وسائل علاجية مطورة لتنقيح «أخطاء» التركيبة الجينية

علماء يحذرون من مغبة توظيفها لتصميم «أطفال حسب الطلب»

وسائل علاجية مطورة لتنقيح «أخطاء» التركيبة الجينية
TT

وسائل علاجية مطورة لتنقيح «أخطاء» التركيبة الجينية

وسائل علاجية مطورة لتنقيح «أخطاء» التركيبة الجينية

في أواخر الثمانينات لاحظ العلماء في جامعة أوساكا في اليابان تكرارا لسلسلة حمض نووي قرب أحد الجينات الذي كانوا يدرسونه في بكتيريا معروفة شائعة. وكانت الأهمية البيولوجية لهذه السلسلة غير معروفة. واليوم أصبحت هذه السلسلة معروفة، وأطلقت نوعا من الفورة العلمية. وتبين أنها جزء من نظام مناعة معقد يستخدم لمحاربة الفيروسات. وهذا النظام الذي لم يعرف إلا قبل سبع سنوات فقط، قد يؤمن للعلماء قدرة غير مسبوقة لإعادة كتابة رموز الحياة.

* تنقيح التركيبة الجينية
وكان الباحثون قد اكتشفوا خلال السنة الماضية أن هذا النظام البكتيري يمكن تسخيره لكي يقوم بإجراء تغييرات دقيقة في الحمض النووي للبشر وغيرهم من الأحياء، من حيوانات ونباتات.
وهذا يعني أن بالإمكان إعادة تنقيح أو كتابة الخريطة الوراثية (الجينوم) تماما كقدرة الكاتب على تغيير كلماته، وتصحيح الأخطاء الإملائية. وهذا ما يتيح تعديل الخريطة الوراثية لأي خلية أو أي نوع من الفصائل والأجناس، وفقا إلى تشارلز غيرزباش الأستاذ المساعد في الهندسة البيولوجية الطبية في جامعة «ديوك» في أميركا.
ويستخدم نظام الجزيئات المعروف بـ«كرسبر» CRISPR اليوم سلفا في تحضير حيوانات المختبرات المعدلة بالهندسة الوراثية بصورة أكثر سهولة من ذي قبل، عن طريق إجراء تغييرات في الجينات المتعددة. وكان العلماء في الصين قد أجروا أخيرا تعديلات في القرود عن طريق اثنين من الجينات فقط.
ويأمل العلماء أيضا في استخدام «الجراحة الجينية» genomic surgery لتصحيح الجينات الشاذة المنحرفة التي تسبب الأمراض. وتمكن الباحثون في معهد «هيوبريخت» في هولندا عن طريق العمل في المختبرات، وليس بعد على البشر، من إظهار أنهم قادرون على إصلاح التحولات والتمسخات المؤدية إلى مرض التليف الكيسي cystic fibrosis.

* «أطفال حسب الطلب»
ومع كل هذا الحماس والانفعال اللذين رافقا نظام «كرسبر»، فإن الأخير يثير أسئلة عميقة، فهو مثل سائر التقنيات التي أبهرت العلماء، مثل العلاج بالجينات، والخلايا الجذعية، والتدخل عن طريق الحمض النووي الريبي (آر إن إيه RNA) من شأنه أن يواجه بعض النكسات قبل استخدامه في مساعدة المرضى، فمن المعروف على سبيل المثال أن نظام «كرسبر» يقوم أحيانا بتغيير جينات أخرى غير تلك المقصودة، وهذا ما يؤدي إلى تأثيرات جانبية غير مرغوب بها.
ومن شأن هذه الأساليب أيضا إثارة قضايا أخلاقية، فسهولة إنتاج قرود وقوارض معدلة وراثيا قد تؤدي إلى المزيد من التجارب الحيوانية، كما أن أسلوب تغيير الجينات في الأجنة من شأنه أيضا أن يعمل مع الأجنة البشرية، مما يثير شبح ولادة «أطفال مصممين حسب الطلب»، «وهذا ما قد يسهل تصميم النسل البشري وراثيا»، وفقا إلى كريغ ميلو من كلية الطب التابعة لجامعة مساتشوسيتس الحائز على جائزة نوبل، مشيرا إلى التغيرات الوراثية التي يمكن أن تعبر بسهولة إلى الأجيال المقبلة.
علاوة على ذلك، فإن نظام «كرسبر» بات يتجه إلى الاستغلال التجاري بعدما قام خمسة خبراء أكاديميين بجمع 43 مليون دولار للشروع بمشروع «إيدتاس ميدسن» الطبي، الذي هو شركة تأسست في كمبردج في ولاية مساتشوسيتس، التي ترمي إلى معالجة الأمراض الموروثة. ومن الشركات الجديدة الناشئة في هذا المجال شركة «كرسبرتيرابيتكس» التي تأسست في لندن، وشركة «كاريبو بايوسينس» في بيركلي بولاية كاليفورنيا.
وقد تقوم الشركات الزراعية باستخدام «كرسبر» لتغيير جينات المحاصيل، بغية إنتاج مواصفات جديدة قد تتجاهل الأنظمة والقواعد المعمول بها، والجدل الدائر حول المحاصيل الزراعية المهندسة جينيا التي أضيفت إليها عموما أحماض نووية غربية.

* نظام مناعي
لكن ما الغرض من نظام «كرسبر»؟ كما ذكرنا سلفا أكد الباحثون في شركة «دانيسكو» عام 2007 الفرضية القائلة إن النظام هذا يحمي البكتيريا من الفيروسات. والشركة هذه تنتج مجموعات من البكتيريا تستخدم في صناعة الأجبان والألبان، أي أن «كرسبر» هو جزء من نظام المناعة المتكيف الذي يأخذ بتذكر أسباب المرض، لكي يكون جاهزا في المرة المقبلة لمواجهتها عندما تطل بوجهها. والنظام المناعي المتكيف البشري هو الذي يجعل الأشخاص يصابون بالحصبة مرة واحدة في حياتهم، عن طريق مباعدة أوصال تسلسل الحمض النووي للفيروس الغازي وتقطيعها، والتي تجعل اللقاحات فعالة بدورها. لكن لم يكن أحد يتصور أن كائنات دقيقة من خلية واحدة كالبكتيريا، تملك مثل هذا النظام المناعي.
لكن الفورة الحقيقية في هذا الميدان بدأت عام 2012 بقيادة إيمانوئيل شاربنتيار، الذي كان يعمل آنذاك في جامعة «يوميا» في السويد، وجانيفار دودنا من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، اللذين عرضا أسلوبا أتاح للباحثين استخدام نظام «كرسبر» في تقطيع وتشريح أي تسلسل للحمض النووي المنقوص الأكسجين (دي إن إيه DNA) الذي يختارونه. فقد توجب على العلماء تركيب سلسلة صناعية من الحمض النووي الريبي (آر إن إيه RNA) القريب كيميائيا من الحمض النووي (دي إن إيه) الذي يتماشى بعضه مع التسلسل الوراثي للأخير. ويجري تركيب «آر إن إيه» الدليلي هذا على أنزيم بكتيري يدعى «كاس 9». ولدى قيام هذا الدليل، أي «آر إن إيه» بالارتباط بسلسلة الحمض النووي المقابل، أي «دي إن إيه»، يقوم أنزيم «كاس 9» بتقطيع الأخير في هذا الموقع.
وتحاول الخلية عندذاك ترميم ذاتها، لكنها تفعل ذلك بشكل غير دقيق مما يكفي لتعطيلها، أو القضاء على الجين. وهكذا لتغيير أحد الجينات، يقوم العلماء عادة بإيلاج رقعة، أي قليلا من الحمض النووي مشابهة إلى المكان الذي حصل عنده الكسر، أو التقطيع، لكنه يحتوي على التغيير المطلوب. ويحدث عادة أن الرقعة هذه تدمج في الحمض النووي عندما تقوم الخلية بإصلاح وترميم الكسر.
وتبين للعلماء في أوائل عام 2013 أن هذا الأسلوب يعمل على الخلايا البشرية والحيوانية والنباتية، على الرغم من أن تلك الفصائل لا تملك نظاما مناعيا يعتمد على «كرسبر».
وفي الماضي كان استيلاد حيوان بتغييرات جينية متعددة يتطلب استيلاد حيوانات منفصلة بتغييرات إفرادية واحدة، ومن ثم تنسيلها مع بعضها البعض لإنتاج وليد يملك مثل هذه التغيرات الوراثية المتعددة. لكن مع «كرسبر» يمكن إنتاج كل هذه التغييرات الوراثية بخطوة واحدة، عن طريق وضع العديد من سلاسل الحمض النووي الريبي الدليلي في الخلية. وثمة أساليب أخرى يمكن أن تفعل ما يفعله «كرسبر»، على الرغم من أن الأخير هو الأسهل، وفقا إلى جورج تشيرش أستاذ علم الوراثة في كلية الطب التابعة لجامعة هارفارد، فالحمض النووي الريبي على سبيل المثال، يمكنه إسكات بعض الجينات المحددة، فهو مشابه إلى «كرسبر» في أنه يمكن استخدام ما يتماشى منه مع الجين المراد إبطال مفعوله.
لكن لا تزال هنالك بعض العراقيل التي تعترض كل هذه الأساليب التي ذكرناها، ومنها أن معالجة الأمراض تتطلب إدخال التغييرات الجينية إلى جميع الخلايا في الجسم التي تحتاج إلى ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»



لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»