انشغل الوسط السياسي اللبناني بالتهديدات التي أطلقتها إسرائيل على خلفية قيام «حزب الله» بنصب خيمتين على مقربة من مزرعة بسطرة الواقعة على تخوم مزارع شبعا المحتلة، وتحديداً داخل خط الانسحاب الواقع جنوب الخط الأزرق الذي لا يخضع لمنطقة جنوب الليطاني التي تؤازر فيها قوات «يونيفيل» الجيش اللبناني لتطبيق القرار 425.
وتتذرع إسرائيل بأن واحدة من الخيم تتجاوز بأمتار مربعة خط الانسحاب، وهدّدت بإزالتها بالقوة من دون أن تُقدم على تنفيذ تهديدها الذي قوبل بتهديد مماثل من «حزب الله» أعلن فيه استعداده للدخول في مواجهة إذا أقدمت إسرائيل على إزالة الخيمة بقوة السلاح.
واضطرت إسرائيل إلى خفض تهديداتها في ضوء الحسابات التي أجرتها قيادتها العسكرية، واستعاضت عن التهديد باللجوء إلى قيادة «يونيفيل» طالبة منها التدخل لإزالة الخيمة التي يوجد فيها عناصر من المقاومة إلى جانب مجموعة أخرى توجد في الخيمة الثانية.
ولم تكتف إسرائيل بالطلب من قيادة «يونيفيل» التدخل، بل سارعت إلى استقدام مداخلات أخرى تولتها الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول المشاركة في القوات الدولية، من دون أن تلقى استجابة من الحكومة اللبنانية، على أساس أن هذه المنطقة التي نُصبت فيها الخيمتان تقع جنوب الخط الأزرق وليست مشمولة بالقرار 425، وإنما بالقرارين 242 و338.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن الحكومة اللبنانية تواصلت مع قيادة «حزب الله» تاركة لها تقدير الموقف، لأن هذه المنطقة تقع ضمن مزارع شبعا المحتلة التي يُفترض أن توجد فيها مجموعة تابعة لقوات الفصل (الأندوف) بين سوريا وإسرائيل، كونها كانت تخضع للسيادة السورية إبان حرب عام 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل تلك المنطقة، مع أن أراضيها مملوكة من لبنانيين.
ووفق المعلومات، فإن قوات «الأندوف» رفضت التمركز في هذه المنطقة التي لا تخضع لخطة الانتشار اللبناني - الدولي لتطبيق القرار 425، وتقع ضمن الأراضي السورية المحتلة، وكان قد سبق للأمم المتحدة أن أوعزت إلى الحكومة اللبنانية وتحديداً بعد التحرير الأول للجنوب من الاحتلال بالتواصل مع الحكومة السورية للتوقيع معها على ما يُثبت لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لكنها لم تلق التجاوب المطلوب من دمشق التي اكتفت في حينه بإصدار بيان تعترف فيه بلبنانيتها من دون أن تتجاوب مع طلب لبنان بإبرام وثيقة من قبل الحكومتين يتقدم بها من مجلس الأمن الدولي ليعيد الحقوق لأصحابها، خصوصاً أن لدى مالكي هذه المزارع وثائق تُثبت ملكيتهم لها.
وأدى رفض «الأندوف» توسيع انتشارها لتشمل هذه المنطقة المتنازع عليها، إلى قيام إسرائيل بإخضاعها إلى مراقبة عسكرية مشددة، ما فتح الباب أمام البحث في إمكانية إخضاعها لـ«يونيفيل»، وهذا ما يدعو قيادتها للتواصل مع الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش للبحث في إدخال تعديل على خطة انتشارها بحيث تشمل المنطقة إياها، على أن تتعهد القوات الدولية بناءً على طلب الحزب بضبط الوضع فيها ومنع إسرائيل من تجاوزها.
ويتواكب تحرك قيادة «يونيفيل» مع تحرك للسفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا سعياً لنزع فتيل احتمال تفجير الوضع في المنطقة التي تشهد استقراراً منذ التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لم تعكّره الصواريخ التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من بلدة القليلة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة لأن مفاعيلها وتداعياتها بقيت تحت السيطرة.
لذلك فإن التهديدات الإسرائيلية لم تكن إلا للضغط باتجاه الوصول إلى تسوية للخيمتين اللتين نصبهما «حزب الله» برعاية دولية من خلال «يونيفيل»، رغم أن بعض الجهات الدولية حاولت أن توحي، لتمرير تحقيق فك الاشتباك الذي لن يبدّل من قواعده المعمول بها منذ حرب تموز، بأن عدم معالجة التداعيات المترتبة على نصب الخيمتين سيؤثر سلباً على التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان.