انتخابات الكويت: «ضبط التمويل» للحدّ من نفوذ المال السياسي

«سوق الانتخابات» تتضخم... ومليون دولار متوسط إنفاق المرشح

يٌقدّر مراقبون متوسط ما ينفقه المرشح في الكويت بنحو مليون دولار (كونا)
يٌقدّر مراقبون متوسط ما ينفقه المرشح في الكويت بنحو مليون دولار (كونا)
TT

انتخابات الكويت: «ضبط التمويل» للحدّ من نفوذ المال السياسي

يٌقدّر مراقبون متوسط ما ينفقه المرشح في الكويت بنحو مليون دولار (كونا)
يٌقدّر مراقبون متوسط ما ينفقه المرشح في الكويت بنحو مليون دولار (كونا)

يشتكي مرّشح سابق لانتخابات مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، من التكاليف الباهظة للحملات الانتخابية، خاصة مع تكرار العملية الانتخابية وسط حالة من عدم الاستقرار السياسي التي حكمت التجربة النيابية في الكويت، وأدت فعلياً إلى تنظيم أربع انتخابات تشريعية خلال أربع سنوات.

يقول لـ«الشرق الأوسط» طالباً عدم ذكر اسمه، إنه دخل السباق الانتخابي مرتين، الأولى في انتخابات مجلس 2022 المبطل بقرار المحكمة الدستورية، والأخرى في مجلس 2023، وفي كلتا الحالتين لم يحالفه الفوز. يضيف: «لقد أرهقتني المصاريف المالية، لم أعد قادراً على مجاراة المنافسين الذين يتمتعون بدعم أطراف نافذة».

ويفتح هذا الكلام مجدداً قضية الرقابة على نفقات وتمويل الحملات الانتخابية لمجلس الأمة الكويتي، وكان يمكن لقانون «مفوضية الانتخابات» أن يلعب دوراً في مراقبة تمويل الحملات الانتخابية، وتحقيق العدالة بين المرشحين، خاصة في وضع سقف أعلى للإنفاق على الحملات.

ورغم محاولة البرلمان ومنظمات المجتمع المدني والهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة)، الدفع قدماً لإقرار وتطبيق قانون تنظيم تمويل الحملات الانتخابية، بعد سعي البرلمان لتشريعه منذ سنوات، إلا أنه لم يصدر كقانون إلا في عام 2023، ومع ذلك تم تعطيله بمرسوم.

يشرح خبير قانوني لـ«الشرق الأوسط»؛ أنه وفق القانون (120) لسنة 2023 (الموقوف تنفيذه بالمرسوم بقانون 4 لسنة 2024)، فإن «مفوضية الانتخابات» هي التي يتعين عليها حين إنشائها أن تضع قواعد تمويل الحملة الانتخابية.

وكان مجلس الأمة الكويتي وافق في الأول من أغسطس (آب) 2023 على مشروع قانون «إنشاء مفوضية عامة للانتخابات» وتتولى الإشراف على الانتخابات وتنظيم العملية الانتخابية وتلحق بوزير العدل. ونص القانون على أن تصدر اللائحة التنفيذية للقانون خلال 6 أشهر من تاريخ العمل به وتحدد قواعد الدعاية والحملات والنفقات الانتخابية ومواردها والتزامات وسائل الإعلام ومشاركة منظمات المجتمع المدني في متابعة الانتخابات ومراقبتها.

وفي 21 فبراير (شباط) 2024 أصدر مجلس الوزراء مرسوماً بقانون برقم 4 لسنة 2024، يقضي بوقف العمل مؤقتاً بالقانون 120 لسنة 2023 بشأن انتخابات مجلس الأمة (المفوضية العليا للانتخابات).

نفقات الانتخابات

ومع تكرار تنظيم الانتخابات البرلمانية في الكويت خلال السنوات الماضية، أصبح هناك ما يعرف بـ«سوق الانتخابات» نشطاؤها عادة قطاعات واسعة من شركات الإعلان والدعاية والترويج الإلكتروني والتواصل والخدمات اللوجيستية والمطاعم وصالات الفنادق والمناسبات، هؤلاء يمثلون سوقاً منتعشة خلال موسم الانتخابات.

أقرّ مجلس الأمة الكويتي في الأول من أغسطس 2023 مشروع قانون «إنشاء مفوضية عامة للانتخابات» التي تتولى تنظيم العملية الانتخابية والإشراف على تمويل الحملات الانتخابات (كونا)

وتعدّ انتخابات الرابع من أبريل (نيسان) 2024 رابع انتخابات برلمانية تُنظم في الكويت منذ عام 2020، فقد أجريت انتخابات في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2020، وعقد المجلس أولى جلساته في 15 ديسمبر من ذلك العام وتم حله في الثاني من أغسطس (آب) 2022، وفي 29 سبتمبر (أيلول) 2022، أُجريت انتخابات برلمانية، لكن هذه المجلس تم إبطاله في 19 مارس (آذار) 2023 بقرار من المحكمة الدستورية، وإبطال العملية الانتخابية بأكملها، وعودة مجلس الأمة 2020، بسبب بطلان مرسوم حل مجلس الأمة 2020، تبعته انتخابات مجلس الأمة في 6 يونيو (حزيران) 2023، وفي 15 فبراير (شباط) 2024 صدر مرسومٌ أميريٌ بحل المجلس.

وبالإضافة إلى نفقات الإعلان والضيافة وإقامة المخيمات يتحمل المرشح أيضاً تكاليف تشغيل عشرات العاملين في حملته الانتخابية، مع بذل جهد أكبر للتواصل مع القاعدة الانتخابية من النساء.

ومن الملاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً في تنظيم الانتخابات في الكويت مع بروز جيل أكثر مهارة وفاعلية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وبث الدعايات، وتنظيم المقابلات عبر «البودكاست»، وتنظيم قوائم الناخبين آلياً، وتصميم آليات رقمية للتواصل معهم.

ويقول رئيس قسم الاقتصاد والتمويل في جامعة الخليج الدكتور أسامة الفالح في تصريح نقلته وكالة الأنباء الكويتية، إن موسم الانتخابات يعدّ من أبرز المواسم على الصعيد المحلي التي يرتفع فيها الطلب على بعض القطاعات الخدمية وتتزايد الحركة المالية بشكل عام إضافة إلى أنه فرصة سانحة لأصحاب الأعمال لتوسيع نشاطهم المالي.

وأوضح الفالح أن حجم النشاط الاقتصادي في الحملات الانتخابية الأخيرة كان «متوسطاً» نظراً لمجموعة من العوامل ودخول موسم رمضان الذي يعدّ ذا طابع اجتماعي وديني خاص للمجتمع.

من جانبه، قال رئيس الجمعية الاقتصادية مشاري العبد الجليل إن أبرز القطاعات الخدمية المستفيدة من موسم الانتخابات قطاع الإعلان والتجهيزات الغذائية والخدمات اللوجيستية وبصورة خاصة المتعلقة بتجهيز المقار الانتخابية، إضافة إلى القنوات التلفزيونية الخاصة وقنوات «يوتيوب» الخاصة وشركات توفير العمالة لتنظيم الندوات والشركات التي توفر خدمات إعلامية للمرشحين كالتصوير.

تُعدّ نفقات الضيافة من أبرز بنود الصرف على الانتخابات في الكويت

المال السياسي

وتبدأ تكاليف الحملة الانتخابية للمرشح من 150 ألف دينار (نحو نصف مليون دولار)، لكن هذا المبلغ يبدو زهيداً أمام الإنفاق الباذخ للكثير من المرشحين، خاصة أولئك الذين يواجهون منافسة شديدة في دوائرهم، وبحسب مراقبين، فإن متوسط ما ينفقه المرشح يبلغ مليون دولار.

لكن من أين يتلقى المرشحون الدعم المالي مع تكرار خوض الحملات الانتخابية؟ يتحدث مراقبون عن دعم من تجار ورجال أعمال مؤيدين لهذا المرشح أو ذاك، مع ما يعرف بـ«الفزعة» من أبناء القبيلة أو الأشخاص المرتبطين بالمرشح بصلات مختلفة. لكن العبء الأكبر يتحمله المرشح نفسه.

وفي ظل عدم وجود قانون لمراقبة التمويل، فإن الجهود المبذولة لمواجهة المال السياسي غير كافية، فلطالما أثيرت في الكويت اتهامات لأشخاص ذوي نفوذ سياسي بالتدخل في «إدارة» الانتخابات، وفي السعي لـ«الهيمنة» على البرلمان، عبر تمويل حملات مرشحين بعينهم، أو تقديم الدعم لمرشحين ثانويين يسعون لتفتيت الأصوات المحتمل أن يحصل عليها خصومٌ سياسيون.

المحامية أريج عبد الرحمن حمادة

تقول المحامية أريج عبد الرحمن حمادة، لـ«الشرق الأوسط»، «مع اقتراب موعد انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2024 يثور التساؤل والخوف لدى الكثير من أفراد المجتمع الكويتي عن دور المال السياسي في إفساد العملية الانتخابية، لا سيما وأن هناك الكثير من المرشحين نجدهم قد صرفوا ببذخ على حملاتهم الانتخابية على الرغم من أن حالتهم المادية عادية وغير معروف مصدر هذه الأموال التي تم صرفها على حملاتهم الانتخابية».

تضيف: «يُعدّ تمويل الحملات الانتخابية موضوعا في غاية الأهمية؛ لأنه يشكل عاملاً محورياً في توجيه نتيجة الانتخابات نحو وجهة معينة لصالح توجه سياسي معين دون غيره، وبالتالي المساس بنزاهة وشرعية العملية الانتخابية برمتها؛ لذلك لا بد من تفعيل الرقابة».

وتدعو حمادة لأن «تخضع مصادر التمويل وإنفاقه لإجراءات النزاهة والشفافية وللرقابة المشددة لإنجاح العملية الانتخابية». وتقول: «يُعدّ المال السياسي من أهم المخاطر التي تؤثر على نزاهة العملية الانتخابية ونجاح الديمقراطية الكويتية بالتأثير على إرادة الناخبين وتوصيل مرشحين موجهين بطريقة غير شرعية».


مقالات ذات صلة

«تصفيات المونديال»: الكويت تحبط الأردن بالتعادل

رياضة عربية منتخب الأردن اكتفى بالتعادل مع الكويت (الاتحاد الأردني)

«تصفيات المونديال»: الكويت تحبط الأردن بالتعادل

فرّط منتخب الأردن في تقدمه بهدف رائع ليزن النعيمات، بعدما سجل محمد دحام في الشوط الثاني ليتعادل 1 - 1 مع مضيفه الكويت.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة عربية عبد الرحمن المطيري وزير الرياضة والشباب الكويتي (كونا)

وزير الشباب الكويتي لـ«الشرق الأوسط»: جاهزون لاستضافة كأس الخليج

أكد عبد الرحمن المطيري، وزير الرياضة والشباب الكويتي، استفادة بلاده بشكل كبير من التجارب السابقة في تنظيم المباريات، وذلك خلال مواجهة الكويت وكوريا الجنوبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج الشيخ مبارك حمود الجابر الصباح

مبارك حمود الصباح رئيساً للحرس الوطني في الكويت

وافق مجلس الوزراء الكويتي في اجتماعه الأسبوعي، اليوم (الثلاثاء)، على مشروع مرسوم بتعيين الشيخ مبارك حمود الجابر الصباح، رئيساً للحرس الوطني.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان

محمد بن زايد يبدأ زيارة دولة إلى الكويت غداً

أعلنت دولة الإمارات أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس البلاد، يبدأ غداً الأحد زيارة دولة إلى الكويت.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج قرار اللجنة العليا لتحقيق الجنسية بسحب الجنسية الكويتية من 930 حالة هو أكبر إجراء من نوعه منذ بدء عملها مارس الماضي (كونا)

رقم قياسي لسحب الجنسية الكويتية... 930 حالة في يوم واحد

في أكبر إجراء من نوعه، قررت اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية سحب وفقد الجنسية من 930 حالة، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

وزراء الداخلية بدول الخليج ناقشوا خلال اجتماعهم في قطر تعزيز مسيرة التعاون الأمني المشترك (واس)
وزراء الداخلية بدول الخليج ناقشوا خلال اجتماعهم في قطر تعزيز مسيرة التعاون الأمني المشترك (واس)
TT

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

وزراء الداخلية بدول الخليج ناقشوا خلال اجتماعهم في قطر تعزيز مسيرة التعاون الأمني المشترك (واس)
وزراء الداخلية بدول الخليج ناقشوا خلال اجتماعهم في قطر تعزيز مسيرة التعاون الأمني المشترك (واس)

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني من أجل صون الحاضر الزاهر لدول الخليج وحماية مقدراتها وتنميتها من أجل مستقبل مشرق، وذلك خلال الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول مجلس التعاون الخليجي في قطر.

وناقش وزراء الداخلية خلال الاجتماع الذي عقد برئاسة الشيخ خليفة بن حمد وزير الداخلية القطري (رئيس الدورة الحالية)، الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، التي من شأنها الإسهام في تعزيز مسيرة التعاون الأمني المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

وأشار وزير الداخلية السعودي في كلمة خلال الاجتماع، إلى مواجهة الأجهزة الأمنية تحديات تتمثل في أنماط الجريمة المستجدة، خصوصاً المرتبطة بإساءة استخدام التقنية، وتطور أساليب تهريب وترويج المخدرات، وظهور أنواع متعددة من الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ومنها تهريب وصناعة الأسلحة عبر تقنيات متقدمة أصبحت سهلة الاقتناء من قبل التنظيمات الإجرامية، التي ستساهم في انتشار الجريمة والتهديدات الإرهابية والتطرف في ظل عدم الاستقرار الذي تمر به الكثير من الدول، لافتاً إلى أهمية حشد الجهود المشتركة، والسعي إلى تطوير الخطط والاستراتيجيات وبناء القدرات لمواجهة ذلك.

وأوضح وزير الداخلية السعودي أن الاجتماع بما يصدر عنه من نتائج «يعزز العمل الأمني الخليجي المشترك، ويساهم في التعامل بنجاح مع المستجدات والتحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية، بما يحقق التوجهات الحكيمة لقادة دول المجلس وتطلعات شعوبنا، ويرسخ منظومة الأمن والاستقرار، ويعزز فرص التنمية والازدهار، وأن يكلل أعمال الاجتماع بالنجاح».

وقال الأمير عبد العزيز بن سعود عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس» إنه بتوجيه من القيادة السعودية أكد خلال الاجتماع موقف بلاده في «تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دولنا وخصوصاً في الشأن الأمني؛ لصون حاضرنا الزاهر، وحماية مقدراتنا وتنميتنا من أجل مستقبل مشرق».