نايف بن بندر السديري
كاتب ودبلوماسي سعودي
TT

قفزة في دبلوماسية الملك سلمان

في يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نشرتُ مقالاً في هذه الجريدة بعنوان «لمحة من دبلوماسية الملك سلمان». جاء فيه بالنص: «الملك سلمان، حمل المملكة في قلبه وعقله، وطاف بها أرجاء العالم بشخصيته الكاريزمية الودودة، منذ توليه إمارة منطقة الرياض إلى أن أصبح ملكا. وفي الأيام القادمة سيقطف الملك ثمار سياسته الخارجية الناجحة، والتي ستشهد نقلة نوعية في ظل التغيرات التي يمر بها العالم، منذ حُسمت الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح المرشح الجمهوري السيد دونالد ترمب، مدعومة بالرصيد الضخم من العلاقات التي تربط الملك سلمان مع زعماء وقادة العالم، الذي أصبح من أبرزهم، لخصاله الفريدة ولمكانة بلاده».
كنت أدرك سلفاً أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب رجل عملي، ويقود القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولن يغفل مكانة المملكة وحنكة وثقل الملك سلمان الدولي، التي جعلته واحداً من أبرز قادة العالم الإسلامي بسكانه البالغين ملياراً ونصف مليار نسمة، وسيعيد للعلاقات السعودية الأميركية توهجها المعهود.
الدول العظمى عبر التاريخ، بحاجة ماسة دائماً لتجديد مصادر قوتها من خلال التحالف مع القوى الناشئة والفتية، مثل المملكة وشقيقاتها دول الخليج العربية.
جسد الملك سلمان نجاح سياسته الخارجية من خلال هذه القفزة الدبلوماسية الرشيقة باستضافة أربع قمم، غير مسبوقة، مع الرئيس الأميركي، سعودية، خليجية، عربية، وإسلامية. مرسخاً تفرده بالقيادة في العالمين العربي والإسلامي بجدارة واستحقاق، ولخياله السياسي الذي أبهر العالم. تبوُّء هذه المكانة المرموقة، لم يكن سهلاً، بل جاء بعد عقود من العمل الشاق والمضني لقادة المملكة العربية السعودية في دفاعهم عن المبادئ الإسلامية السمحة، التي أضحت حجر الزاوية لسياسة المملكة الخارجية.
ستركز هذه القمم على تدارس آلية فعالة للقضاء على ظاهرة الإرهاب والدول الراعية لها، وفي مقدمتها إيران، كما ستعزز فرص النمو الاقتصادي الذي يعد عاملاً رئيسياً لاستقرار الشعوب. ويشار هنا إلى «الرؤية 2030» التي أدهشت العالم بتمكنها من توظيف قدرات المملكة الضخمة لما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بعد هذه القمم التي سوف تستضيفها الرياض، ستعيد دول العالم كافة قراءة مواقفها وعلاقاتها مع المملكة؛ لأنها تؤكد عودة المكانة الفريدة للرياض لدى واشنطن، باعتبارها شريكاً استراتيجياً قوياً وذا مصداقية سياسية قلّما تجدها، بعد أن قامت الإدارة السابقة بزعزعة تلك الشراكة، في أعقاب كارثة الخط الأحمر حول الأسلحة الكيميائية السورية، والابتعاد عن الالتزام بالإطاحة بالأسد عام 2015، والاتفاق النووي المقلق مع إيران. وقوة الشريك ومصداقيته، مطلب ملح وضروري لصُناع السياسة الخارجية عشية بحثهم عن شركاء يعينونهم في أوقات الشدة والرخاء.
ستغير هذه الزيارة التاريخية كثيراً من ملامح العالم، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. ستجعل الخارجين عن القانون أكثر انضباطاً والمغامرين أقل تهوراً. وستدعم بناء التناغم والسلام بين شعوب الدول الإسلامية وشركائهم في العالم، وتأتي في مقدمتهم الولايات المتحدة.
لم يعد سراً أن وراء هذا الحدث العظيم هو أحد فرسان الملك سلمان، (الأمير محمد بن سلمان). وأقتبس ما غرَّد به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في حسابه بـ«تويتر»: «جهد جبار لولي ولي العهد بتوليه لملف العلاقات، أثمر عن أول زيارة بالتاريخ لرئيس أميركي لدولة إسلامية».
إطار الزيارة يدعو للتفاؤل، ما بداخل الإطار ستكون أفعالاً حاسمة، سنكتب عنها كثيراً بعد الزيارة. في المملكة العربية السعودية لا تقرع طبول الحرب أبداً، بل ينكب الجميع وفي مقدمتهم الملك سلمان على حياكة رايات كثيرة للسلام والمحبة، تطوف مرفوعة أرجاء العالم.