حكومة إردوغان تكثف تحركاتها في الملف السوري مدفوعة بضغوط المعارضة 

وزير داخليتها شارك بوضع حجر أساس لقرية لاستيعاب اللاجئين في جرابلس 

مشهد لبدء الأعمال في جرابلس (أ.ف.ب)
مشهد لبدء الأعمال في جرابلس (أ.ف.ب)
TT

حكومة إردوغان تكثف تحركاتها في الملف السوري مدفوعة بضغوط المعارضة 

مشهد لبدء الأعمال في جرابلس (أ.ف.ب)
مشهد لبدء الأعمال في جرابلس (أ.ف.ب)

كثفت تركيا من تحركاتها في الملف السوري على صعيد مفاوضات التطبيع مع دمشق، وكذلك لاتخاذ خطوات على صعيد عودة اللاجئين بعد أن صعد الملف إلى قمة الأجندة السياسية قبل جولة إعادة الانتخابات الرئاسية التي تجرى الأحد، التي يتنافس فيها الرئيس رجب طيب إردوغان ومرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو.

وبالتزامن مع زيارة تفقدية للحدود مع سوريا قام بها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، وعمليات تفتيش على نقاط المراقبة على طول الحدود، الأربعاء، للتأكيد على التدابير المشددة في مواجهة أي محاولات للنزوح أو التسلل، رداً على ادعاءات المعارضة بوجود مشاكل على الحدود وعدم قدرة الحكومة على ضبطها، قام وزير الداخلية سليمان صويلو، بوضع حجر الأساس لقرية جديدة في جرابلس الخاضعة لسيطرة القوات التركية وفصائل ما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة، في منطقة عملية «درع الفرات» بمحافظة حلب.

من أعمال بناء بيوت للاجئين في جرابلس (أ.ف.ب)

 

وجاءت الخطوة بعدما أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان، عن خطة لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إلى المناطق الآمنة التي تنشئها تركيا بدعم من المجتمع الدولي ودول شقيقة ومنظمات مدنية في شمال سوريا.

وقال صويلو، في مقابلة تلفزيونية، الخميس، عقب عودته من جرابلس، إنه سيتم بناء 240 ألف منزل بتمويل من «صندوق قطر للتنمية»، في مشروع سيضمن عودة مليون لاجئ سوري في تركيا.

وأشار إلى أن مشروع القرية السكنية «يهدف إلى استقبال العائدين طوعياً، وسيستكمل خلال 3 سنوات، والمرحلة الأولى بدأت ببناء 5 آلاف وحدة سكنية، سيتم تسليمها قبل نهاية العام الحالي».

وأوضح أن المشروع لا يتضمن فقط بناء وحدات سكنية، وإنما أيضاً مناطق زراعية ومنشآت صناعية وتجارية وبنى تحتية، لافتاً إلى أن الوحدات السكنية ستتوزع على 9 مناطق خاضعة للنفوذ التركي شمال سوريا.

ولفت إلى أن 554 ألف سوري عادوا إلى بلادهم طواعية، مضيفاً: «نعمل من أجل عودة مشرفة للجميع. هناك حالياً 3 ملايين و381 ألف سوري في تركيا، وهذه الأعداد آخذة في التناقص، وسوف تنخفض أكثر».

وجاء وضع حجر الأساس للقرية السكنية في جرابلس، في الوقت الذي تفقد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار رفقة رئيس أركان الجيش الجنرال يشار غولر وقادة القوات المسلحة، الحدود مع سوريا عند النقطة صفر.

واصطحب أكار عدداً من ممثلي وسائل الإعلام التركية بهدف الرد على مزاعم التراخي في منع دخول المهاجرين من سوريا، حيث انتقد السياسيين الذين قال إنهم لا يقدرون ما يقوم به الجيش التركي على الحدود.

وأكد أكار، في تصريحات الخميس، أن العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا والعراق، ستستمر حتى القضاء على آخر إرهابي.

وقال إن القوات المسلحة التركية «تلاحق الإرهابيين في معاقلهم حتى خارج حدود البلاد، وليس لها أطماع في أراضي أحد».

وترفض تركيا مطالبات دمشق بالانسحاب العسكري من شمال سوريا قبل الإقدام على أي خطوة في مسار تطبيع العلاقات الذي ترعاه روسيا وتشارك فيه إيران.

وبحث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ليل الأربعاء - الخميس، القضايا المتعلقة بالاجتماع الرباعي لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا وإيران بشأن سوريا الذي عقد في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي ضمن مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق.

اجتماع موسكو الرباعي لوزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران (إ.ب.أ)

وقال بيان للخارجية التركية، إن جاويش أوغلو ولافروف بحثا القضايا المتعلقة بالاجتماع الرباعي لوزراء الخارجية.

وكان الوزراء اتفقوا على «استمرار المباحثات ووضع خريطة طريق للتطبيع بين تركيا وسوريا، وأعلنوا اتفاقهم على ضمان تسهيل عودة السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي وآمن ومشرف، والتنسيق في مكافحة الإرهاب، وإحياء العملية السياسية في سوريا».

وقال جاويش أوغلو، عقب الاجتماع، إن نواب وزراء الخارجية والدفاع وممثلي أجهزة المخابرات في الدول الأربع سيعملون على وضع خريطة الطريق، مستبعداً الانسحاب العسكري التركي من شمال سوريا في الوقت الراهن. واعتبر أن هذه الخطوة من شأنها أن تسمح لـ«التنظيمات الإرهابية» بملء الفراغ في ظل عدم قدرة نظام الرئيس بشار الأسد على تأمين الحدود حالياً.

 

 

 

 

 



«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
TT

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

حين قرر «حزب الله»، ومن خلفه إيران، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحويل جبهة جنوب لبنان إلى جبهة دعم وإسناد لغزة، التزاماً باستراتيجية «وحدة الساحات» التي تقول إن كل القوى المحسوبة على طهران تتحرك تلقائياً لتدعم أي هجوم على أي منها، لم يستشر أحداً، لا الحلفاء ولا الأخصام، ولم يعد لأي من المؤسسات الدستورية لتغطية قراره هذا، لعلمه بوقتها أن أحداً لن يغطيه.

اليوم وبعد ما يتردد عن قراره فصل مساري غزة ولبنان، بالموافقة على وقف النار، باتت القوى التي تجنبت طوال الفترة الماضية انتقاد هذه السياسة علناً، لا تتردد باعتبار التزام الحزب السابق بهذه الاستراتيجية «خطأ استراتيجياً».

تحسين شروط

ولفت مؤخراً ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد ساند «حماس» و«حزب الله» بعد «طوفان الأقصى»، عن وجوب «فصل المسارات ووقف استخدام الجنوب ساحة صراع لدعم غزة أو الضفة»، منتقداً استخدام إيران للبنان في «ربط المسارات من أجل تحسين شروط المناقشات حول موضوع النووي الإيراني».

أما حركة «أمل»، الحليف الأقرب لـ«حزب الله»، التي انخرطت ولو بشكل رمزي بحرب الإسناد، فتشير المعلومات إلى أنها لم تكن تؤيد استراتيجية «وحدة الساحات» لكنها وبعد بدء المواجهات جنوباً انخرطت بالحرب «دفاعاً عن لبنان».

ويتجنب نواب وقياديو الحركة الحديث بهذا الخصوص، إذ يصر «الثنائي الشيعي» على تظهير موقف واحد مرتبط بالحرب الراهنة.

لا مصلحة لبنانية فيها

وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، حليف «حزب الله» منذ عام 2006، أول من خرج ليصف التزام «حزب الله» باستراتيجية «وحدة الساحات» بـ«الخطأ الاستراتيجي»، معتبراً أنها «تصب لصالح دول أخرى وليس لصالح لبنان».

ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جيمي جبور إلى أنه «تم العمل باستراتيجية وحدة الساحات حصراً عند تضامن (حزب الله) مع غزة، وفتحه لجبهة الإسناد التي رأينا منذ البداية ألا مصلحة لبنانية فيها، وإذ تبين لاحقاً أن موقفنا كان صائباً بتراجع الجميع عن هذا الإسناد عملياً، بما فيهم (حزب الله) الذي دفع وحيداً مع لبنان ثمن وحدة الساحات من غير أن نرى إيران، أم غيرها من الدول والقوى، تنضم تضامناً معه إلى هذه المعركة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كل ما حصل بات يُحتم «إعادة النظر الجذرية باستراتيجية السلاح فور انتهاء المعارك»، مضيفاً: «آن الأوان لحوار داخلي يجعل السلاح في خدمة لبنان فقط دون سواه من الدول ضمن استراتيجية دفاعية تكون الدولة ومؤسساتها صاحبة القرار، ويكون الجيش اللبناني العمود الفقري والأساس في الدفاع عن لبنان».

مقاتل من «حزب الله» يطلق صاروخاً موجهاً (أرشيفية)

بالتسوية أو بالقوة

ويُعدُّ حزب «القوات اللبنانية» أبرز المعارضين لـ«وحدة الساحات»، وبالأصل لوجود «حزب الله» حزباً مسلحاً. وترى عضو تكتل «الجمهورية القوية» غادة أيوب أن «إيران اعتمدت استراتيجية (وحدة الساحات)، لأنها أرادت بذلك أن تكون لاعباً قوياً يتدخل في 5 بلدان عربية عبر أذرعه بدءاً من (حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن، و(حماس) في غزة، و(الحشد الشعبي) في العراق، والنظام السوري بوجود (فيلق القدس) والحرس الثوري الإيراني»، مشيرة إلى أنه «غداة إعلان (طوفان الأقصى) في 8 أكتوبر (تشرين الأول) لم تتحرك سوى ساحتين لمساندة (حماس) في غزة انطلاقاً من لبنان واليمن، وبذلك تعطلت استراتيجية وحدة الساحات التي ابتدعتها إيران، وسقطت بمجرد أن رفض النظام السوري الدخول في هذه الحرب لاعتبارات تتعلق بالوجود الروسي على أراضيه واعتبارات أخرى، وكذلك العراق، مع العلم أن إيران، وبالرغم من هذه الاستراتيجية، فهي لم تسلم من الضربات المباشرة على أراضيها والتهديدات المباشرة إذا ما أكملت في سياستها».

وتعدُّ غادة أيوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الاستراتيجية تنتهي إما عن طريق التسوية مع إيران أو بالقوة»، لافتة إلى أن محور الممانعة أصبح «محوراً صوتياً أو سياسياً لا عسكرياً» كممانع للعلاقة مع إسرائيل لحين تبلور صورة الشرق الأوسط.

مدماك حزام النار

أما مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، فيوضح أن «استراتيجية وحدة الساحات التي تم تفعيلها عند بدء الحرب على غزة، وشارك فيها اليمن وطبعاً (حزب الله) الذي أعلن جبهة جنوب لبنان جبهة دعم وإسناد، قررت إيران وقفها، وليس بشكل علني، لأنها واجهت ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة، وأصبح الاستمرار بهذه الاستراتيجية مكلفاً جداً، بخاصة على (حزب الله) الذي هو المدماك، أي الحجر الأساس في ما يُسمى حزام النار الذي أنشأته إيران لتطويق إسرائيل، الذي يُسمى سياسياً بـ(وحدة الساحات)».

ويلفت نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدأ أخيراً تقليم أظافر (حزب الله) وصولاً لشبه إنهائه من خلال اقتلاع قدراته العسكرية، وهذا أمر مستمر»، موضحاً أن «إيران وأذرعها لم يقرروا فقط وقف العمل باستراتيجية وحدة الساحات، إنما باتوا يريدون وقف النار وإنهاء العمليات العسكرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».