أصدر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، بموافقة من رئيسها، بنيامين نتنياهو، تعليمات يمنع بموجبها نشر أي وثائق في أرشيف الدولة حان وقت نشرها، إلا بإذن من الوزارات التي أودعت الوثائق في أرشيفها. وبهذه التعليمات، تكون الحكومة قد أطبقت على مواد الأرشيف التي توثق التاريخ الإسرائيلي الحافل بالممارسات البشعة بحق الفلسطينيين؛ إذ إنها موجهة بالأساس للمواد التي تتعلق بأيام النكبة سنة 1948.
المعروف أن فترة النكبة، التي جرى خلالها تشريد غالبية أبناء وبنات الشعب الفلسطيني من وطنهم، ما زالت تعاني من عدم وجود توثيق تاريخي علمي دقيق. وما نشر عنها يقتصر على شهادات الضحايا الفلسطينيين ومنشورات إسرائيلية انتقائية. ويؤكد الفلسطينيون أن غالبية المشردين تم طردهم بالقوة أو اضطروا إلى الهرب من بشاعة الممارسات الإسرائيلية. ويؤكدون أن مجزرة واحدة على الأقل وقعت في كل قرية فلسطينية تم احتلالها، من مجموع نحو 400 قرية، لا يعرف منها إلا القليل (مجزرة دير ياسين، ومجزرة سعسع، وعيلبون، وعيلوط، وغيرها...). والوثائق التاريخية التي يمكنها أن تكمل الصورة هي تلك المدفونة في الأرشيف الإسرائيلي الرسمي.
ومع أن القانون الإسرائيلي يجيز نشر الوثائق السرية بعد 30 عاما من تاريخها، والوثائق السرية جدا بعد 50 سنة، فإن إسرائيل ترفض نشرها على الرغم من مرور 69 عاما عليها والاقتراب من السنة السبعين. وبدلا من التفكير في نشرها، ينشغل المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بإيجاد وسائل جديدة تفرض استمرار إخفائها. وهو يسعى لإعداد قانون جديد يضمن له ذلك. لكن هذه الخطوة تثير غضب المسؤولين في أرشيف الدولة وكبار المؤرخين الإسرائيليين الذين يستخدمونه، لأن الحظر يعرقل عملهم المهني، فضلا عن أنه يحرم الجمهور من معرفة الحقائق. وقد أعلنوا عن وقف نشاط الأرشيف في خطوة احتجاجية.
وحذر باحثون كبار من أن تعليمات المستشار القضائي هذه من شأنها أن تلحق ضررا بالغا بالبحث التاريخي والعلمي، وتفرض قيودا غير عادية على وصول الجمهور إلى مواد الأرشيف. كذلك عبر خبراء قانونيون عن تخوفهم من أن الوزارات ستستغل القانون من أجل تقييد وصول الجمهور إلى مواد الأرشيف التي يمكن أن تحرج الوزارات، أو تستعرض صورة سلبية لأدائها. وقالت مصادر في أرشيف الدولة إن القانون الموجود غير معمول به ولا يلائم العصر الرقمي. غير أن مصادر في مكتب رئيس الحكومة، الذي يخضع له الأرشيف، عدّت أن التغيير في عمل الأرشيف غايته إخضاع عمله لقانون موجود منذ عشرات السنين، وأنه لا ينطوي على تدخل سياسي أو سلطوي.
وكانت المستشارة القضائية لمكتب رئيس الحكومة، شلوميت برنياع بريغو، بعثت برسالة إلى المسؤول عن محفوظات الدولة، الدكتور يعقوب لازوفيك، قبل عام، حذرته من أنه يتجاوز صلاحياته لأنه يسمح بكشف وثائق من مصادقة الهيئات الحكومية التي أودعت هذه الوثائق في الأرشيف.
يذكر أن أرشيف الدولة الإسرائيلي يحتوي على مئات ملايين الوثائق التي توثق ما وراء الكواليس في مجالات كثيرة ومتنوعة؛ أمنية ومدنية وقانونية واقتصادية وغيرها، ويشمل ذلك مداولات صناع القرار وتوثيق نشاط مستخدمي الدولة. ومعظم المواد المحفوظة في الأرشيف ليست سرية، وقسم صغير منها يخضع للرقابة لأسباب أمنية أو لعدم المس بعلاقات إسرائيل الخارجية، وبينها وثائق تعود إلى حرب عام 1948. وتثير الأنظمة الجديدة مخاوف من تدخل سلطوي في قرارات حول كشف مواد أمام الجمهور. وقالت عضو المجلس الأعلى للأرشيفات الإسرائيلية، الدكتورة تهيلا ألتشولر، إن تعليمات المستشار القضائي الجديدة «مفندة وخالية من المنطق. ومنح صلاحيات باتخاذ قرار حول ما إذا كانت مادة معينة ستنشر أم لا، لمن أودعها، هو أشبه بالسماح للقط بأن يحرس الحليب».
وحذرت ألتشولر من إقدام هيئات حكومية على استغلال هذه التعليمات الجديدة ومنع الجمهور من الاطلاع على مواد لأسباب غير موضوعية، مثل الرغبة في إخفاء فضائح محرجة، أو الامتناع عن كشف أعمال فساد. وقال ليئور يفنيه، مدير عام معهد «عكفوت»، الذي يعنى بالكشف عن مواد أرشيفية تتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، إن «حرية الاطلاع في الأرشيف تم تحميلها طوال سنين على ظهر جمل تم تجويعه ويعرج، والتعليمات الجديدة هي بمثابة القشة التي ستؤدي إلى انهياره نهائيا».
ورأت رئيسة الجمعية التاريخية الإسرائيلية، المؤرخة البروفسورة ميري إلياف فلدون، أن من شأن الوضع الجديد الذي يفرضه المستشار القضائي، أن «يوقف بالمطلق» إمكانية إجراء أبحاث تاريخية، وبضمنها تلك المرتبطة بتاريخ «الييشوف اليهودي (مجتمع ما قبل الدولة)» في فلسطين ودولة إسرائيل.
إسرائيل تمنع نشر أرشيفات عن ممارساتها بحق الفلسطينيين إبان النكبة
قرابة 70 عاماً مرت وتصر على منع الباحثين والجمهور من الاطلاع عليها
إسرائيل تمنع نشر أرشيفات عن ممارساتها بحق الفلسطينيين إبان النكبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة