مع انتهاء الانتخابات الرئاسية والنيابية، لم يعد للفرنسيين قضية يتجادلون حولها سوى مكيفات الهواء في المكاتب والأماكن العامة. وهناك في البلد فريقان: داحس يدعو إلى ضرورة الحفاظ على درجة متوسطة للحرارة في أماكن العمل، وغبراء تطالب بخفض درجة تكييف الهواء نظراً لموجة القيظ التي تعيشها البلاد.
وحتى سنوات قريبة، كانت أجهزة التكييف تقتصر على مكاتب المؤسسات الكبرى وفنادق الدرجة الأولى. ثم حدثت تغيرات مناخية جعلت من تلك الأجهزة بضاعة مطلوبة في متاجر اللوازم المنزلية ودخلت إلى كثير من الشركات والبيوت والفنادق المتوسطة. لكن القصور القديمة وبعض المباني التاريخية للوزارات ما زالت محرومة منها. وغالباً ما يلجأ ساكنوها، وعموم الفرنسيين، إلى اقتناء المراوح الكهربائية. وحتى هذه تنفد من الأسواق مع أولى علامات القيظ، أو «الكانيكول» بالفرنسية، وهي مفردة تسللت إلى أفواه الملايين من المهاجرين من المشرق والمغرب العربيين، الذين يؤدون فريضة الشهر الكريم في أجواء مرهقة وساعات صيام تزيد على 17 ساعة.
وبسبب التكييف، تندلع مشادات بين الموظفين العاملين في صالة واحدة مكيفة الهواء. وهي ليست خلافات عابرة بين زملاء، الأمر الذي دفع بمحررة صحيفة «لوموند» إلى الحديث عن «حرب» المكيفات، أو «الكليم» اختصاراً باللغة الفرنسية. فقد جرت العادة في الأيام العادية على الحفاظ على درجة تبريد متوسطة، لا تقل عن 19 مئوية. لكن هناك من يطالب بخفضها عدة درجات في فترات القيظ وموجات الحرارة الشديدة.
ومنذ أسبوع، يعيش الفرنسيون، حالهم حال عدد من دول أوروبا الغربية، أياماً صيفية تزيد فيها الحرارة على 30 درجة. وهو ظرف مناخي يرهق الموظفين والموظفات الذين يعملون 8 ساعات في اليوم. لكن ردة الفعل ليست متساوية إزاء مكيفات الهواء، فهناك من يستريح للهواء الطبيعي ويتضايق من إغلاق النوافذ والأبواب ويعتبر الهواء المخنوق ناقلاً للأمراض وسبباً في نوبات الزكام والتهابات الحنجرة. وبين هؤلاء كثيرون من أنصار البيئة الذين يرون في أجهزة التكييف هدراً للطاقة. وفي المقابل، يرفض آخرون هذه النظرية ويصرون على أن من الصعب تركيز الذهن على العمل في أجواء من نهارات صيفية طويلة وساخنة.
موجة الحرارة المرشحة للاستمرار لعدة أيام مقبلة، دفعت بلدية باريس إلى إعلان خطة «طوارئ القيظ» من الدرجة الثالثة. وهي إجراءات معينة تتوجه بشكل خاص، نحو المراقبة الاستثنائية للمواليد الرضع وللمسنين من الرجال والنساء الذين يقيمون بمفردهم أو نزلاء دور الرعاية الاجتماعية. وهناك لدى البلدية قوائم بأسماء وعناوين هؤلاء العجزة الذين يعيشون في عزلة ولا تتوفر لهم سبل الحصول على قناني الماء أو الاستنجاد بجار قريب. ومن الإجراءات الجديدة ترك 6 حدائق عامة كبرى موزعة في أرجاء العاصمة، مفتوحة الأبواب ليل نهار. ووقع الاختيار على تلك الحدائق لأنها تتمتع بنافورات مائية ومزودة بمرافق صحية. كما تواصل فرق المتطوعين جولاتها التفقدية للمشردين ومن ينامون في العراء، لتقديم الماء والوجبات الخفيفة وأغطية الرأس والشمسيات لهم.
يذكر أن موجات القيظ تدخل ضمن كوارث الطبيعة في فرنسا. وما زالت في الذاكرة تفاصيل الموجة التي ضربت أوروبا في صيف 2003 وراح ضحيتها 70 ألف شخص، بينهم 20 ألفاً في فرنسا وحدها، غالبيتهم من المسنين الذين تركهم أبناؤهم في الشقق ودور العجزة وسافروا لقضاء الإجازة.
اندلاع حرب تكييف الهواء في مكاتب فرنسا
موجة القيظ جددت الجدل حول محاسنه وأضراره
اندلاع حرب تكييف الهواء في مكاتب فرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة