدعوته إلى فتح البحر أمام النازحين السوريين للتوجه بملء إرادتهم، وبقوارب جيدة، إلى أوروبا، للضغط على الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي التي تقدّم لهم الأموال حتى لا يعودوا إلى سورية، بنداً جديداً على جدول أعمال الجلسة النيابية المقررة الأربعاء، والمخصصة لإصدار توصية تُلزم حكومة تصريف الأعمال بوضع خطة بالتنسيق مع الحكومة السورية لإعادتهم إلى ديارهم، وهذا ما يضع الهيئة العامة في البرلمان أمام مأزق سياسي هي في غنى عنه، إذا أصر النواب الأعضاء في كتلة «الوفاء للمقاومة» على إدراج دعوة نصر الله كبند أساسي يمكن أن يُقحم الجلسة في نقاش يغلب عليه السجال ويؤدي إلى تعميق الخلاف على نحو يعرقل التوصل إلى التوصية المنشودة لعودة النازحين.

دعوة نصر الله لا قدرة للبنان على تحمُّل نتائجها

ومع أن نصر الله يُقرن دعوته هذه، كما تقول مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، باتخاذ قرار جريء وشجاع يغطّي فتح البحر أمام مَنْ يرغب من النازحين بالمغادرة إلى أوروبا، فإن الوجه الآخر لدعوته يكمن في ضغطه على الولايات المتحدة لإلغاء «قانون قيصر»، وعلى أوروبا لإلغاء عقوباتها لتسهيل عودة النازحين.

وتلفت المصادر النيابية، التي تتعامل بقلق مع دعوة نصر الله، إلى أن النواب فوجئوا بدعوته التي تنمّ عن طرح مشكلة لا قدرة للبلد على تحملها، بينما هم يبحثون عن حل يفتح الباب أمام التوصل إلى خريطة طريق تتبناها الحكومة وتعمل على تطبيقها بالتواصل مع النظام السوري، لضمان عودة النازحين إلى ديارهم.

وتنقل المصادر عن قيادي سياسي بارز، فضّل عدم ذكر اسمه، قوله في أول تعليق له على دعوة الأمين العام لـ«حزب الله»: «اذهبوا وتدبروا أمركم لأن لا عودة للنازحين لأنها تلقى معارضة من النظام». ويأتي كلام نصر الله في سياق إبعاد الشبهة عن حليفه السوري، وتحميله المسؤولية للمجتمع الدولي، مع أن دعوته تضع البلد في مواجهة مع العالم، رغم «رفضنا جميعاً لسياسة الاتحاد الأوروبي»، كما يقول القيادي المذكور.

ويسأل القيادي نفسه: من أين نؤمّن السفن لتمكين النازحين من الإبحار بأمان إلى الدول الأوروبية؟ وهل من شركة تتعاطى بكل ما يتعلق بالنقل البحري، تجرؤ على تأمين إبحارهم عبر المرافئ اللبنانية إلى هذه الدول بخلاف الإرادة الدولية، مع أننا «ندعوها إلى ضرورة الفصل بين موقفها من النظام السوري وبين تسهيل عودتهم الآمنة إلى قراهم وبلداتهم، على أن تُدفع لهم الأموال في أماكن إقامتهم في الداخل السوري؟».

ويتوقف القيادي أمام دعوة نصر الله، ويقول إن حكومة تصريف الأعمال حاضرة للتواصل مع سورية بغية الإعداد لبرنامج متكامل لعودة النازحين، ولم تقصّر يوماً في الاحتكاك بها، سواء من خلال الوزراء الذين يزورون دمشق، أو عبر القادة الأمنيين المكلفين ملف النزوح. ويؤكد أن لا قدرة للبنان على تحمُّل ردود الفعل الدولية في حال قرر فتح «تشريع» البحر أمام من يود من السوريين الذهاب إلى أوروبا، محذراً من الاستعانة بمراكب الموت للإبحار إلى أوروبا، لئلا تتكرر المآسي التي ذهب ضحيتها المئات من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين.

تساؤلات حول توقيت الدعوة

وفي هذا السياق، يسأل القيادي عن التوقيت الذي اختاره نصر الله بدعوته لفتح البحر أمام النازحين، والذي جاء عشية انعقاد الجلسة النيابية لإصدار توصية لوضع خطة متكاملة للتخفيف من الأثقال المكلفة للبنان جراء استضافته نزوحاً بهذا العدد الذي يفوق قدرته على الاستيعاب.

ويضيف أن الدعوة التي جاءت قبل أيام من انعقاد مؤتمر بروكسل للنازحين ستؤدي إلى حشر رئيس الوفد اللبناني إلى المؤتمر، وزير الخارجية عبد الله بوحبيب؛ لأن ليس لديه ما يقوله في دفاعه عن نصر الله، خصوصاً وأن إمكانات الدولة اللبنانية معدومة، وبالتالي، كيف سيكون عليه الوضع لو استجابت الحكومة لطلبه الذي سبقه إليه وزير المهجرين عصام شرف الدين؟

فطلب الوزير شرف الدين تزامن مع موقف لافت لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، دعا فيه لبنان إلى فتح حدوده البحرية أمام النازحين بدلاً من إقفالها، وعندها سيضطر الأوروبيون إلى دفع المليارات لعودتهم بدلاً من المليار للإبقاء عليهم في لبنان.

وعليه، تسأل المصادر في المعارضة: هل أن دعوة نصر الله وباسيل وشرف الدين لفتح البحر جاءت من دون تنسيق مسبق، أم أن تناغمهم كان وليد الصدفة؟

وتقول مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن الظروف السياسية ليست مواتية لتهديد أوروبا، في ظل تعذر إخراج انتخاب رئيس الجمهورية من التأزم، وحاجة لبنان الماسة إلى المجتمع الدولي لإدراجه مجدداً على لائحة اهتمامه؛ ما يفسر حثّه النواب على إنجاز الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد.

فابتزاز الولايات المتحدة وأوروبا في ملف النزوح لن يخدم التوجه اللبناني لترتيب إعادتهم، وسيتحول البلد ضحية للاشتباك السياسي الذي سيندلع حتماً بين «حزب الله» والمجتمع الدولي، وإن كان هناك ضرورة إلى تحييد هذا الملف عن الصراع الدائر بين النظام السوري وخصومه الدوليين، وذلك بتحديد أماكن آمنة في سورية لإعادتهم إليها.

دعوة تعرّض لبنان لعقوبات

أما الرهان على فتح البحر فدونه صعوبات ميدانية وسياسية، ولا قدرة للبنان على التمرد على الإرادة الدولية والانسحاب من النظام الدولي، لئلا يتعرض إلى رزمة من العقوبات أين منها «قانون قيصر»، ستؤدي إلى محاصرته وعزله عن العالم؛ ما يرفع من منسوب تدحرجه نحو الانهيار الشامل، بينما هو يتواصل مع المؤسسات الدولية المالية لتزويده بجرعة من الأكسجين السياسي ليتمكن من البقاء على قيد الحياة إلى حين انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة فاعلة تضع في أولوياتها الانتقال بالبلد إلى التعافي.

لذلك؛ لا بد من السؤال: هل تبقى دعوة نصر الله تحت سقف تسجيل موقف يتبنى من خلاله وجهة نظر النظام السوري في تبريره لعدم تجاوبه مع إعادة النازحين، لا سيما أن الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا لن يعبّد الطريق للدخول في «مقايضة» لإعادتهم على قاعدة إلغاء «قانون قيصر» والعقوبات المفروضة عليه؛ لأن الدول المعنية ترفض أن تسجل على نفسها سابقة في هذا المجال، ناهيك بأن دعوته لا تلقى التجاوب المطلوب محلياً، وتؤدي إلى تعميق الانقسام الداخلي، وتهدد الإجماع حول إيجاد حلول جذرية للنزوح؟


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع الأميركي يشدد على التزام بلاده «حلاً دبلوماسياً في لبنان»

المشرق العربي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال اجتماع سابق مع مسؤولين إسرائيليين (أ.ب)

وزير الدفاع الأميركي يشدد على التزام بلاده «حلاً دبلوماسياً في لبنان»

كرر وزير الدفاع الأميركي، السبت، التزام بلاده التوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان، وذلك خلال اتصال مع نظيره الإسرائيلي الذي أكد تواصل التحرك «بحزم» ضد «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يبحثون عن ضحايا بعد قصف إسرائيلي على مدينة بعلبك في 14 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 24 وإصابة 45 في غارات إسرائيلية على بعلبك الهرمل

أفادت وزارة الصحة اللبنانية اليوم (السبت)، بأن الغارات الإسرائيلية على بعلبك الهرمل اليوم، قتلت 24 وأصابت 45 آخرين في حصيلة غير نهائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
المشرق العربي عمال يزيلون الأنقاض من موقع غارة جوية إسرائيلية على احد المنازل في بعلبك (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 5 في قصف إسرائيلي على بعلبك

أفادت تقارير إعلامية لبنانية اليوم (السبت) بمقتل خمسة في قصف إسرائيلي استهدف بلدة شمسطار في بعلبك.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)

أوستن يؤكد لكاتس أهمية ضمان أمن الجيش اللبناني والـ«يونيفيل»

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الوزير لويد أوستن تحدث مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)
تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)
TT

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)
تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة، و«سيعمل على إعادة المدنيين الأبرياء المحتجزين كرهائن إلى ديارهم».

وأضافت أنه «سيعيد فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، ومحاربة الإرهاب، ودعم إسرائيل».

ووفقاً لما نقله الموقع عن مصادر، فإن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عندما اتصل بترمب لتهنئته على فوزه في الانتخابات، أخبره هرتسوغ أن إطلاق سراح الرهائن الـ101 «قضية ملحة» وقال لترمب: «عليك إنقاذ الرهائن»، الذي قال رداً على ذلك إن جميع الرهائن تقريباً ماتوا على الأرجح، ولكن الرئيس الإسرائيلي ذكر أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد أن نصفهم ما زالوا على قيد الحياة.

وقال أحد المصادر: «لقد فوجئ ترمب، وقال إنه لم يكن على علم بذلك»، وأكد مصدران آخران أن ترمب قال إنه يعتقد أن معظم الرهائن ماتوا.

وعندما التقى هرتسوغ بايدن في البيت الأبيض في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، طلب منه العمل مع ترمب بشأن هذه القضية حتى يتولى ترمب منصبه.

وبعد يومين، عندما استضاف ترمب في اجتماع لمدة ساعتين في المكتب البيضاوي، أثار بايدن مسألة الرهائن واقترح عليه العمل معاً للدفع نحو التوصل إلى اتفاق.

وقال بايدن لعائلات الرهائن الأميركيين، في اجتماع عقد بعد ساعات قليلة من لقاء ترمب: «لا يهمني إن كان ترمب يحصل على كل الفضل ما دام أنهم سيعودون إلى الوطن».

ولفت الموقع إلى أن المفاوضات بشأن صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار عالقة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

وفي اجتماع عُقد في وقت سابق من هذا الأسبوع، أخبر قادة الجيش الإسرائيلي والموساد والشين بيت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنهم يعتقدون أن حركة «حماس» من غير المرجح أن تتخلى عن شروطها للانسحاب الإسرائيلي من غزة وإنهاء الحرب.

وأخبروه أنه إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مهتمة بالتوصل إلى صفقة، فيجب عليها تخفيف مواقفها الحالية.

وتضع عائلات الرهائن والمسؤولون الإسرائيليون الآن آمالهم في نجاح ترمب، حيث فشل بايدن حتى الآن في إقناع نتنياهو بإنهاء الحرب في غزة مقابل تحرير الرهائن المحتجزين لدى «حماس».

وقبل أقل من شهرين من تنصيب ترمب، يبدو من غير المرجح أن يحدث اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في أي وقت قريب.

وبدلاً من ذلك، من المرجح جداً أن يرث ترمب الأزمة والمسؤولية عن الأميركيين السبعة المحتجزين لدى «حماس»، والذين يُعتقد أن أربعة منهم على قيد الحياة.