الملاحة الجوية والبحرية اللبنانية مهدّدة بفعل تشويش إسرائيلي

عطّل أجهزة مدنية تستخدم نظام «جي بي إس»... واتجاه لبناني لتقديم شكوى

حركة الملاحة الجوية في مطار بيروت ضحية التشويش الإسرائيلي على نظام «جي بي إس» (أرشيفية)
حركة الملاحة الجوية في مطار بيروت ضحية التشويش الإسرائيلي على نظام «جي بي إس» (أرشيفية)
TT

الملاحة الجوية والبحرية اللبنانية مهدّدة بفعل تشويش إسرائيلي

حركة الملاحة الجوية في مطار بيروت ضحية التشويش الإسرائيلي على نظام «جي بي إس» (أرشيفية)
حركة الملاحة الجوية في مطار بيروت ضحية التشويش الإسرائيلي على نظام «جي بي إس» (أرشيفية)

اضطر مهندس طبوغرافي كان يمسح عقاراً صغيراً في بلدة شقرا بجنوب لبنان، للاستغناء عن معداته الحديثة التي يستخدمها منذ 4 سنوات، بسبب التشويش الإسرائيلي على الأجهزة العاملة بنظام «جي بي إس». يقول المهندس: «منذ بدأت الحرب، لم يعد هذا الجهاز صالحاً، ويفشل في تحديد النقاط الطبوغرافية بدقة»، وذلك وسط شكاوى كبيرة في الجنوب من تشويش إسرائيلي على المعدات الإلكترونية وأجهزة الاتصال.

وعادة ما تلجأ إسرائيل إلى التشويش على نظام التموضع العالمي المعروف بـ«جي بي إس» خلال الحروب، وهي أمور بدأ اللبنانيون يختبرونها بكثرة في الحرب الأخيرة. وإذا كانت إسرائيل تسعى للتأثير على أنظمة يُعتقد أن «حزب الله» يستخدمها لقيادة مسيّراته وتوجيه صواريخه، فإن قطاعات لبنانية مدنية واسعة تأثرت بهذا التشويش، تبدأ من الملاحة الجوية والملاحة البحرية، ولا تنتهي بالاستخدامات اليومية لتطبيقات تعتمد على «جي بي إس».

ويعد «جي بي إس» نظام ملاحة قائماً على الأقمار الاصطناعيّة، حيث يساعد في تحديد الموقع الجغرافي الدقيق للأجهزة (والأشخاص الذين يستخدمونها) أينما كانت على هذا الكوكب. وأثارت وسائل الإعلام الإسرائيلية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي القضية، بحديثها عن أساليب التأثير الإلكتروني التي يتّبعها الجيش، وقالت إنها تطال الإشارات في سائر الأراضي الفلسطينية والدول المجاورة.

الملاحة الجوية والبحرية

وتحدثت تقارير عن التشويش الذي يطال منطقة شرق المتوسط بأكملها، ومن بينها تقرير أصدرته «الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران EASA». وأثار وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية قضية التشويش خلال جلسة الحكومة يوم الثلاثاء، وقال بعد انتهاء الجلسة: «تقرر في مجلس الوزراء الطلب إلى وزارة الخارجية والمغتربين، بعد التنسيق مع وزارة الأشغال العامة والنقل والجهات المعنية، بتقديم شكوى أمام مجلس الأمن الدولي، على خلفية التشويش الذي يتم في أجواء المطار، وذلك نظراً لخطورته على جميع شركات النقل الجوي المحلية والدولية، ولأنه يشكل انتهاكاً واضحاً لسيادتنا الوطنية».

وينسحب التشويش على الملاحة البحرية في موانئ لبنان. وقال مصدر لبناني مواكب للحركة البحرية لـ«الشرق الأوسط» إن التشويش عرقل دخول باخرة كبيرة إلى مرفأ بيروت في الشهر الماضي، حيث لاحظ القبطان تشويشاً كبيراً على نظام الملاحة. وعندها، «رفض القبطان الدخول ليلاً إلى رصيف السفن، وفضّل انتظار الصباح حتى يدخل المرفأ بالعين المجردة لضمان عدم التعرض لأي حادث».

وتوسّعت استخدامات «جي بي إس» المدنية في السنوات الأخيرة، من قطاعات النقل والملاحة، إلى استخدامات واسعة بالهندسة والحواسيب ورسم الخرائط، وغيرها من الاستخدامات. لكنّ مهندسي المساحة تعرضوا لانتكاسة جراء التشويش. وقال المهندس يوسف ف. من الجنوب، إن أجهزة المساحة بدأت تتعرض لتشويش منذ بدء الحرب، و«بتنا نعاني جراء هذا التشويش»، فيما قال مهندس آخر يعمل في محيط مدينة بنت جبيل إنه اضطر لإعادة إخراج المعدات القديمة المعروفة بـ«المنظار»، وذلك لإنجاز مهمته، كون التشويش منع الأجهزة الحديثة من تقديم نقاط دقيقة.

تلاعب بنظام التموضع العالمي

ويقول الخبير في السلامة الرقمية عبد الغني قطايا، إن تكرار الشكاوى في الآونة الأخيرة منذ بدء حرب غزة، يشير إلى أن إسرائيل تستخدم تقنيّات التشويش والانتحال للتشويش على إشارات نظام التموضع العالمي (GPS) والاتّصالات، بوصف ذلك جزءا من استراتيجيّتها الحربيّة.

ويشرح قطايا، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الجوالات الذكيّة وأنظمة الملاحة تحتوي على أجهزة استقبال لنظام «جي بي إس» تلتقط الإشارات من أقمارٍ اصطناعيّة متعدّدة لهذا النظام، ويمكن أن يستخدم لأغراض مدنية وعسكرية. ويحتسب جهاز استقبال نظام التموضع العالمي المسافة إلى كلّ قمرٍ اصطناعيّ بناءً على الوقت الذي تستغرقه الإشارات للوصول إلى الأجهزة. ويشير إلى أن المنتحل الإسرائيلي «يستطيع أن يحجز مكاناً بين الجهاز وقمر (جي بي إس)، ما يتيح له تضليل الجهاز على الأرض».

ورصدت منظمات لبنانية زيادة في مستوى التشويش على أنظمة الملاحة وسائر المعدات التي تستخدم «جي بي إس»، في أوقات التطورات الأمنية مع إسرائيل، ومع أن هذا الأمر جرى الإبلاغ عنه أخيراً خلال حرب غزة، لكن تم رصده في أبريل (نيسان) 2023 إثر الحملة الإسرائيلية على غزة التي تمت مؤازرتها بصواريخ من جنوب لبنان، كما رصدت في شهر مايو (أيار) 2021، خلال التصعيد العسكري في غزة أيضاً وإطلاق صواريخ في لبنان. ويمكن أن ينطلق التشويش الإسرائيلي من محطات على الأرض، أو قواعد عسكرية أو مراكز تجسس تقني، كما يمكن أن تكون محمولة جواً في مسيرات أو مناطيد، وعادة ما تكون ملاصقة لأنظمة الدفاع الجوي.

ولا ينفي قطايا أنّ حركة الملاحة المدنيّة الدولية، البحرية والجويّة، قد تتأثّر بشكلٍ خطيرٍ بتدخّل القوّات الإسرائيليّة، ويقول إن نظام «جي بي إس» «يسهل اختراقه بفعل التطور التقني الموجود لدى إسرائيل»، وتالياً، فإن التلاعب بنظام التموضع العالمي على الأجهزة والتطبيقات كافّة يصبح متاحاً، ويبدأ من حركة الملاحة الجوية للطيران المدني، ولا ينتهي عند الألعاب الإلكترونية وقيادة الطائرات المسيرة الصغيرة التي تُستخدم لأغراض مدنية، فضلاً عن الملاحة البحرية وغيرها.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يؤكد مقتل علي كركي مع نصر الله... ويكشف قيادته جبهة الجنوب

المشرق العربي فتاة لبنانية تلتقط صوراً لمكان الغارة الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)

«حزب الله» يؤكد مقتل علي كركي مع نصر الله... ويكشف قيادته جبهة الجنوب

أكد «حزب الله» اللبناني، الأحد، مقتل القيادي علي كركي في غارة إسرائيلية استهدفت بعض قياديي الجماعة في لبنان وعلى رأسهم أمينها العام حسن نصر الله.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي (رويترز)

رئيس الوزراء اللبناني: لا خيار لدينا سوى الحل الدبلوماسي

قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، الأحد، إنه ليس لديه خيار سوى الخيار الدبلوماسي، رداً على سؤال بشأن الجهود الدبلوماسية لوقف تصعيد إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أنصار الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله يحملون صوره أثناء تجمعهم في صيدا بعد مقتله في غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

بطريرك الموارنة: قتل إسرائيل لنصر الله جرح قلوب الشعب اللبناني

دعا بطريرك الموارنة في لبنان بشارة بطرس الراعي، وهو أكبر رجل دين مسيحي في البلاد، إلى الدبلوماسية في الصراع بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي عناصر من «حزب الله» يستقلون دراجة داخل إحدى القواعد بينما تظهر صور حسن نصر الله وقاسم سليماني على الجدار خلفهم (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)

«حزب الله» أمام مفترق طرق: رد حازم أو الهزيمة الكاملة

بعد مقتل أمينه العام حسن نصر الله، يبدو «حزب الله» أمام مفترق طرق، فإما أن يردّ بشكل غير مسبوق على إسرائيل، أو أن يكرّس صورة العاجز عن مقارعتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا وزير الخارجية الصيني وانغ يي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 28 سبتمبر 2024 (رويترز)

وزير خارجية الصين يطالب بوقف شامل لإطلاق النار في الشرق الأوسط دون تأخير

قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اليوم (السبت)، إنه يجب ألا يكون هناك أي تأخير في التوصل إلى «وقف شامل لإطلاق النار» في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

إسرائيل تدفع لاستغلال «نافذة زمنية محدودة» في لبنان

دبابات إسرائيلية ضمن الحشد على الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
دبابات إسرائيلية ضمن الحشد على الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تدفع لاستغلال «نافذة زمنية محدودة» في لبنان

دبابات إسرائيلية ضمن الحشد على الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)
دبابات إسرائيلية ضمن الحشد على الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)

وضع الجيش الإسرائيلي كلّ خياراته العسكرية ضد لبنان على الطاولة، بدءاً من سلسلة الاغتيالات التي طالت أبرز قادة «حزب الله» وآخرهم أمينه العام حسن نصر الله، وصولاً إلى استهداف مواقع عسكرية ومخازن الأسلحة التابعة للحزب، وانتهاءً بالتحضيرات الميدانية لتدخُّل برّي وضعه الجيش الإسرائيلي ضمن احتمالاته لفرض حزام أمني ما بين الخطّ الأزرق ومجرى نهر الليطاني في جنوب لبنان.

ويبقى الدخول البرّي احتمالاً مطروحاً بقوّة، لكنّه ليس متقدّماً أو متعجَّلاً، وفق تقدير الخبراء، ما دامت الغارات الجوّية تحقق أهدافها حتى الآن، رغم دفع إسرائيلي باتجاه مواصلة العمليات، وتنفيذ التوغل البري، وفق ما عبَّرت عنه وسائل إعلام إسرائيلية؛ حيث نقلت عن مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، قولهم إنه «من الضروري مواصلة العملية العسكرية المتصاعدة في لبنان». ويرى هؤلاء أن «هناك نافذة زمنية محدودة لتنفيذ اجتياح بري». ويعبِّر كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية عن خشيتهم من أن تقليص أو خفض قوة الهجمات في لبنان قد يتيح لإيران إعادة بناء قدرات «حزب الله».

خريطة جديدة

لكن هذه التقديرات، لا ينُظر إليها في لبنان على أنها محقَّقة بطريقة سريعة؛ إذ رأى مدير «مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر أن «استمرار إسرائيل بنجاح عملياتها العسكرية الجوية، قد يغنيها عن التوغّل البرّي في جنوب لبنان». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «عمليات اغتيال القادة الكبار في الحزب قد تسهّل عليها التدخل البرّي إذا وجدت ضرورة لذلك». وقال: «إذا حدث التدخل البرّي فهذا يعني أننا دخلنا مرحلة رسم خريطة جديدة للمنطقة، تؤمِّن حدود إسرائيل بالدرجة الأولى، وتقطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية».

ويولي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجبهة اللبنانية أهمية قصوى، بالنظر لما يحققه من نجاحات فيها، وبما أنها تمثّل التهديد الأقوى لتلّ أبيب.

طبيعة الأهداف

أشار الباحث في الشؤون العسكرية العميد عادل مشموشي إلى أن «الوقائع القائمة الآن تفيد بأن الجيش الإسرائيلي لا يزال في طور تقويض قدرات (حزب الله) القتالية، أما الاجتياح البري للبنان فيتوقّف على طبيعة الأهداف التي ينظر إليها العدو».

وقال مشموشي: «حتى الآن الجيش الإسرائيلي مرتاح إلى أسلوبه في اغتيال القادة والمقاتلين، واستهداف مخازن الأسلحة والصواريخ، وأعتقد أنه بعد تقويض قدرات الحزب يصبح التدخل البري ممكناً»، مشيراً إلى أنه «لا أحد يتكهّن بنتائج الاجتياح البرّي، فالجيش الإسرائيلي يقول إنه يريد الدخول إلى حدود مجرى نهر الليطاني، لكن لا شيء يضمن ما إذا كان هذا التوغّل يقف عند هذه الحدود أم لا»، مذكِّراً بأنه «عندما اجتاحت إسرائيل لبنان في عام 1982 كان الهدف إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن الحدود، لكنّه استمرّ بتوغله حتى وصل إلى العاصمة بيروت، والأمر اليوم يتوقّف على القدرات القتالية للحزب، وتصدّيه للهجمات، ومدى دخول مقاتلين أجانب للقتال إلى جانب الحزب تحت عنوان وحدة الساحات».

وأظهر نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه مرتاح لإدارة المعركة وإمساكه بالجبهة الشمالية، ورأى الدكتور سامي نادر أن «الفوقية والعنجهيّة اللتين يظهرهما نتنياهو لم تكونا موجودتين لو لم يكن متأكداً من الدعم الدولي الذي يحظى به، وتشجيعه على المضي قُدماً بضرب (حزب الله)، وتقويض قدراته إلى أبعد الحدود». وعبّر عن أسفه لأن الحزب «أخطأ في حساباته عندما فتح (جبهة المساندة والإشغال)، ودخوله وحيداً، ليتفاجأ أنه تُرك في هذه المواجهة من دون أي تدخّل إيراني مباشر».

دبابات إسرائيلية ضمن الحشد على الحدود اللبنانية (أ.ف.ب)

وتترافق هذه التطورات مع غياب أي تأثير للدولة اللبنانية في مسار هذه الأحداث، ودعا مشموشي، إلى «ممارسة دورها ولو بالحدّ الأدنى». وسأل: «هل هناك من يجرؤ أن يتخذ موقفاً باسم الدولة اللبنانية ويناشد المجتمع الدولي بوقف تدمير لبنان ومؤسسات الدولة، لا سيما أن ما يحدث يضع أعباءً صحّية واجتماعية وإنسانية على الدولة المثقلة أصلاً بأزماتها المالية والاقتصادية؟».

وتناقل ناشطون معلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تتحدث عن تقدّم ميداني للجيش الإسرائيلي من جهة مزارع شبعا، وأخرى تفيد بأن الإسرائيليين أزالوا جزءاً من الشريط الشائك، إلّا أن مصدراً أمنياً نفى كل هذه المعلومات، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجيش اللبناني وقوات (اليونيفيل) الموجودين على طول الحدود مع فلسطين المحتلة لم يلحظوا أي تقدّم نحو الأراضي اللبنانية»، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال يتخذ حالة استنفار قصوى، ولكن لا تغيير على المستوى الميداني».