ليلة طويلة في برلمان العراق: تسويات مركبة تنتهي إلى «موازنة هجينة»

صورة نشرها موقع مجلس النواب العراقي من جلسة التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة أمس
صورة نشرها موقع مجلس النواب العراقي من جلسة التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة أمس
TT

ليلة طويلة في برلمان العراق: تسويات مركبة تنتهي إلى «موازنة هجينة»

صورة نشرها موقع مجلس النواب العراقي من جلسة التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة أمس
صورة نشرها موقع مجلس النواب العراقي من جلسة التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة أمس

لماذا تأخر البرلمان العراقي كل هذا الوقت لتشريع أضخم موازنة مالية في تاريخ البلاد منذ عام 2003؟ وكيف مرّت ليلة الخميس المرهقة على الفعاليات السياسية، وهي تحاول تمرير القانون، وسط سلسلة مركبة من المقايضات؟

وحددت رئاسة البرلمان، عصر الخميس، موعداً متأخراً ليلة أمس للتصويت على القانون، وقال نواب إن ذلك يعود إلى مزيد من التفاهم مع الحكومة حول النسخة النهائية، التي أجريت عليها تعديلات كثيرة؛ تجنباً للطعن بها بعد التصويت.

ومع ذلك، انتهت الليلة الطويلة داخل قبة البرلمان، أمس (الخميس)، دون التصويت على مشروع القانون، سوى بعض المواد «غير الخلافية»، وتم تأجيل البقية لنهار الجمعة.

ولفهم هذا المد والجزر داخل البرلمان بشأن الموازنة، فإن قادة الأحزاب الكبيرة حاولوا استخدام الموازنة لترسيخ «علو الكعب»، إلى جانب مكاسب تتعلق بالاستحقاق الانتخابي المقبل، في اقتراع مجالس المحافظات.

وثمة عامل فني ساهم أيضاً، في تعطيل مشروع الموازنة، حتى في أمتارها الأخيرة، حين اكتشف قادة الكتل النيابية «نقص الخبرة لدى أعضاء اللجنة المالية، الذين انشغلوا طويلاً في إجراء تعديلات على الموازنة».

وقال أحد المستشارين السياسيين إن «بعض تلك التعديلات كانت تعوم خارج اللوائح القانونية، إلى درجة أن بنوداً أضيفت إلى الموازنة كان من شأن تطبيقها إحداث خلل بنيوي في الإدارة المالية».

صورة نشرها موقع مجلس النواب العراقي من جلسة التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة أمس

لكن اللاعب الأبرز في هذه الليلة كان، بحسب نواب ومستشارين سياسيين، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي «أدخل المشرّعين العراقيين في متاهة طويلة بسبب الازدواجية في تعامله خلال مفاوضات الموازنة».

وتسيطر على المالكي ثلاثة عوامل، تحكمت بأدائه السياسي منذ أن قدمت الحكومة مشروع الموازنة للبرلمان العراقي، الأول حساباته المعقدة مع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الذي يتخوف من تحوله إلى «قوة انتخابية» بمعزل عن عباءة الإطار، والثاني رغبة المالكي في تصفية الحساب مع «الحليف الخصم» قيس الخزعلي، زعيم حركة «عصائب أهل الحق»، في حين يحاول أيضاً تضييق الخناق على حصص إقليم كردستان، بسبب المناقلات المالية التي يحاول الإطار التنسيقي تحويلها مورداً انتخابياً لمدن الوسط والجنوب.

وقالت مصادر مطلعة على اجتماعات الإطار التنسيقي، إن المالكي كان يتعامل مع المفاوضين الكرد بمرونة عالية، ويبدي لهم مواقف «إيجابية» بشأن اعتراضاتهم على تعديل الموازنة، لكن يوجه نوابه في البرلمان بخلاف ذلك، من خلال إدراج تعديلات مناقضة، عطلت تشريع الموازنة لأسابيع عدة.

وصرّح نواب عراقيون، قبل الساعة التاسعة من مساء الخميس، بأنهم موجودون داخل البرلمان، قبل موعد الجلسة بقليل، لكنهم لم يحصلوا حتى ذلك الوقت، على النسخة النهائية من مشروع القانون الموازنة.

ووفقاً لمصادر برلمانية، فإن فريق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أبلغ الكتل البرلمانية بأن نسخة اللجنة المالية «مليئة بالمشاكل الفنية، ولا يمكن تمريرها».

وقالت المصادر، إن اللجنة المالية تراجعت عن تقديم نسخته المعدلة، وادّعت أنها «تعرّضت للسرقة»، بل كانوا يخفونها بسبب مشكلات فنية، وأخرى تتعلق بتسويات سياسية أنجزها نواب مع الحكومة عبر قنوات التفاوض.

ودفع موقف الفريق الحكومي عدداً من النواب إلى التفاوض مع الحكومة على تسوية بشأن التعديلات، وفي حين عرضوا «التغاضي عن البنود الخاصة بإقليم كردستان، طلبوا مناقلة أموال في الموازنة تحقق لهم وعوداً لجمهورهم الانتخابي، في بنود أخرى».

وقال عضو في البرلمان، إن الليلة الماضية شهدت تسويات عديدة مع كتل سياسية، انتهت بالموازنة إلى نسخة «هجينة» من النسخة التي قدمتها الحكومة والإطار التنسيقي، وتعديلات طلبتها كتل سياسية لضمان مخصصات «تعيينات ومشاريع خدمية في مناطق مختلفة من البلاد».

وقال قيادي رفيع في الإطار التنسيقي «من دون شك، الموازنة التي سيصوّت عليها البرلمان، لن تكون نسخة اللجنة المالية، بل النسخة الهجينة».


مقالات ذات صلة

انكماش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ عام 2023

الاقتصاد منظر جوي لناطحة سحاب «شارد» في لندن مع الحي المالي «كناري وارف» (رويترز)

انكماش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ عام 2023

انكمش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ أكثر من عام، كما أثرت الزيادات الضريبية في أول موازنة للحكومة الجديدة على خطط التوظيف والاستثمار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متسوقون يمشون في شارع أكسفورد في لندن (رويترز)

تراجع مبيعات التجزئة البريطانية أكثر من المتوقع قبيل موازنة ستارمر

تراجعت مبيعات التجزئة البريطانية بشكل أكبر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية التي أضافت إلى مؤشرات أخرى على فقدان الزخم الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عامل في مصنع «رافو» الذي يزوِّد وزارة الدفاع الفرنسية وشركات الطيران المدني الكبرى بالمعدات (رويترز)

فرنسا تقترح يوم عمل مجانياً سنوياً لتمويل الموازنة المثقلة بالديون

تواجه موازنة فرنسا الوطنية أزمة خانقة دفعت المشرعين إلى اقتراح قانون يُلزم الفرنسيين العمل 7 ساعات إضافية كل عام دون أجر، وهي ما تعادل يوم عمل كاملاً.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد أشخاص يعبرون الطريق في شينجوكو، طوكيو (رويترز)

اليابان تخطط لإنفاق 90 مليار دولار في حزمة تحفيزية جديدة

تفكر اليابان في إنفاق 13.9 تريليون ين (89.7 مليار دولار) من حسابها العام لتمويل حزمة تحفيزية جديدة تهدف إلى التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد منظر عام لأفق مدينة عمان (رويترز)

الأردن يقر موازنة 2025 ويخفض العجز الأولي إلى 2%

أقر مجلس الوزراء الأردني مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2025، تمهيداً لإحالته إلى مجلس الأمة خلال الأيام المقبلة.

«الشرق الأوسط» (عمان)

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
TT

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها، لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد؛ رداً على الهجمات التي تشنها فصائل مسلحة، في حين أشار مصدر مقرب من «التحالف الحاكم» إلى أن جرس الإنذار السياسي يرن في مكاتب الأحزاب الرئيسة هذه الأيام.

وغالباً ما يرتبط الانشغال بمخاوف جدية من استهداف مواقع رسمية ربما تمتد لتشمل مقار حكومية وحقول نفط ومواقع استراتيجية، ولا تقتصر على مقار ومعسكرات الفصائل المتهمة بمهاجمة إسرائيل، حسب مصادر مقربة من قوى «الإطار التنسيقي». وتنقل مصادر صحافية «تقديرات حكومية» عن إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي».

توسيع دائرة الحرب

يبدو أن المخاوف العراقية السائدة، خصوصاً داخل الأوساط السياسية، إلى جانب الشكوى الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أمام مجلس الأمن الدولي ضد 7 فصائل مسلحة، وتحميل بغداد الهجمات التي تشنها الفصائل ضدها؛ دفعت الحكومة العراقية وعبر وزارة خارجيتها إلى توجيه رسائل رسمية إلى مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي؛ رداً على التهديدات الإسرائيلية ضد العراق.

وقالت وزارة الخارجية، السبت، إن «العراق يُعد ركيزة للاستقرار في محيطيه الإقليمي والدولي، ومن بين الدول الأكثر التزاماً بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة».

وأضافت أن «رسالة الكيان الصهيوني إلى مجلس الأمن تمثّل جزءاً من سياسة ممنهجة؛ لخلق مزاعم وذرائع بهدف توسيع رقعة الصراع في المنطقة».

وشددت الوزارة على أن «لجوء العراق إلى مجلس الأمن يأتي انطلاقاً من حرصه على أداء المجلس لدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين، وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لوقف العدوان الصهيوني في قطاع غزة ولبنان، وإلزام الكيان الصهيوني بوقف العنف المستمر في المنطقة والكف عن إطلاق التهديدات».

وتابعت أن «العراق كان حريصاً على ضبط النفس فيما يتعلق باستخدام أجوائه لاستهداف إحدى دول الجوار». وشدد على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية التي تشكّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي».

وأكدت «الخارجية» العراقية «الدعوة إلى تضافر الجهود الدولية لإيقاف التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، وضمان احترام القوانين والمواثيق الدولية، بما يُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار».

وقد طلب العراق تعميم الرسالة على الدول الأعضاء وإيداعها بوصفها وثيقة رسمية لدى المنظمات المعنية، حسب بيان «الخارجية».

السوداني خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني (رئاسة الوزراء العراقية)

أجواء ما قبل الضربة

يقول مصدر مقرّب من «الإطار التنسيقي»، إن «الأحزاب الشيعية الرئيسة تنظر بجدية بالغة إلى حجم التهديدات الإسرائيلية، وتحثّ حكومة السوداني على اتخاذ جميع الوسائل والإجراءات الكفيلة بتجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة».

ويؤكد المصدر «قيام جميع قادة الفصائل والقادة الشيعة البارزين باختيار مواقع بديلة، وتتحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد استبدال أماكن أخرى بمعظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وحول ما يتردد عن طيران إسرائيلي يجوب الأجواء العراقية، ذكر أن «لا شيء مؤكداً حتى الآن، لكنه غير مستبعد، خصوصاً أن الأجواء العراقية تسيطر عليها القوات الأميركية، وليست لدى العراق قدرة على إيقاف تلك الخروقات، ويفترض أن تقوم الجهات الأمنية بتبيان ذلك».

وتقدّم العراق رسمياً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمذكرة احتجاج رسمية إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن الدولي، تضمّنت إدانة «الانتهاك الصارخ» الذي ارتكبته إسرائيل بخرق طائراتها أجواءَ العراق وسيادته، واستخدام مجاله الجوي لضرب إيران.

دبلوماسية وقائية

يقول المحلل والدبلوماسي السابق غازي فيصل، إن الرسائل التي وجّهتها الحكومة العراقية إلى مجلس الأمن وبقية المنظمات الدولية والإسلامية، بمثابة «دبلوماسية وقائية»، تريد من خلالها تجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة.

ويعتقد فيصل أن الهجوم الإسرائيلي إذا وقع فإنه «سيستهدف فصائل مسلحة سبق أن وجّهت أكثر من 200 طائرة وصاروخ، ومستمرة في تهديداتها».

ويؤكد أن «فصائل مسلحة عراقية موالية لطهران تحشد في منطقة قضاء سنجار التي تمثّل موقعاً استراتيجياً على الطريق بين إيران والأراضي السورية للدعم اللوجيستي وتسليح القواعد في سوريا والعراق، وشن هجمات نحو القوات الأميركية و(التحالف الدولي)، والجولان، وهي واحدة من القواعد الاستراتيجية المهمة لـ(الحرس الثوري) الإيراني في العراق».

ويضيف فيصل أن «الفصائل المسلحة تصر على الاستمرار في الحرب، وترفض موقف الحكومة الذي يدعو إلى التهدئة والحياد ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، وضمان حق الشعب الفلسطيني ورفض الاعتداء على لبنان».

كما أن رسائل الحكومة تأتي في سياق أنها «ليست مسؤولة بشكل مباشر عن استراتيجية الفصائل التي هي استراتيجية ولاية الفقيه الإيرانية. الرسالة جزء من الدبلوماسية الوقائية لتجنيب العراق الحرب ونتائجها الكارثية».

وسبق أن كرّر العراق مراراً عدم سماحه باستخدام أراضيه لمهاجمة دول الجوار أو أي دولة أخرى؛ لكن بعض الآراء تميل إلى أنه قد يسمح لإيران بذلك في حال شنّت إسرائيل هجوماً عليه.

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد (أرشيفية - أ.ف.ب)

300 هجوم إسرائيلي

من جانبه، تحدّث عمر الشاهر -وهو صحافي عراقي مطلع على نقاشات النخبة السياسية حول التصعيد في المنطقة- أن «الحكومة لديها تقديرات مقلقة بشأن الأمن القومي العراقي، تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد إلى قرابة 300 هجوم من طرف الكيان اللقيط المغتصب، في بحر 3 أيام».

وقال الشاهر، في تدوينة له عبر «فيسبوك»: «ليست هناك معلومات محددة عن طبيعة الأهداف ونوعيتها، ولكن فكرة تعرّض العراق إلى 100 هجوم يومياً على مدار 3 أيام جديرة بإثارة الهلع!».

وأضاف أن «جزءاً كبيراً من المعلومات التي استندت إليها حكومتنا في بناء تقديراتها، جاء من حلفاء دوليين كبار، تتقدمهم الولايات المتحدة، وأجزاء أخرى متفرقة جاءت من حلفاء ثانويين، ومن أطراف عراقية متداخلة في التطورات الإقليمية الراهنة».