أرض «جوبتر آمون» كما أطلق عليها الفراعنة أو «سانترية» كما ذكرها المقريزي، أو«تاسواة» بحسب ابن خلدون، هي أسماء لواحة سيوة القابعة في الصحراء الغربية على بعد 300 كم من مدينة مرسى مطروح. زيارة واحة سيوة ضرورية للباحثين عن الاستجمام ومحبي الأماكن ذات الطبيعة البكر وذات التراث الثقافي المميز، فضلا عن كونها منطقة واعدة للمبدعين الباحثين عن محفزات للخيال؛ فهي تجمع بين سكون الصحراء وجمال العيون الطبيعية وأشجار النخيل الباسقة وتلال الرمال الناعمة.
يقطن واحة سيوة نحو 30 ألف نسمة، ويتحدث أهلها باللغتين الأمازيغية والعربية، تنقسم القبائل والعائلات إلى 10 قبائل، ومنهم: الزناين والحدادين واللحمودات والسراحنة والشحايم وأيت موسى وأغورمي وأم الصغير. وتعتبر سيوة مقصدا سياحيا عالميا لشهرتها بأنواع من السياحة العلاجية، مثل: الدفن في الرمال الساخنة، كما يوجد بها بحيرات علاجية بالمياه الكبريتية، إلى جانب المستحضرات الطبيعية والمنتجات الطبيعية، مثل: زيت الزيتون والبلح والملح.
قصة قمبيز واختفاء
الجيش الفارسي
تحيط بواحة سيوة قصص وأساطير عن غموضها وسحرها، ومن أشهر القصص التاريخية التي ترتبط بواحة سيوة، قصة اختفاء جيش قمبيز أو الجيش الفارسي، ويحكى أن قائد الفرس قمبيز بن قورش، الذي استولى على مصر عام (525 ق م) حينما سأل كهنة أمون عن نتيجة غزو الفرس لمصر ومستقبل حكمه لهم كان ردهم أن «الفرس سيرحلون وأن ملكهم قمبيز سيلقى سوء المصير». ولما سمع قمبيز بذلك غضب غضباً شديداً وصمم على أن يؤدب هؤلاء الكهنة ويهدم معبدهم، فأرسل جيشاً قوامه خمسون ألف جندي، ولكن جيوش الفرس لم تصل إلى سيوة ولم يعثر لها على أثر، ووفقا لرواية المؤرخ الشهير هيرودوت، أنه بعد قيام الجيش الفارسي من واحة الفرافرة وأثناء عبورهم بحر الرمال الأعظم، أرسل عليهم ريحا قضت على الجيش بأكمله ولما سمع قمبيز بذلك جن جنونه ومرض عقلياً حتى مات وهكذا تحققت نبوءة أمون. وبين الحين والآخر يحاول المنقبون الكشف عن حقيقة تلك الرواية، ففي عام 2000 تملكت الإثارة والدهشة فريقاً مصرياً للتنقيب عن النفط عندما عثر على عظام آدمية وخناجر ورؤوس أسهم منتشرة في منطقة تكثر بها الكثبان الرملية، حيث رجح أنها تخص جيش قمبيز وجاء فريق كشفي إيطالي وفريق من «ناشيونال جيوغرافيك» على فترات لمتابعة البحث والتنقيب لكن لا يوجد حتى الآن كشف علمي موثق حول مكان جيش قمبيز المختفي.
كيف تقضي يومك؟
تقول المرشدة السياحية سالي سليمان، التي تنظم رحلة «النبوءة» إلى سيوة، لـ«الشرق الأوسط»: «أطلقت على الرحلة هذا الاسم تيمنا بمعبد النبوءة الذي كان الفراعنة يأتون إلى كهنته للتعرف على توقعاتهم للمستقبل ونبوءاتهم». وهو المعبد نفسه الذي جاء إليه الإسكندر الأكبر فقيل له إنه سيحكم العالم لكن ليس لفترة طويلة فخرج مزهوا بنفسه ولم يقص تلك النبوءة لأحد لكنه كان يرغب في أن يرويها لأمه ولكن لم يمهله القدر. وتؤكد: «رحلة واحة سيوة من أهم الوجهات السياحية في مصر والتي تلقى إقبالا من جانب السياح والمصريين فهي تجمع بين التراث والآثار والأسطورة والاسترخاء والمغامرة، وهي ممتعة لعشاق واحة سيوة؛ واحة القمر والخيال وعشاق التصوير للطبيعة والتراث والآثار، ويمكن للزائر أن يستمتع ببرنامج مزدحم بالمزارات وأماكن التسوق».
برنامج حافل بالمزارات
في اليوم الأول للزيارة عادة ما يكون فقط لتسلم الغرف والنوم للاستراحة من رحلة السفر التي تستغرق من القاهرة 12 ساعة بينما من الإسكندرية 9 ساعات، والتي تتضمن محطات للتوقف والاستراحة. أما في اليوم الثاني، تشير سليمان إلى أن «برنامج الزيارة يشمل معبد النبوءة، ومعبد (آمون رع) الفرعوني، وجبل الموتى وزيارة المقابر المفتوحة وعادة ما تتم زيارة مقبرة واحدة فقط تعود إلى الأسرة 26 مصر القديمة».
ثم يتم التحرك لزيارة المدينة القديمة ذات الطراز المعماري المميز، تقول سليمان: ««البيوت في سيوة تتميز بأنها مبنية من مادة تسمى (الكيرشيف) وهي خليط من الطين الأحمر والملح الصخري وجريد النخيل، وهي مواد من البيئة السيوية ولا يوجد مثلها في مصر». بعد التجول في المدينة يتم التوجه لقلعة «شالي» التاريخية حيث كان أهل المدينة يتحصنون بها من هجمات البدو، ويتم تناول وجبة الغداء في مطعم سيوي داخل سيوة القديمة، ويتم بعدها التحرك لزيارة جزيرة الخيال «فطناس» وهي من مواقع السباحة المفضلة في سيوة لدى السكان المحليين والسياح على حد سواء، وتبعد نحو 6 كم غرب سيوة، تقع الجزيرة على بحيرة بركة سيوة المالحة وتحيط بها أشجار النخيل والمناظر الطبيعية الرائعة ومشاهدة الغروب. وفي ختام اليوم يتم العودة للفندق لقضاء ليلة ساهرة مع الفنون الشعبية السيوية.
في اليوم الثالث، تتم زيارة تحف البيت السيوي ثم التعرف على الحرف اليدوية المشهورة مثل: صناعة الكليم (السجاد اليدوي) المشهورة به واحة سيوة، ثم الانتقال لزيارة مصنع التمور والزيتون ومصانع الملح الطبيعي. وعقب تناول الغذاء يتم التحرك لمغامرة في بحر الرمال الأعظم حيث التزلج على تلال الرمال الناعمة أو جولة سفاري بعربات الدفع الرباعي، حيث يستمتع الزوار بأجواء الصحراء الرائعة ومشاهدة آبار المياه الجوفية وسط الكثبان الرملية. وفي نهاية اليوم يتوجه السياح إلى مخيم وسط الصحراء لتناول العشاء المطهي على الفحم والاستمتاع بهدوء الصحراء على أضواء النجوم المتلألئة في صفحة السماء الصافية، والاستمتاع بالحكايات السيوية التراثية على لسان حكائين محترفين.
عين كليوباترا
من أشهر العيون الطبيعية في واحة سيوة الخلابة وكتب عنها هيرودوت حرارتها تزداد وتنقص وفقا لتوقيت ساعات اليوم، في الصباح الباكر تتراوح حرارتها ما بين 35 إلى 45 درجة ثم تنخفض درجة حرارتها تدريجيا وتصبح باردة وقت الظهيرة، ثم تعود للدفء تدريجيا حتى تعود لدرجة حرارتها الأولى.
وتحيط بالعين الأسطورية أشجار النخيل الباسقة تظللها ويبلغ قطر العين 40 مترا ويتجاوز عمقها الأمتار العشرة، وتتدفق المياه إليها من فتحات صغيرة، بأسفل قاع العين.
جبل الموتى
من أهم المعالم السياحية في واحة سيوة ويقع على بعد كيلومتر تقريبا من البلدة، وهو عبارة عن تل مخروطي الشكل يبلغ ارتفاعه نحو 50 مترا، وهو ذو تربة جيرية، وتوجد به من أسفله إلى أعلاه مقابر للموتى على شكل خلية نحل منحوتة في الحجر على شكل صفوف منتظمة وطبقات متتالية. والمقبرة عبارة عن دهليز مستطيل ينتهي إلى فناء متسع مربع الشكل تتفرع منه فتحات لوضع الموتى، ويتم النزول إلى المقابر بسلم.
جبل الدكرور
ويقع في الجنوب الشرقي من واحة سيوة، يقيم الأهالي عنده احتفالا سنويا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام بعد موسم حصاد التمور ويستمر الاحتفال ثلاثة أيام ويشارك فيه أهالي الواحة كلهم. وقد اشتهر الجبل في الواحة بوجود عدد من الشيوخ المتخصصين في علاج الأمراض الروماتيزمية المستعصية. ويعتمدون في طريقة علاجهم على طمر الجسم بأكمله في الرمال الساخنة. وقد ذاع صيت جبل الدكرور كمركز علاجي بين السياح العرب والأجانب على حد سواء.
السياحة العلاجية
يقول بكر شنينة، أحد المعالجين بالواحة، لـ«الشرق الأوسط»: «المريض يأتي في وقت الضحى فنقوم بوضعه فيما يعرف بـ(المردم) وهي عبارة عن حفرة يستلقي فيها المريض بعد أن يتجرد من ملابسه ويستلقي تحت خيمة صغيرة تظلل رأسه فقط، لمدة تتراوح ما بين عشر دقائق إلى ثلث ساعة وبعد خروج المريض من الحفرة مباشرة يلتحف بالأغطية الثقيلة، ثم يتجه إلى خيمة قريبة يبقى داخلها لمدة نصف ساعة، ويصرح له بتناول مشروبات ساخنة فقط، ولا يمكنه شرب الماء حتى تهدأ حرارة جسده، كما يتناول وجبات غذائية محددة منها: قلب النخل والتمور فقط واللبن الرائب».
لا بد أن يسير المريض على برنامج علاجي وغذائي خلال فترة إقامته بالواحة والتي تمتد لأسبوعين، ويضيف شنينة: «المرحلة الثانية تتم بعد فترة من شرب المشروب الساخن حيث يتم تدليك جسده ليتم غلق مسام الجسم عن طريق نوعية من الزيوت والخل مع القليل من الملح والليمون وتكرر هذه العملية لمدة ثلاثة أيام على الأقل وتختلف مدة العلاج من شخص لآخر بحسب عدد الجلسات».
التسوق
تشتهر الواحة بأنها أكبر مزرعة زيتون في مصر، حيث يمكنك شراء منتجات الزيتون من الزيوت والزيتون الطبيعي، كما يمكنك شراء أروع وأجود أنواع التمور، فضلا عن المنتجات والحلي اليدوية المصنوعة من الفضة البدوية، والأزياء السيوية التي تشتهر ببهجة ألوانها، وترتدي النساء في سيوة ملابس توضح عدد سنوات عمرهن من خلال التطريز الذي يزينها.
أين تقيم؟
تكلفة الرحلة عادة ما تتراوح ما بين ألف وحتى ثلاثة آلاف شاملة الإقامة لمدة 5 أيام وأربعة ليال. وهناك عدد من الفنادق المميزة والمنتجعات التي تطل على البحيرة أو على العيون الكبريتية. ولكن إذا أردت الاستشفاء من الهوس بالتكنولوجيا والعيش الافتراضي على «السوشيال ميديا» فإن الإقامة بفندق «أدرير أميلال» بواحة سيوة لعدة أيام ستقوم بمهمة «ديتوكس» السوشيال ميديا حيث يمنع الفندق استخدام الموبايل ولا يوجد به كهرباء بل تتم إنارته بالكامل بالشموع والمصابيح الزيتية، حتى الطهي يتم بالطرق البدوية والطبيعية. ومن أشهر زوراه الأمير تشارلز وزوجته كاميلا.
متطلبات الرحلة
يجب أن تحرص على التحرك في وجود الرقم القومي أو الباسبور المصري الصورة والأصل لاستخراج التصاريح الأمنية لتقديمها أثناء الوقوف بكمين مرسى مطروح إن تطلب ذلك. يجب أن تحرص على أخذ ملابس خفيفة وثقيلة أيضا ولا تنس الأحذية الرياضية المريحة التي تناسب التحرك بالصحراء. يجب أن تحضر حقيبة الأدوية العلاجية الخاصة بك والأموال النقدية أيضا لأنه توجد ماكينة صراف آلي واحدة فقط وقد لا تكفي الأموال بها الزوار كافة. يجب أيضا إحضار مستحضر ضد البعوض حيث ينتشر بالواحة مساء.