توترات أمنية ترفع المخاوف اللبنانية من «مخطط لتأجيج» الاحتقان الداخلي

تحذيرات من «محاولات مشبوهة» لـ«العبث بالسلم الأهلي»

مناصرون لـ«القوات اللبنانية» يحملون نعش باسكال سليمان (إعلام القوات)
مناصرون لـ«القوات اللبنانية» يحملون نعش باسكال سليمان (إعلام القوات)
TT

توترات أمنية ترفع المخاوف اللبنانية من «مخطط لتأجيج» الاحتقان الداخلي

مناصرون لـ«القوات اللبنانية» يحملون نعش باسكال سليمان (إعلام القوات)
مناصرون لـ«القوات اللبنانية» يحملون نعش باسكال سليمان (إعلام القوات)

تنامى القلق على المستويين السياسي والأمني في لبنان، من انفجار الاحتقان القائم، و«توتير إضافي» تخطّى الدعوات لترحيل السوريين، وذلك إثر حادثين متتاليين تمثَّلا في الاعتداء على مكتب لـ«الحزب السوري القومي الاجتماعي» في البقاع (شرق البلاد)، وإحراق سيارة إسعاف تابعة للحزب نفسه في بيصور (جبل لبنان)، وسط استنفار أمني لبناني وإجراءات متواصلة لمنع تدهور الأمور إلى «منعطفات خطيرة».

وتزامن الحادثان ضد «السوري القومي» مع احتقان لبناني في الشارع المسيحي ضد اللاجئين السوريين، على خلفية جريمة جبيل (شمال لبنان) التي ذهب ضحيتها القيادي في حزب «القوات اللبنانية» باسكال سليمان، يوم الأحد الماضي، وأدينت فيها عصابة يحمل معظم أفرادها الجنسية السورية.

ويحمل الاعتداء على مركز «السوري القومي» بُعداً رمزياً، لأن الحزب على خصومة مع «القوات اللبنانية» منذ إدانة أحد أعضائه في عام 1982 باغتيال الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميل. والخميس، نفى «القوات» ضلوعه في حادثة «القومي»، وفق ما نقل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن رئيس الحزب سمير جعجع.

وأعلن «السوري القومي» في بيان صادر عن عميد الإعلام فيه معن حمية، أن «مجرمين استغلوا عطلة عيد الفطر ليرتكبوا جريمتهم بالاعتداء على مكتب منفذية زحلة في الحزب الكائن في منطقة جديتا» في البقاع بشرق لبنان مساء الأربعاء، «فعمدوا إلى محاولة إحراقه، ووضع علم القوات اللبنانية على مدخله الخارجي». وقال إن الحادثة جاءت «في لحظة حساسة ومفصلية يمر بها لبنان، استغل بعض المجرمين ما يحصل من أحداث أليمة وتحريض طائفي ومذهبي يهدف إلى إضعاف لبنان وتفتيت وحدته الوطنية وتشويه صورة مؤسساته وتعميم أجواء الفتنة والتشنج».

يأتي ذلك في وقت أقدم فيه مجهولون، فجر الخميس، على إحراق سيارة إسعاف تابعة للحزب في بلدة بيصور بجبل لبنان.

صورة متداولة لسيارة الإسعاف التابعة لـ«السوري القومي» قبل وبعد إحراقها في بيصور بجبل لبنان (مواقع تواصل)

تأجيج النار في الداخل

ورفعت تلك التطورات الأمنية المفاجئة، مستوى التحذيرات من «أيادٍ خفية» و«مخطط مشبوه لتأجيج النار في الداخل اللبناني»، وفق ما أكد مصدر أمني لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أن «البيانات التي صدرت عن البلديات ضد السوريين، وتحمل نفس العبارات، تشير إلى توجيه منظم، وتدلل على سيناريو مفتعل لرفع منسوب التشنج ضد النازحين السوريين، وإثارة خضات وتوتير للأجواء»، معرباً عن مخاوف السلطات من أن «يكون البعض يريد توظيف جريمة جبيل كفتيل لإشعال الوضع الأمني في الداخل».

وإذ رفض المصدر نفسه الاتهامات لحزب «القوات» من قبل خصومها في الضلوع بهذا التأجيج، أكد أن «هناك جهة خفية تتسلل إلى المشهد اللبناني في لحظة أمنية دقيقة، وتلعب تارة على وتر الحزب القومي، وتارة أخرى على موضوع اللاجئين». ولفت إلى «أبواق تتصدر مواقع التواصل ترمي الزيت على النار، وتحاول توريط كل الفرقاء السياسيين واستدراج الشارع إلى التوتر، مرة عبر التشكيك برواية الجيش والقضاء اللبنانيين حيال جريمة جبيل، ومرات أخرى في دفع الناس للمطالبة بالأمن الذاتي، وتعبئة الشارع ضد الدولة، وإشعال نيران جانبية بغرض التأجيج».

تطويق التوتر سياسياً

وكانت قيادة الجيش اللبناني أعلنت، مساء الاثنين الماضي، عن توقيف «مديرية المخابرات»، «معظم أعضاء العصابة السوريين المشاركين في عملية خطف» باسكال سليمان، مضيفة أنه خلال التحقيق معهم، «تبيّن أن المخطوف قُتِل من قبلهم أثناء محاولتهم سرقة سيارته في منطقة جبيل، وأنهم نقلوا جثته إلى سوريا».

وأطلع قائد الجيش العماد جوزيف عون، البطريرك الماروني بشارة الراعي، يوم الثلاثاء، على التطورات المتصلة بالتحقيقات، وكانت الزيارة بهدف «اطلاع الراعي على الوقائع المرتبطة بالتحقيق والتطورات الميدانية وإجراءات الجيش والجهود المبذولة لتطويق التوتر، لما للبطريرك من تأثير معنوي على الشارع المسيحي وقياداته السياسية»، وفق ما قالت مصادر مطلعة على أجواء الزيارة لـ«الشرق الأوسط».

«طابور خامس»

وتتلاقى التقديرات الأمنية لدى أكثر من جهاز لبناني، عند فرضية أن هناك «طابوراً خامساً» يحاول توتير الأجواء و«يصب الزيت على النار، ويرسم خريطة دمار للبلاد»، وهو ما يعزز نفي «القوات» لأي ضلوع في التوترات الأخيرة، بالتزامن مع «تعاون أمني بين القوات والجيش اللبناني أسهم في فتح الطرق وتهدئة الشارع بعد الجريمة». وتوصلت مخابرات الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي إلى النتيجة نفسها من خلال التنسيق الأمني والتعاون بينهما في ملف سليمان، وفقاً لما تؤكده مصادر معنية بالتحقيقات.

وقال المصدر الأمني لـ«الشرق الأوسط» إنه «في مقابل لعب البعض بالنار، نحاول إطفاءها بالوقائع، وقد أكدت كل التحقيقات التي سارت على خط متوازٍ بين الجيش وقوى الأمن، أن دافع الجريمة كان السرقة ولا خلفيات سياسية له»، مضيفاً: «إذا كانت هناك عصابة يتألف غالبية أعضائها من السوريين، فليس مقبولاً التهجم على السوريين والنازحين، وهو ما يشير إلى مخطط معين لإشعال البلد»، تواجهه السلطات باتصالات فاعلة مع الأطراف السياسية، وإجراءات أمنية يتخذها الجيش الذي «يحافظ على جاهزيته لإخماد أي توتر».

تحذيرات سياسية

ودفع تضافر المعطيات الأمنية، المسؤولين اللبنانيين إلى التحذير من تداعيات التأجيج. وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال تقديم واجب العزاء بسليمان، إن «هناك أيادي خبيثة تتحرك، ولكن الأجهزة الأمنية لها في المرصاد».

وكان ميقاتي استنكر في بيان سابق، الاعتداء على مقر «السوري القومي» في البقاع، وأعلن أنه أجرى اتصالاً بجعجع، «تمنى خلاله ضبط الانفعالات في هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ الوطن. وقد شجب جعجع هذا الحادث نافياً أي علاقة للقوات به». وشدد في البيان نفسه على «ضرورة أن تعي القيادات اللبنانية كل خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان، والابتعاد عن كل ما من شأنه تأجيج الخلافات والانقسامات، وأن يجري التعامل بحكمة مع الواقع القائم».


مقالات ذات صلة

لبنان: مقتل 5 في قصف إسرائيلي على بعلبك

المشرق العربي عمال يزيلون الأنقاض من موقع غارة جوية إسرائيلية على احد المنازل في بعلبك (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 5 في قصف إسرائيلي على بعلبك

أفادت تقارير إعلامية لبنانية اليوم (السبت) بمقتل خمسة في قصف إسرائيلي استهدف بلدة شمسطار في بعلبك.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)

أوستن يؤكد لكاتس أهمية ضمان أمن الجيش اللبناني والـ«يونيفيل»

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الوزير لويد أوستن تحدث مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني تقف قرب المبنى المستهدف في البسطة (الشرق الأوسط) play-circle 00:39

مصدر أمني لبناني: استهداف قيادي بـ«حزب الله» في ضربة بيروت

كشف مصدر أمني لبناني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «قيادياً كبيراً» في «حزب الله» الموالي لإيران جرى استهدافه في الغارة الإسرائيلية التي طاولت فجر اليوم بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد نتيجة غارة جوية إسرائيلية على قرية الخيام في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

«حزب الله»: قتلى وجرحى من الجيش إسرائيلي في اشتباكات بجنوب لبنان

أعلن «حزب الله»، السبت، أن عناصره اشتبكت مع قوة إسرائيلية كانت تتقدم باتجاه بلدة البياضة بالجنوب اللبناني، وأسفرت الاشتباكات عن قتلى وجرحى.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نقل جثمان أحد ضحايا القصف الإسرائيلي اليلي على منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:39

ضربة إسرائيلية في قلب بيروت تخلّف 11 قتيلاً وعشرات الجرحى

استهدفت سلسلة غارات إسرائيلية عنيفة مدينة بيروت، وتركّزت على مبنى مؤلف من 8 طوابق في منطقة فتح الله بحي البسطة الفوقا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

بعد أنباء استهدافه في بيروت... مَن هو طلال حمية الملقب بـ«الشبح»؟

صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية
صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية
TT

بعد أنباء استهدافه في بيروت... مَن هو طلال حمية الملقب بـ«الشبح»؟

صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية
صورة متداولة للقيادي في «حزب الله» طلال حمية

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هدف الغارات العنيفة على منطقة البسطة في قلب بيروت فجر اليوم (السبت)، كان طلال حمية القيادي الكبير في «حزب الله».

ونقل إعلام إسرائيلي أن «حزب الله» عيّن طلال حمية رئيساً للعمليات خلفاً لإبراهيم عقيل الذي اغتالته إسرائيل في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وكان برنامج «مكافآت من أجل العدالة» الأميركي رصد مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني.

وقال البرنامج إن طلال حمية يُعد رئيس منظمة الأمن الخارجي التابعة لـ«حزب الله» التي تتبعها خلايا منظمة في جميع أنحاء العالم.

وبحسب البرنامج، تشكل منظمة الأمن الخارجي أحد عناصر «حزب الله» المسؤولة عن تخطيط الهجمات الإرهابية خارج لبنان وتنسيقها وتنفيذها.

مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار مقابل معلومات عن طلال حيدر الملقب بـ«الشبح»

وفي 13 سبتمبر 2012، صنَّفت وزارة الخزانة الأميركية حمية بشكل خاص كإرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي «13224» بصيغته المعدلة على خلفية دعم أنشطة «حزب الله» الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وفي مختلف أنحاء العالم.

ونتيجة لهذا التصنيف تم حظر جميع ممتلكات حمية، والفوائد العائدة عليها التي تخضع للولاية القضائية الأميركية، وتم منع الأميركيين بوجه عام من إجراء أي معاملات مع حمية.

أبو جعفر «الشبح»

يعد طلال حمية المُكنّى بـ«أبو جعفر» والذي يبلغ من العمر نحو 50 عاماً، القائد التنفيذي للوحدة «910»، وهي وحدة العمليات الخارجية التابعة لـ«حزب الله»، والمسؤولة عن تنفيذ عمليات الحزب خارج الأراضي اللبنانية.

وهو القائد التنفيذي الحالي للوحدة، ومُلقَّب بـ«الشبح» من قِبل القيادات العسكرية الإسرائيلية لعدم وجود أي أوراق ثبوتية رسمية له في لبنان، ولابتعاده تماماً عن الحياة الاجتماعية والظهور العلني، واتباعه بصرامة الاحتياطات الأمنية المشددة لحظياً.

ويُدير حميّة الوحدة في منصب شغله قيادي «حزب الله» الأشهر عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق عام 2008، كما يحمل عدّة أسماء مستعارة من بينها طلال حسني وعصمت ميزاراني.

طلال حمية خليفة بدر الدين

وقد خلف طلال حمية قائد الوحدة السابق مصطفى بدر الدين، صهر مغنية وخليفته والذي قُتل أيضاً في سوريا عام 2016.

وينحدر طلال حمية من منطقة بعلبك الهرمل، وقد عمل إلى جانب كلٍّ من بدر الدين ومُغنية ووزير الدفاع الإيراني السابق أحمد وحيدي، كما كان وفق معلومات «الموساد» مسؤولاً عن نقل ترسانة «حزب الله» عبر سوريا.

بدأ نشاطه مع «حزب الله» في منتصف الثمانينات، وكانت انطلاقته الأولى كمسؤول أمني في الحزب من برج البراجنة، حيث كان المسؤول عن العديد من العناصر التي أصبحت فيما بعد من أهم القيادات العملياتية في الحزب، كما كان حميّة نائب مغنية في شبكة «الجهاد»، وهي وحدة البعثات الخاصة والهجمات الخارجية في «حزب الله».