إسرائيل تستهدف «حماس» في الضفة بالتهديد والاعتقالات الواسعة

حوّلت منزل العاروري إلى مقر تابع للمخابرات

أقارب الشاب عدي منصور (17 سنة) خلال تشييعه في كفر قاليل قرب نابلس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
أقارب الشاب عدي منصور (17 سنة) خلال تشييعه في كفر قاليل قرب نابلس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تستهدف «حماس» في الضفة بالتهديد والاعتقالات الواسعة

أقارب الشاب عدي منصور (17 سنة) خلال تشييعه في كفر قاليل قرب نابلس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
أقارب الشاب عدي منصور (17 سنة) خلال تشييعه في كفر قاليل قرب نابلس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

تواصل إسرائيل الانتقام من حركة «حماس» في الضفة الغربية، بعد الهجوم المباغت الذي شنته الحركة من قطاع غزة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، على مواقع للجيش الإسرائيلي ومستوطنات في غلاف القطاع، وهو هجوم خلّف قرابة 1400 قتيل إسرائيلي و3500 جريح وأكثر من 200 أسير.

وفي الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل بقصف قطاع غزة مع بداية الأسبوع الثالث للحرب، بهدف إلحاق أكبر دمار وخسائر بشرية هناك، كنوع من الانتقام، فإنها تواصل في الضفة الغربية حملة غير مسبوقة ضد قادة «حماس» وكوادرها ومسؤوليها ونشطائها، وحتى الذين يتضامنون معهم، في سياق «الانتقام» نفسه.

فلسطينيون خلال تشييع شاب قُتل في مواجهات مع مستوطنين بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

واعتقل الجيش الإسرائيلي السبت، أكثر من 110 فلسطينيين في مناطق مختلفة في الضفة، أغلبيتهم ينتمون إلى «حماس»، وبينهم قادة وأعضاء في المجلس التشريعي وأسرى سابقون ونشطاء.

ومنذ هجوم «حماس» اعتقلت إسرائيل في الضفة الغربية أكثر من 1100 شخص، وهذا لا يشمل عمّال قطاع غزة الذين تم طردهم إلى الضفة بعد «طوفان الأقصى» وأعيد اعتقالهم.

ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن «حماس» تحاول إقحامه في قتال على جبهات عدة من بينها الضفة الغربية، مؤكداً في تصريحات وبيانات تم توزيعها على مناطق في الضفة الغربية عبر طائرات مسيّرة، أنه لن يسمح لـ«حماس» بأن ترفع رأسها في الضفة.

وتتهم إسرائيل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي في «حماس»، المنحدر من الضفة، بأنه يقف خلف بنية «حماس» التحتية في الضفة وكذلك في لبنان (حيث يقيم، كما يُعتقد)، وبأنه أحد الذين يعملون على فكرة «ربط الساحات».

جانب من المواجهات بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين قرب مستوطنة بيت إيل المجاورة لرام الله الجمعة (إ.ب.أ)

واقتحمت قوات إسرائيلية منزل العاروري في بلدة عارورة شمال رام الله، وحوّلته إلى ثكنة عسكرية ومقر للتحقيق تابع لـ«الشاباك» الإسرائيلي (الاستخبارات الداخلية)، في خطوة بدت متعمدة وانتقامية.

وأظهرت صور التقطها ناشطون في القرية لافتة رفعها الجنود الإسرائيليون على بيت العاروري كتب عليها «هذا كان بيت صالح محمد العاروري وأصبح مقر أبو النمر - المخابرات الإسرائيلية - رمتني بدائها وانسلت».

ويعد العاروري على رأس قائمة الأهداف الإسرائيلية في قيادة «حماس» التي تعيش في الخارج، حتى قبل «طوفان الأقصى».

في نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، أي قبل نحو شهر من عملية «طوفان الأقصى»، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صالح العاروري بالاغتيال، وجاءت تصريحاته في ظل موجة تحريض كبيرة في إسرائيل على العاروري الذي تتهمه الأوساط الأمنية الإسرائيلية بأنه يقف خلف إعادة بناء بنية «حماس» التحتية في الضفة وعمل على تشكيل خلايا للحركة في لبنان.

وقال اللواء احتياط «ايتان دانغوت»، الذي شغل منصب السكرتير العسكري لثلاثة وزراء جيش سابقين، «أعتقد أنه الشخصية الأكثر خطراً داخل (حماس) اليوم»، وعدّ أن «دمه مهدور، فهو الشخصية الأكثر تطرفاً ويسعى إلى قتل أكبر عدد من الإسرائيليين».

وطالما وصفت وسائل إعلام إسرائيلية العاروري بأنه المطلوب الأول للاغتيال، بوصفه أحد أكثر الشخصيات التي تتمتع بـ«كاريزما» قوية في الخارج، وراكم الاتصالات من طهران إلى بيروت والقدس وقطاع غزة من أجل تحقيق هدفه الأعلى وهو الهجوم على إسرائيل من كل الساحات.

فلسطينيون اليوم السبت خلال تشييع الشاب عدي منصور (17 سنة) الذي قُتل في مواجهات مع مستوطنين في كفر قاليل قرب نابلس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

وينحدر العاروري من قرية عارورة، التي اقتحمها الجيش السبت، وقد عاش في الضفة الغربية واعتقل في السجون الإسرائيلية قبل إبعاده إلى الخارج في 2010، ضمن صفقة وافق عليها وأثارت آنذاك كثيراً من الجدل. وبرز نجم العاروري حينما اتهمته إسرائيل في 2014 بمحاولة بناء البنية العسكرية لحركة «حماس» في الضفة الغربية، واتهمته بالوقوف خلف تنفيذ «حماس» عمليات عدة، من بينها خطف 3 مستوطنين في الخليل وقتلهم، وهي العملية التي يمكن وصفها بشرارة حرب 2014 على غزة.

بعد ذلك نسبت إسرائيل إلى العاروري كل هجوم في الضفة بما في ذلك محاولة إشعال التصعيد في الضفة والقدس، ثم اتهمته بالوقوف خلف بنية «حماس» الجديدة في لبنان والعمل على توحيد الساحات.

وبشكل لا يعرف إذا كان مقصوداً أو لا، كان العاروري حذّر قبل «طوفان الأقصى» من مواجهة قريبة متعددة الجبهات، متعهداً بأن الاحتلال سيمنى بهزيمة ساحقة عند اندلاع المواجهة الإقليمية الشاملة. وقالت صحيفة «يو إس إيه توداي» الأميركية الجمعة أن إسرائيل أطلقت عملية مطاردة دولية لاستهداف العاروري، الذي يعتقد أنه كان على علم مسبق بتفاصيل الهجوم الذي شنته الحركة في السابع من هذا الشهر، وكذلك لأنه حلقة وصل بين الحركة من جهة وإيران و«حزب الله» اللبناني من جهة ثانية.

وتطرقت الصحيفة لتصريحات العاروري قبل الحرب، ونقلت عن مسؤولي استخبارات حاليين وسابقين في الولايات المتحدة وإسرائيل وكذلك وثائق حكومية وقضائية أن العاروري يعدّ حلقة وصل استراتيجية بين ثلاث جهات، هي «حماس» و«حزب الله» وإيران.

وإسرائيل ليست الجهة الوحيدة التي تريد رأس العاروري، وكانت واشنطن وضعته على قائمة العقوبات الأميركية المرتبطة بالإرهاب ورصدت مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار من وزارة الخارجية الأميركية لمن يدلي بمعلومات تؤدي لقتله أو اعتقاله.

وتقول إسرائيل إن العاروري يعيش في لبنان تحت حماية «حزب الله» اللبناني.


مقالات ذات صلة

«أخطر بكثير»... ماذا تغير في مواجهة السنوار ونصر الله مع إسرائيل؟

تحليل إخباري صورة لنتنياهو خلال مظاهرة ضد التصعيد الأخير في نيويورك (أ.ف.ب)

«أخطر بكثير»... ماذا تغير في مواجهة السنوار ونصر الله مع إسرائيل؟

ما الذي يجعل المواجهة الحالية بين إسرائيل و«حزب الله» أكثر خطورة من سابقاتها؟ سياسي فلسطيني بارز يشرح لـ«الشرق الأوسط».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون داخلياً يسيرون في أحد شوارع خان يونس جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

«حماس» تنفي الاتفاق مع «فتح» على قيام السلطة الفلسطينية بإدارة غزة «مدنياً»

نفى قيادي في حركة «حماس» الفلسطينية، اليوم (الخميس)، الأنباء التي ترددت عن توافق حركتي «حماس» و«فتح» على قيام السلطة الفلسطينية بإدارة قطاع غزة «مدنياً».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صلاة الجنازة على عائلة قُتلت خلال غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية جبال البطم بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

لبنان: 1540 قتيلاً منذ بدء التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل قبل نحو عام

أعلنت السلطات اللبنانية، الخميس، أنها أحصت مقتل 1540 شخصاً منذ بدء التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل قبل نحو عام على خلفية الحرب في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم واجهة وزارة الخارجية الدنماركية (رويترز)

رشّ واجهة وزارة الخارجية الدنماركية بطلاء أحمر ورسائل مناهضة لإسرائيل

أفادت شرطة كوبنهاغن، اليوم الخميس، برشّ واجهة وزارة الخارجية الدنماركية بطلاء أحمر، بينما كُتبت عليها رسائل مناهضة لإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
المشرق العربي لبنانيون يرفعون الحطام من منزل شمال بيروت الخميس بعد غارة إسرائيلية (رويترز)

هل بات لـ«حماس» قدرات تمكّنها من مساندة «حزب الله»؟

تكثيف النيران الإسرائيلية بقوة ضد «حزب الله» أعاد طرح التساؤلات عن «جبهة المساندة» له، وتحديداً من حركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (غزة)

«أخطر بكثير»... ماذا تغير في مواجهة السنوار ونصر الله مع إسرائيل؟

صورة لنتنياهو خلال مظاهرة ضد التصعيد الأخير في نيويورك (أ.ف.ب)
صورة لنتنياهو خلال مظاهرة ضد التصعيد الأخير في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

«أخطر بكثير»... ماذا تغير في مواجهة السنوار ونصر الله مع إسرائيل؟

صورة لنتنياهو خلال مظاهرة ضد التصعيد الأخير في نيويورك (أ.ف.ب)
صورة لنتنياهو خلال مظاهرة ضد التصعيد الأخير في نيويورك (أ.ف.ب)

قال سياسي فلسطيني بارز لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان «يواجه منعطفاً بالغ الخطورة، ومن مصلحة حكومته التحرك سريعاً لاستجماع شروط وقف النار»، لأن إسرائيل التي تهاجمه حالياً «أخطر بكثير» من تلك التي كانت قائمة حين أطلق زعيم «حماس» يحيى السنوار «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتبعه الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في اليوم التالي معلناً إطلاق «حرب المساندة».

وشرح أن خطورة إسرائيل الحالية تنبع من تغييرات عدة، قسمها على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية. وأوضح أن التغييرات على الجبهة الفلسطينية تتمثل بالنقاط التالية:

  • نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في دفع المؤسسة الإسرائيلية إلى خوض حرب وجود، وهي تختلف تماماً عن حرب الحدود أو الحملات الانتقامية.
  • كان الانطباع السائد منذ عقود أن إسرائيل عاجزة عن خوض حروب طويلة تستنزف جيشها واقتصادها وأن عقيدتها العسكرية تقوم على شن حروب خاطفة وحاسمة.
  • لم يتخيل كثيرون وبينهم السنوار أن إسرائيل يمكن أن ترسل جيشها للقتال في شبكة أنفاق غزة المعقدة مع ما يمكن أن يعنيه ذلك من كمائن وأخطار وخسائر.

  • كانت هناك شبه قناعة أن إسرائيل ليست في وارد تعريض اقتصادها لاستنزاف ترتبه حرب طويلة تدور فصولها على أرض غزة مع مواجهات واقتحامات في الضفة.
  • ساد انطباع أيضاً أن الولايات المتحدة لن تسمح لإسرائيل بشن حرب طويلة يمكن أن تفتح الباب لمواجهة إقليمية. وثمة من كان يعتقد أن إسرائيل التي نفذت على أرض إيران عمليات استخباراتية مستفزة ستتحاشى بالتأكيد الانزلاق إلى حافة مواجهة مباشرة معها.
  • كانت لدى كثيرين قناعة بأن الرصيد الكبير من الرهائن الذي جمعته «حماس» في السابع من أكتوبر لن يتسبب في اكثر من ردة فعل قاسية من الجيش الاسرائيلية قد تمتد اياما او اسابيع يعقبها وقف للنار وفتح باب التفاوض لعملية تبادل الرهائن والاسرى.
  • بعد ما يقرب من السنة من العملية التي أطلقها زعيم «حماس» تبدو الصورة مختلفة: الحرب في غزة مستمرة وتسببت في قتل أكثر من أربعين ألف فلسطيني، ونتنياهو يتهرب من وقف النار على رغم أثمان الحرب.

أما على الجبهة اللبنانية، فيرصد السياسي الفلسطيني العوامل التالية التي تزيد من خطورة المواجهة وتبرز اختلافها عن الجولات السابقة:

  • مشكلة لبنان الأولى هي أن «حزب الله» كان المبادر إلى إطلاق الحرب وسارع إلى ربط الوضع اللبناني بالأوضاع في غزة.
  • كان واضحاً منذ تحريك جبهة جنوب لبنان أن قرار الانخراط في هذه الحرب لا يحظى بتأييد أكثرية اللبنانيين لا سيما أبناء المكونات الأخرى خارج بيئة الحزب.
  • أطلق «حزب الله» ما سماه «حرب المساندة» من دون الالتفات إلى حجم التدهور الاقتصادي والمعيشي في لبنان وإلى الحساسيات التي تشكلت ضده بفعل ممارسات داخلية وتدخلات في الإقليم، خصوصاً في سوريا.

مشيعون يدفنون أفراد عائلة سقطوا في غارة إسرائيلية على قرية بجنوب لبنان الخميس (أ.ف.ب)

  • واضح أن نصر الله لم يتوقع حرباً طويلة وتفوقاً تكنولوجياً إسرائيلياً بهذا الحجم لكنه حين طالت الحرب بات عاجزاً عن التراجع.
  • توقع «حزب الله» أن ترمي إيران بثقلها في حال تعرضه لخطر محدق وهو ما لم تفعله إيران حتى الساعة بسبب حساباتها المتعلقة بالعقوبات الغربية عليها وبرنامجها النووي. بدت إيران غير مستعدة لمجازفة في وقت تغرق فيه أميركا في الحسابات الانتخابية.
  • ألحقت إسرائيل أضراراً كبيرة بماكينة «حزب الله» العسكرية، لكن الأضرار التي يمكن تلحق بلبنان أخطر وأفدح. أسقطت إسرائيل ما كان الحزب يعتبره «قواعد اشتباك»، وها هو يتعامل مع الحرب في لبنان بوصفها جزءاً من الحرب الوجودية.
  • لا يعمل الوقت لصالح لبنان.