في زيارة هي الثانية له منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تفقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، السبت، الجانب المصري من معبر رفح، على الحدود مع قطاع غزة، حيث جدد دعوته بسرعة وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني، وضرورة دخول شاحنات المساعدات الإنسانية بأسرع وقت ممكن.
وتأتي الزيارة بعد أيام قليلة من إعلان المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني عن رفض الحكومة الإسرائيلية دخوله إلى قطاع غزة لتفقد الوضع في مدينة رفح، التي يتكدس فيها نحو 1.5 مليون فلسطيني معظمهم من النازحين، بينما تبدي الحكومة الإسرائيلية إصراراً على تنفيذ عملية برية بالمدينة رغم التحذيرات الإقليمية والدولية من مغبة تلك الخطوة.
ورأى مراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن تكرار زيارات المسؤولين الأمميين والدوليين إلى منطقة معبر رفح، وتفقد شاحنات المساعدات المتكدسة بانتظار دخولها إلى الجانب الفلسطيني من المعبر يمثلان «وسيلة لتسليط الأضواء على الممارسات الإسرائيلية المعرقلة لدخول المساعدات»، حتى إن كانت الأمم المتحدة لا تمتلك ما يكفي من أدوات تنفيذية للضغط على إسرائيل، بينما رأى آخرون أن استمرار الحرب التي تقتل من يتلقون تلك المساعدات تبقي أية خطوات أممية في هذا الصدد ضمن نطاق «التعاطف» بعيداً عن القدرة على الفعل.
وقف إطلاق النار
والتقى الأمين العام للأمم المتحدة، خلال زيارته إلى محافظة شمال سيناء المصرية، بمستشفى العريش عدداً من المصابين الفلسطينيين، وتفقد شاحنات المساعدات الإنسانية المصطفة بانتظار السماح لها بالدخول إلى قطاع غزة، كما التقى داخل معبر رفح بعدد من العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية.
وبدا لافتاً اعتراف غوتيريش بعدم قدرة الأمم المتحدة على وقف «المجاعة» التي قال إنها «تهدد سكان قطاع غزة في ظل استمرار القتال»، مؤكداً في مؤتمر صحافي عقده بمطار العريش في ختام زيارته: «ليست لدينا السلطة لإيقاف ذلك (إطلاق النار)، لكنني أناشد كل من يملك السلطة أن يفعل».
وقال غوتيريش من رفح المصرية إن «الفلسطينيين من أطفال ونساء ورجال يعيشون كابوساً لا ينتهي» في ظروف كارثية. وأضاف: «لا شيء يبرر الهجمات المروعة التي قامت بها (حماس) في السابع من أكتوبر، ولا شيء يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني».أضاف: «الآن، وأكثر من أي وقت مضى، حان الوقت لوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية»، موضحاً أنه أتى «حاملاً أصوات الغالبية العظمى من دول العالم التي سئمت ما يحدث... هُدمت المنازل، وقضت عائلات وأجيال بأكملها في ظل المجاعة التي تحيق بالسكان». وقال غوتيريش أيضاً: «بهدي من شهر رمضان، شهر الرحمة، حان الوقت للإفراج فوراً عن جميع الرهائن».
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة استهداف إسرائيل للفلسطينيين في غزة خلال تلقيهم المساعدات، منتقداً في الوقت نفسه ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من عرقلة لدخول المساعدات والسماح بتوزيعها في جميع مناطق القطاع، كما دعا في الوقت نفسه إلى إطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة.
ورداً على سؤال حول ما يمكن للأمم المتحدة عمله لإقناع الحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن الهجوم على مدينة رفح، قال غوتيريش: «للأسف الحكومة الإسرائيلية لا تفعل عادة ما أطلبه منها»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن لدى الولايات المتحدة «قدرة خاصة لمنع ذلك»، مطالباً جميع الأطراف بالقيام بمسؤولياتها لتحسين الوضع الإنساني في غزة.
وشدد على رفض التهجير القسري لسكان غزة مضيفاً أنه «لا مكان آمناً في غزة يمكن أن يذهب إليه النازحون»، كما أكد على محورية دور «الأونروا»، واصفاً الوكالة بأنها «العمود الفقري في مساعدة سكان غزة».
مكسب كبير
ويعد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي زيارات غوتيريش والمسؤولين الأمميين إلى منطقة معبر رفح «مكسباً كبيراً»، مشيراً إلى أن تلك الزيارات توفر نوعاً من الدعم المعنوي، وتسليطاً للضوء على حقيقة ما يجري على الأرض، خصوصاً عندما يصدر من مؤسسات أممية مختصة، وبالتالي يمكن أن يتحول الأمر إلى «ضغط معنوي» عبر توثيق الجريمة التي تقوم بها إسرائيل وحشد الدعم الدولي للموقف الفلسطيني.
ورأى بيومي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن إضعاف أدوات الأمم المتحدة في الفعل يرجع إلى رغبة أميركية في الانفراد بصناعة القرار العالمي، واحتكار أدوات الحل في الأزمات الدولية.
ويبدى أستاذ القانون الدولي وخبير النزاعات الدولية الدكتور محمد محمود مهران، اتفاقاً مع عَدِّ زيارات مسؤولي الأمم المتحدة إلى حدود قطاع غزة مع مصر «رسالة واضحة لإسرائيل بضرورة رفع الحصار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، خصوصاً في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية هناك».
وقال مهران لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الزيارات «تشكل ضغطاً حقيقياً»، إذ تسهم برأيه في تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية، وتضع سلوكها تحت المجهر الدولي، إضافة إلى كونها تمثل «شهادة موثقة بالمعاناة والانتهاكات التي يتعرضون لها بفعل الاحتلال والحصار يمكن استخدامها في المحافل الدولية»، لكنه يؤكد في الوقت نفسه ضرورة أن «تترجم هذه الزيارات والمواقف إلى خطوات عملية من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بما في ذلك اتخاذ قرارات ملزمة لإسرائيل بوقف انتهاكاتها، وفك الحصار».
وفي المقابل، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة الدكتور رامي عاشور، أنه رغم القيمة المعنوية التي تحظى بها زيارات المسؤولين الأمميين فإن تبقى في خانة «التعاطف»، ما دامت لم تمتزج بإجراءات جادة وقوية لوقف إطلاق النار، متسائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن جدوى الدعوة الأممية لإدخال المساعدات ما دامت إسرائيل تواصل قتل واستهداف المدنيين الفلسطينيين عند تلقيهم تلك المساعدات، فضلاً عن عدم قدرة الأمم المتحدة على معاقبة إسرائيل التي تمنع المسؤولين الأمميين من دخول قطاع غزة لمباشرة مسؤولياتهم.
يشار إلى أن تقارير المؤسسات الأممية، خصوصاً وكالة «الأونروا» حول تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، كانت من بين الوثائق التي استندت إليها محكمة العدل الدولية في يناير (كانون الثاني) الماضي لإصدار قرارها بقبول دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بمخالفة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
إلا أن إسرائيل قالت لاحقاً وفي أعقاب تلك الجلسات أن نحو 12 من موظفي «الأونروا» العاملين في قطاع غزة شاركوا في هجمات 7 أكتوبر التي نفذتها حركة «حماس» ضد مستوطنات إسرائيلية في منطقة غلاف غزة، ورغم أن إسرائيل لم تقدم أدلة على ذلك الاتهام، فإن نحو 14 دولة غربية سارعت إلى تعليق تمويلها للمنظمة الأممية المعنية بدعم اللاجئين الفلسطينيين، من بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
وكشف المفوض العام لوكالة «الأونروا» في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية المصري بالقاهرة، الأسبوع الماضي، عن أنه كان يعتزم زيارة مدينة رفح الفلسطينية، ولكن جرى إبلاغه برفض دخوله إلى المدينة من جانب الحكومة الإسرائيلية.