أسعار النفط قد تظل متدنية لفترة طويلة

المجاهيل في السوق أصبحت أكثر من المعلوم... وعلى «أوبك» القيام بدور أكبر

من المتوقع أن يفوق نمو إمدادات النفط في العام المقبل زيادة متوقعة في الطلب (رويترز)
من المتوقع أن يفوق نمو إمدادات النفط في العام المقبل زيادة متوقعة في الطلب (رويترز)
TT

أسعار النفط قد تظل متدنية لفترة طويلة

من المتوقع أن يفوق نمو إمدادات النفط في العام المقبل زيادة متوقعة في الطلب (رويترز)
من المتوقع أن يفوق نمو إمدادات النفط في العام المقبل زيادة متوقعة في الطلب (رويترز)

لا أحد يفهم بالتحديد ما يجري في سوق النفط، ولا توجد إجابات نهائية حول الأسباب التي أدت إلى هبوط أسعار النفط إلى مستويات الأربعين دولاراً، لكن المؤكد ألا أحد يتوقع لها أن تتجاوز 60 دولاراً هذا العام، وقليل من يتوقعون أن ترتفع إلى هذا المستوى في العام المقبل. لكن المفاجأة أن هناك من يتوقعون أن لا ترتفع إلى 60 دولاراً؛ حتى في العام المقبل.
وقد يبدو شخص مثل الدكتور حسن قبازرد، رئيس الأبحاث السابق في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، متشائماً حيال مستقبل الأسعار ووضع السوق، إذ ما تمت مقارنة كلامه بكلام وزراء المنظمة، إلا أنه يرى نفسه واقعياً في توقعاته. وقال قبازرد لـ«الشرق الأوسط»: «إن عودة سوق النفط إلى التوازن الكامل ستأخذ وقتاً طويلاً، ولا أتوقع أن يحدث هذا قبل 2020. نعم قد يكون هناك فترات قصيرة تتوازن فيها السوق بشكل بسيط في المدى القصير، إلا أن التوازن الكامل لن يحدث سوى في المدى الطويل».
وفي حواره مع «الشرق الأوسط»، أوضح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، أول من أمس، أن أساسيات السوق تتجه في الاتجاه الصحيح، متوقعاً أن يحدث التوازن في الربع الرابع من العام الحالي. ولا يستبعد قبازرد أن تتوازن السوق في الربع الرابع، ولكنها سرعان ما سوف تعود إلى عدم الاتزان في الربع الأول المقبل؛ إذ إن الزيادة المتوقعة من الإنتاج في النفط الصخري ستكون كبيرة.
وتظهر أرقام وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن السوق سوف تشهد عجزاً في الإمدادات في الربعين الثاني والثالث من العام الحالي، إلا أن الوكالتين توقعتا أن تشهد المخزونات زيادة في الربع الأول من العام 2018.
ويوضح قبازرد الأسباب وراء توقعاته، قائلاً: «حتى تتوازن السوق، فإن الإنتاج خارج (أوبك) يجب أن يصل إلى ذروته وتصبح الزيادات معقولة في حدود 200 إلى 300 ألف برميل يومياً حتى لا تؤثر على نمو الطلب. أما الزيادات من خارج (أوبك) حالياً فهي بكميات كبيرة؛ ولهذا لا تستطيع السوق أن تستوعبها بسهولة... ومهما خفضت (أوبك) إنتاجها، فإن الزيادة من خارج (أوبك) ستستمر، وخصوصاً من النفط الصخري الذي يتم إنتاجه من قبل الشركات الأميركية بلا حساب أو إدراك لتأثيره على السوق والأسعار».
ويقول قبازرد: إنه تاريخياً كانت الأسعار دائماً منخفضة في الأوقات التي تتحول فيها كفة الإنتاج إلى خارج دول «أوبك»، مثلما حدث عندما دخل الإنتاج من بحر الشمال والمكسيك وغيرها في الثمانينات. وقد يستمر الانخفاض لسنوات طويلة مثلما حدث سابقاً في الثمانينات والتسعينات بحسب ما ذكره. ولن تتحسن الأسعار حتى يحصل تحول هيكلي كبير في العرض أو في الطلب، وحتى ذلك الحين ستظل الأسعار منخفضة. ولهذا؛ فإن قبازرد يرى سعر 60 دولاراً بعيد المنال على المدى القصير.
ولا تزال هناك علامات استفهام على السوق في العام المقبل، حيث قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الصادر 14 يونيو (حزيران) إن من المتوقع أن يفوق نمو إمدادات النفط في العام المقبل زيادة متوقعة في الطلب ستدفع الاستهلاك العالمي فوق 100 مليون برميل يوميا للمرة الأولى.
وقالت الوكالة التي مقرها باريس: إن الإنتاج من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول سينمو في 2018 بمثلي وتيرة العام الحالي الذي قررت فيه «أوبك» و11 دولة شريكة تقييد الإنتاج. وقالت وكالة الطاقة: «فيما يخص إجمالي الإنتاج من خارج (أوبك)، نتوقع أن ينمو الإنتاج بمقدار 700 ألف برميل يوميا هذا العام». وأضافت أنه «في 2018، نتوقع أن ينمو الإنتاج من خارج (أوبك) بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يفوق بقليل الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي».

تخزين نفط بلا ربحية
إن السوق النفطية لم تعد مستقرة بتات؛ ولهذا بدأ الكثير من المستثمرين في التخلي عن المراكز الطويلة وبدأوا يخرجون من السوق أو يتمسكون بعقود النفط الآجلة التي تنتهي في الأجل القريب، بحسب ما أوضحه لـ«الشرق الأوسط» أكثر من مراقب للسوق.
والسبب في هذا بسيط... حيث لا أحد من المستثمرين يريد أن يضع استثماراته في بيع وشراء عقود النفط وهو لا يعلم ماذا سيحدث في العام المقبل. حتى بالنسبة للذين يخزنون النفط في السفن العائمة في البحار هذه الأيام قد لا يجنون الكثير، أو قد لا يجنون شيئا في الأصل إذا ما خزنوه بهدف بيعه مستقبلاً.
فبحسب تقديرات وكالة «بلومبيرغ»، فإن الـ«كونتانغو»، وهو الفرق بين سعر برميل النفط في العقود الحالية والعقود المستقبلية ليس كبيراً لدرجة أنه يغطي كلفة تخزين البرميل في البحر.
فعلى سبيل المثال، قبل يومين بلغ الـ«كونتانغو» في عقود نفط برنت بعد 3 أشهر من الآن نحو 0.82 دولار للبرميل؛ وهو ما يعني لو أن تاجراً اشترى العقود قبل أمس وأراد بيعها بعد ثلاثة أشهر فإنه سيكسب 0.82 دولار في كل برميل. وهامش ربح صغير، لكن معقول. إلا أن المشكلة تكمن في كلفة تخزين النفط. فكلفة تخزين البرميل لمدة 3 أشهر على سفينة عائمة في منطقة البحر المتوسط أو في بحر الشمال وشمال غربي أوروبا ستكون في حدود 2.19 دولار.

الرؤية غير واضحة
ويرى الخبير النفطي الدكتور سداد الحسيني، أن الوضع في السوق النفطية حالياً غير مشجع؛ إذ يقول: «نفتقد في السوق حالياً إلى الشفافية والدقة في الأرقام. التوقعات لم تعد واضحة والمجاهيل في السوق أكثر من المعلوم، ولهذا لا يمكن لأحد أن يضع مبالغ كبيرة وسوف يتجه الجميع إلى سلع أخرى أكثر شفافية، مثل عقود البن والسكر وغيرها».
ويضيف الحسيني، وهو تنفيذي سابق في شركة «أرامكو السعودية»: «دور منظمة أوبك لا ينحصر فقط في تخفيض الإنتاج فهذه طريقة من طرق استقرار السوق، وما نحتاج إليه من (أوبك) هي أن تعطينا تصورات دقيقة في تقاريرها عن ما يحدث وما سوف يحدث، وأن تكون الأرقام شفافة ودقيقة حتى يأخذ المستثمرون قراراتهم بثقة أكبر».
وهناك الكثير من الأمور التي تدعم آراء الحسيني. فعلى سبيل المثال لا أحد يعلم كيف ستكون حالة المعروض في العام المقبل. ولا أحد يعلم حجم الإنتاج من خارج «أوبك» ولا توجد تصورات مؤكدة عن حالة الطلب في وقت قد يصعد فيه المعروض بصورة كبيرة جداً.
وقالت «أوبك» إن مخزونات النفط في الدول الصناعية انخفضت في أبريل (نيسان) وستواصل هبوطها في بقية العام، لكن تعافي الإنتاج بالولايات المتحدة يكبح جهود تصريف فائض الإمدادات. وأضافت «أوبك» في التقرير، أن «عودة التوازن إلى السوق تمضي في طريقها، لكن بوتيرة أبطأ، في ظل تغيرات العوامل الأساسية منذ ديسمبر (كانون الأول)، وبخاصة التحول في الإمدادات الأميركية من انكماش متوقع إلى نمو إيجابي».
ويرى بعض المسؤولين في «أوبك» أن المضاربات المالية في السوق النفطية هي التي تقود الأسعار، ولكن في ظل هذه المعطيات المتعلقة بالعرض والطلب، لا يمكن إلقاء اللوم على المضاربات وحدها.



تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
TT

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)

أيد أربعة من صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي يوم الجمعة المزيد من خفض أسعار الفائدة؛ شريطة أن يستقر التضخم عند هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة كما هو متوقع.

وخفض البنك المركزي لمنطقة اليورو أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام يوم الخميس، وأبقى الباب مفتوحا لمزيد من التيسير، على الرغم من أن بعض المحللين شعروا أن إشارة رئيسة البنك كريستين لاغارد في هذا الاتجاه كانت أقل وضوحا مما كانوا يأملون.

وبدا أن محافظ البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيليروي دي غالو، وزميله الإسباني خوسيه لويس إسكريفا، والنمساوي روبرت هولزمان، وغاستون راينش من لوكسمبورغ، قد أكدوا الرسالة يوم الجمعة.

وقال فيليروي دي غالو لإذاعة الأعمال الفرنسية: «سيكون هناك المزيد من تخفيضات الأسعار العام المقبل». وفي حديثه على التلفزيون الإسباني، أضاف إسكريفا أنه من «المنطقي» أن «يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى في اجتماعات مستقبلية» إذا استمر التضخم في التقارب مع الهدف. وكان 2.3 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).

وخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الذي يدفعه على احتياطيات البنوك بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.0 في المائة يوم الخميس، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى بقيمة 100 نقطة أساس على الأقل بحلول يونيو (حزيران) المقبل.

ورفضت لاغارد التكهن بالمسار المستقبلي للأسعار، مشيرة إلى المخاطر التي تتراوح من التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة إلى عدم اليقين السياسي في الداخل، حيث إن فرنسا حالياً دون حكومة، بينما تواجه ألمانيا تحديات انتخابات جديدة، فضلاً عن التضخم المحلي المرتفع.

وألقى فيليروي دي غالو، الوسطي الذي أصبح مؤيداً بشكل متزايد للسياسة التيسيرية في الأشهر الأخيرة، بثقله وراء توقعات السوق. وقال: «ألاحظ أننا مرتاحون بشكل جماعي إلى حد ما لتوقعات أسعار الفائدة في الأسواق المالية للعام المقبل».

وحتى محافظ البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان، وهو من الصقور وكان المعارض الوحيد للتيسير، أيد عودة أسعار الفائدة إلى مستوى محايد، لا يحفز الاقتصاد ولا يكبح جماحه، عند حوالي 2 في المائة. وقال للصحافيين: «ستتجه أسعار الفائدة في هذا الاتجاه. وإذا تحققت تقييمات السوق كما هي في الوقت الحالي، فسوف تتطابق مع توقعاتنا. وإذا تطابقت توقعاتنا، فربما يتعين علينا تعديل أسعار الفائدة لدينا لتكون متسقة».

وقال راينيش من لوكسمبورغ، والذي نادراً ما يناقش السياسة في العلن، لوسائل الإعلام المحلية أنه «لن يكون من غير المعقول» أن «ينخفض ​​سعر الودائع إلى 2.5 في المائة بحلول أوائل الربيع»، وهو ما يعني على الأرجح خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) المقبلين.

بينما قلل إسكريفا من احتمال خفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وهو الخيار الذي طرحه بعض زملائه وتبناه البنوك المركزية في سويسرا والولايات المتحدة. وقال محافظ البنك المركزي الإسباني المعين حديثا: «في المناقشات التي أجريناها (الخميس)، كانت الفكرة السائدة هي أنه يتعين علينا الاستمرار في إجراء تحركات هبوطية بمقدار 25 نقطة أساس، وهو الشكل الذي سيسمح لنا بمواصلة تقييم التأثيرات من حيث انكماش التضخم».

في غضون ذلك، ظل الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو دون تغيير في أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بالشهر السابق، متجاوزا التوقعات بانخفاض طفيف، لكن البيانات تشير إلى عدم وجود تعافي في الأفق لقطاع غارق في الركود منذ ما يقرب من عامين. وجاء الرقم الذي لم يتغير، والذي أصدره «يوروستات»، أعلى قليلا من توقعات الاقتصاديين بانخفاض بنسبة 0.1 في المائة، ويأتي بعد انخفاض بنسبة 1.5 في المائة في سبتمبر (أيلول).

وأعلنت ألمانيا وفرنسا وهولندا عن قراءات سلبية خلال الشهر، بينما ظل الإنتاج الإيطالي راكدا، تاركا إسبانيا الدولة الوحيدة من بين أكبر دول منطقة اليورو التي سجلت قراءة إيجابية.

وعانت الصناعة الأوروبية لسنوات من ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة، وتراجع الطلب من الصين، وارتفاع تكاليف التمويل للاستثمار، والإنفاق الاستهلاكي الحذر في الداخل. وكان هذا الضعف أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس وخفض توقعاته للنمو، بحجة وجود حالة من عدم اليقين في الوفرة.

وبالمقارنة بالعام السابق، انخفض الناتج الصناعي في منطقة اليورو بنسبة 1.2 في المائة، مقابل التوقعات بانخفاض بنسبة 1.9 في المائة. ومقارنة بالشهر السابق، انخفض إنتاج الطاقة والسلع المعمرة والسلع الاستهلاكية، وارتفع إنتاج السلع الرأسمالية فقط.