سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

أرقام «العرق الأصفر»

أوائل القرن الماضي ذاعت في الولايات المتحدة حملة تحذر من «الخطر الأصفر». وكان المنذرون يقولون إن القرن لن ينتصف إلا وقد سيطر الصينيون واليابانيون على بقية العالم بالقوة. وعندما اشتعلت الحرب الكورية منتصف القرن، قيل ها هم «الصفر» قد حلّوا. لكن منذ منتصف القرن الماضي بدأت آسيا تُظهر قوة من نوع آخر: اليابان تتقدم الجميع في التكنولوجيا. ثم الصين. ثم كوريا الجنوبية. ثم ماليزيا. ثم سنغافورة. والآن إندونيسيا تدخل سريعاً نادي الآسيويين الكبار.
«الرجل الأبيض» يفقد تفوقه سريعاً. ويعود مجرد أقلية بين الأعراق. وكان المؤرخ الأميركي غور فيدال يقول: «كل ما نأمله هو أنهم عندما يسيطرون، سوف يعاملوننا بأفضل مما تعاملنا معهم». وفي محاضرة ألقاها عام 1986 تراءى له أن العالم ينزلق نحو مركزية آسيوية، ولذا، سوف يكون الحل الوحيد أمام أميركا هو التحالف مع الروس من أجل مواجهة العملاق الباسط أذرعته في كل مكان، من خلال التجارة والصناعة، ومن دون أي قوة عسكرية - حتى الآن.
آسيا تتقدم وأوروبا تتراجع. وما من أحد يعرف ماذا سوف يشكل مليار صيني متطور ومتجدد أمام 300 مليون أوروبي. أو أمام أفريقيا. أو أمام أميركا الجنوبية. وحدها أميركا الشمالية تبقى في دائرة المنافسة بعدما كان الفارق بينها وبين الآسيويين المتخلفين أشواطاً كثيرة.
لكنها قارة الأرقام التي لا نهاية لها، وكأنها خارجة من منطق الحساب. في خطاب ألقاه الرئيس الصيني ونشرته «تشاينا ديلي» قبل فترة، قال إن الصين سوف تستورد خلال السنوات الخمس المقبلة من البضائع الأميركية ما قيمته 8 تريليونات دولار، وسوف تجتذب 600 مليار دولار من الاستثمارات، وتستثمر بدورها 700 مليار في الخارج، وتُرسل إلى الخارج كم سائحاً؟ 700 مليون. هذه السنة وحدها أرسلت 61.15 سائحاً إلى 1.254 مدينة في 85 بلداً، أنفقوا خلالها 100 مليار يوان، وفقاً لخطاب الرئيس شي بينغ.
لعله أراد أن يقول أيضاً إن هذا هو حجم المساهمة الصينية في الاقتصاد العالمي، بعدما كانت بلاده، إلى سنوات قليلة خلت، اقتصاداً مغلقاً يخجل في تسرب أرقام النمو، إذا وجدت، وإذا لم تكن سلبية إلى حد بعيد. كلما أكون في أوروبا أو أميركا، أصبحت أضيف إلى صحف اليوم «تشاينا ديلي». أولاً، لأنها على درجة ممتازة من المهنية، وثانياً، لأنها نافذة مثيرة على عالم ما زلنا لا نعرف عنه الكثير. في الماضي كان يقال «المعجزة» الألمانية، أو «المعجزة» اليابانية. لا أدري ماذا يقال عن بلد يعلن رئيسه أنه سوف يستورد بضائع أميركية بـ8 تريليونات دولار!..