انقسامات حادة في صفوف الفصائل العراقية بشأن استهداف المصالح الأميركية

أعلنت استهدافها لقاعدة في سوريا

عراقيون يشاركون في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين بالقرب من ميدان التحرير أمس في بغداد (د.ب.أ)
عراقيون يشاركون في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين بالقرب من ميدان التحرير أمس في بغداد (د.ب.أ)
TT

انقسامات حادة في صفوف الفصائل العراقية بشأن استهداف المصالح الأميركية

عراقيون يشاركون في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين بالقرب من ميدان التحرير أمس في بغداد (د.ب.أ)
عراقيون يشاركون في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين بالقرب من ميدان التحرير أمس في بغداد (د.ب.أ)

رغم البيانات المتكررة التي تصدر عن فصائل مسلحة تطلق على نفسها توصيف «المقاومة الإسلامية» في العراق، حول استهداف بعض المصالح والقواعد الأميركية، فإن شكوكاً كثيرة يعبر عنها المطلعون على شؤون تلك الفصائل حول «جديتها» أولاً، في التصعيد ضد واشنطن، في ظل العلاقة الجيدة مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مرشح «الإطار التنسيقي» الذي تستظل به معظم الأجنحة المسلحة للفصائل الشيعية، وثانياً حول «الانقسامات الحادة» بين تلك الفصائل بشأن توريط البلاد التي تمتعت أخيراً بأمن واستقرار نسبي في حرب جديدة.

ومع أن جماعات الفصائل نجحت في شنّ مجموعة هجمات على قواعد ومصالح أميركية منذ بدء الحرب الإسرائيلية في غزة، فإن تواصل تلك الهجمات وطبيعتها ما زالا محل شكوك المراقبين، ولعل الهجوم الذي أعلنت عنه «المقاومة الإسلامية» في العراق، اليوم (السبت)، على قاعدة أميركية في سوريا يشير إلى أنها ربما تسعى لنقل أهدافها خارج حدود العراق بالنظر للضغوط التي تتعرض لها.

وقالت «المقاومة الإسلامية» في بيان مقتضب إن «مجاهدي المقاومة الإسلامية في العراق استهدفوا قاعدة للاحتلال الأميركي في التنف السورية، بطائرتين مسيرتين، وقد أصابتا أهدافهما بشكل مباشر». وسبق أن أعلنت، الاثنين الماضي، عن 3 عمليات مماثلة في سوريا أيضاً.

وتعليقاً على الانقسامات المحتملة بين صفوف الفصائل المسلحة، يرى رئيس «مركز التفكير السياسي» الدكتور إحسان الشمري أن «حرب غزة أحدثت انقساماً حاداً داخل أروقة الفصائل المسلحة لجهة الموقف من قضايا عدة، منها تفويض الحكومة بشكل كامل حول التعاطي مع حرب غزة، وهذا ما دفعت به بعض الفصائل، في مقابل فصائل أخرى ترفض هذا التفويض لأنه يحرجها، خصوصاً أن الحكومة ستعتمد على الحلول الدبلوماسية في إنهاء هذا الصراع، وهو ما يتناقض مع طبيعة متبنيّات تلك الفصائل».

ويضيف الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الانقسام الأكثر حدة ظهر مع تصاعد الحرب في غزة، وبالتحديد في قضية استهداف المصالح الأميركية، باعتبار أن قضية الانخراط مع (حماس) بشكل مباشر في الحرب ضد إسرائيل ليس خياراً متقدّماً، نتيجة أسباب كثيرة، وأيضاً فإن قضية استهداف المصالح الأميركية، أحدثت انقساماً حاداً، باعتبار أن حكومة السوداني هي حكومة الفصائل والقوى القريبة منها».

ويتابع أن «السبب المهم في الانقسام هو أن جزءاً من الفصائل، مثل حركة (النجباء) و(كتائب حزب الله) و(سيد الشهداء)، كانوا أكثر تشدداً في قضية استهداف مصالح واشنطن، في مقابل عدم قبول فصائل أخرى: (بدر) و(أهل الحق)، وتجد أن ذلك قد يضر في معادلة الحكم التي تتبناها الآن، وترى ضرورة أن تكون هناك رؤية دقيقة أو خطوات تسبق عملية التدخل المباشر واستهداف المصالح الأميركية، خصوصا أن هذه الفصائل هي جزء وركن أساسي من أركان الحكومة».

ويتابع الشمري بالقول: «بيد أن كل ذلك لم يمنع الفصائل المناهضة من تنفيذ هجمات ضد المصالح الأميركية، وهذا جزء من لعبة تبادل الأدوار، لكن هذه اللعبة لا يمكن أن تقفز على حقيقة الانقسامات الكبيرة والقائمة بينها».

أما الباحث والمحلل السياسي نزار حيدر، فيقلل من أهمية الانقسامات داخل الفصائل المسلحة، لأن «قرارها من مصدر واحد»، في إشارة إلى الهيمنة الإيرانية على قرار تلك الفصائل.

ويقول نزار لـ«الشرق الأوسط»: «الحقيقة أن زعامات (الإطار التنسيقي) التي تمتلك ميليشيات، مثل (عصائب أهل الحق)، فهي إما تلزم الصمت عندما يجري الحديث عن ضرورة وقف الهجمات حتى لا تتعرض الحكومة والإطار لمزيد من الإحراج، أو أنها تشجع من طرف خفي».

ويضيف: «أما الزعامات الأكثر براغماتية، مثل الحكيم والعبادي، فهم يتحدثون بشكل واضح وصريح عن ضرورة احترام التزامات العراق في حماية الوجود العسكري الأجنبي في العراق، باعتبار أنه جاء بطلب من الحكومة العراقية».

ويتابع: «لا ننسى أن هناك في الساحة الآن حرب مزايدات بين مختلف القوى والتيارات السياسية، والشيعية تحديداً، فثمة من يدعو إلى مظاهرة، وآخر يدعو إلى مظاهرتين، وهناك من يدعو إلى إغلاق السفارة الأميركية، في مقابل مَن يتباكى على مصير العراق إذا حصل ذلك».

ويخلص حيدر إلى القول إن «الفصائل دخلت الآن في طور هذه المزايدات، وإن كانت أفعالها تحت السيطرة من قبل المصدر».


مقالات ذات صلة

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

شؤون إقليمية إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

ثمة من يعتقد أن إيران ستركز اهتمامها في مناطق نفوذها في العراق بالتزامن مع تهديدات إسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية

المحلل العسكري
خاص عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب) play-circle 03:44

خاص جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

ليس بسيطاً أن تكون صهر صدام حسين، وسكرتيره الثاني، وابن عشيرته، وليس بسيطاً أن تُسجن من عام 2003 وحتى 2021... فماذا لدى جمال مصطفى السلطان ليقوله؟

غسان شربل
المشرق العربي جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)

العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع

قالت وزارة الخارجية العراقية إن بغداد وجهت رسائل لمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية و«التعاون الإسلامي» بشأن «التهديدات» الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

قال مسؤول دفاعي أميركي إن قائداً كبيراً بـ«حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية خلال حرب العراق، قُتل بسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
TT

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها، لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد؛ رداً على الهجمات التي تشنها فصائل مسلحة، في حين أشار مصدر مقرب من «التحالف الحاكم» إلى أن جرس الإنذار السياسي يرن في مكاتب الأحزاب الرئيسة هذه الأيام.

وغالباً ما يرتبط الانشغال بمخاوف جدية من استهداف مواقع رسمية ربما تمتد لتشمل مقار حكومية وحقول نفط ومواقع استراتيجية، ولا تقتصر على مقار ومعسكرات الفصائل المتهمة بمهاجمة إسرائيل، حسب مصادر مقربة من قوى «الإطار التنسيقي». وتنقل مصادر صحافية «تقديرات حكومية» عن إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي».

توسيع دائرة الحرب

يبدو أن المخاوف العراقية السائدة، خصوصاً داخل الأوساط السياسية، إلى جانب الشكوى الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أمام مجلس الأمن الدولي ضد 7 فصائل مسلحة، وتحميل بغداد الهجمات التي تشنها الفصائل ضدها؛ دفعت الحكومة العراقية وعبر وزارة خارجيتها إلى توجيه رسائل رسمية إلى مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي؛ رداً على التهديدات الإسرائيلية ضد العراق.

وقالت وزارة الخارجية، السبت، إن «العراق يُعد ركيزة للاستقرار في محيطيه الإقليمي والدولي، ومن بين الدول الأكثر التزاماً بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة».

وأضافت أن «رسالة الكيان الصهيوني إلى مجلس الأمن تمثّل جزءاً من سياسة ممنهجة؛ لخلق مزاعم وذرائع بهدف توسيع رقعة الصراع في المنطقة».

وشددت الوزارة على أن «لجوء العراق إلى مجلس الأمن يأتي انطلاقاً من حرصه على أداء المجلس لدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين، وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لوقف العدوان الصهيوني في قطاع غزة ولبنان، وإلزام الكيان الصهيوني بوقف العنف المستمر في المنطقة والكف عن إطلاق التهديدات».

وتابعت أن «العراق كان حريصاً على ضبط النفس فيما يتعلق باستخدام أجوائه لاستهداف إحدى دول الجوار». وشدد على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية التي تشكّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي».

وأكدت «الخارجية» العراقية «الدعوة إلى تضافر الجهود الدولية لإيقاف التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، وضمان احترام القوانين والمواثيق الدولية، بما يُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار».

وقد طلب العراق تعميم الرسالة على الدول الأعضاء وإيداعها بوصفها وثيقة رسمية لدى المنظمات المعنية، حسب بيان «الخارجية».

السوداني خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني (رئاسة الوزراء العراقية)

أجواء ما قبل الضربة

يقول مصدر مقرّب من «الإطار التنسيقي»، إن «الأحزاب الشيعية الرئيسة تنظر بجدية بالغة إلى حجم التهديدات الإسرائيلية، وتحثّ حكومة السوداني على اتخاذ جميع الوسائل والإجراءات الكفيلة بتجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة».

ويؤكد المصدر «قيام جميع قادة الفصائل والقادة الشيعة البارزين باختيار مواقع بديلة، وتتحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد استبدال أماكن أخرى بمعظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وحول ما يتردد عن طيران إسرائيلي يجوب الأجواء العراقية، ذكر أن «لا شيء مؤكداً حتى الآن، لكنه غير مستبعد، خصوصاً أن الأجواء العراقية تسيطر عليها القوات الأميركية، وليست لدى العراق قدرة على إيقاف تلك الخروقات، ويفترض أن تقوم الجهات الأمنية بتبيان ذلك».

وتقدّم العراق رسمياً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمذكرة احتجاج رسمية إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن الدولي، تضمّنت إدانة «الانتهاك الصارخ» الذي ارتكبته إسرائيل بخرق طائراتها أجواءَ العراق وسيادته، واستخدام مجاله الجوي لضرب إيران.

دبلوماسية وقائية

يقول المحلل والدبلوماسي السابق غازي فيصل، إن الرسائل التي وجّهتها الحكومة العراقية إلى مجلس الأمن وبقية المنظمات الدولية والإسلامية، بمثابة «دبلوماسية وقائية»، تريد من خلالها تجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة.

ويعتقد فيصل أن الهجوم الإسرائيلي إذا وقع فإنه «سيستهدف فصائل مسلحة سبق أن وجّهت أكثر من 200 طائرة وصاروخ، ومستمرة في تهديداتها».

ويؤكد أن «فصائل مسلحة عراقية موالية لطهران تحشد في منطقة قضاء سنجار التي تمثّل موقعاً استراتيجياً على الطريق بين إيران والأراضي السورية للدعم اللوجيستي وتسليح القواعد في سوريا والعراق، وشن هجمات نحو القوات الأميركية و(التحالف الدولي)، والجولان، وهي واحدة من القواعد الاستراتيجية المهمة لـ(الحرس الثوري) الإيراني في العراق».

ويضيف فيصل أن «الفصائل المسلحة تصر على الاستمرار في الحرب، وترفض موقف الحكومة الذي يدعو إلى التهدئة والحياد ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، وضمان حق الشعب الفلسطيني ورفض الاعتداء على لبنان».

كما أن رسائل الحكومة تأتي في سياق أنها «ليست مسؤولة بشكل مباشر عن استراتيجية الفصائل التي هي استراتيجية ولاية الفقيه الإيرانية. الرسالة جزء من الدبلوماسية الوقائية لتجنيب العراق الحرب ونتائجها الكارثية».

وسبق أن كرّر العراق مراراً عدم سماحه باستخدام أراضيه لمهاجمة دول الجوار أو أي دولة أخرى؛ لكن بعض الآراء تميل إلى أنه قد يسمح لإيران بذلك في حال شنّت إسرائيل هجوماً عليه.

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد (أرشيفية - أ.ف.ب)

300 هجوم إسرائيلي

من جانبه، تحدّث عمر الشاهر -وهو صحافي عراقي مطلع على نقاشات النخبة السياسية حول التصعيد في المنطقة- أن «الحكومة لديها تقديرات مقلقة بشأن الأمن القومي العراقي، تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد إلى قرابة 300 هجوم من طرف الكيان اللقيط المغتصب، في بحر 3 أيام».

وقال الشاهر، في تدوينة له عبر «فيسبوك»: «ليست هناك معلومات محددة عن طبيعة الأهداف ونوعيتها، ولكن فكرة تعرّض العراق إلى 100 هجوم يومياً على مدار 3 أيام جديرة بإثارة الهلع!».

وأضاف أن «جزءاً كبيراً من المعلومات التي استندت إليها حكومتنا في بناء تقديراتها، جاء من حلفاء دوليين كبار، تتقدمهم الولايات المتحدة، وأجزاء أخرى متفرقة جاءت من حلفاء ثانويين، ومن أطراف عراقية متداخلة في التطورات الإقليمية الراهنة».