سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

رابطة بالصحافة المصرية

أوائل السبعينات كان محمد حسنين هيكل، لأول مرة في حياته، يخرج من نطاق مصر مع خروجه من «الأهرام». وجاء إلى بيروت ومعه نسخة بالإنجليزية من كتابه «جمال عبد الناصر والعالم». وكان خياره الطبيعي «دار النهار للنشر» التي يملكها صديقه غسان تويني.
كُلف بالترجمة زميل كبير. لكن هيكل كان قد قرأ ترجمتي لكتاب «خروشوف يتذكر» فأبدى رغبته في أن أترجم الكتاب. ووقعت في حيرة، وحرج حيال الزميل الكبير. وأخيراً خضعت «لحكم» غسان تويني، فقمت بترجمة الكتاب، وكسبت معرفة هيكل، وخسرت صداقة الزميل.
كان ذلك الكتاب الوحيد الذي ترجمته من أعمال هيكل. لكنه حرص في كل إشارة إلى مؤلفاته، إلى تسميتي بين مترجميه. وعندما قرر الكتابة بالعربية ووقف الكتابة بالإنجليزية، كتب في المقدمة، أنه كان يعتمد في الترجمة على ثلاثة، أحدهم «الصحافي اللبناني الكفء»، وأنه قرر وضع كتبه بالعربية مباشرة منذ ذلك الوقت.
تلك كانت أقرب مرة إلى «العمل» في الصحافة المصرية. لكن المودة مع صحافة مصر وصحافييها لم تنقطع. وبعدما كنت في شبابي أحلم بالكتابة إلى جانب أقلام مصر، نقلتنا الصحافة العربية العابرة الحدود إلى القارئ المصري للمرة الأولى. وأصبحت مصر تقرأ «الشرق الأوسط» في الوقت نفسه مع صحفها. وارتفع كثيراً عدد الصحافيين المصريين الذين يكتبون في الصحف العربية بعدما كان ذلك مقتصراً على ذوي الأسماء الكبرى، مثل هيكل وبهاء.
وبعد غياب بهاء، تكونت لي رابطة عفوية مع صحافة مصر، إذ صرت عضواً في لجنة تكريمه، والحفاظ على إرثه، التي شكلها المفكر الفلسطيني الكبير عبد المحسن القطان. وكانت اللجنة تجتمع في القاهرة كل عام، وقد انقطعت عن الحضور بسبب ظروف العمل والأوضاع التي دخلتها القاهرة بعد 25 يناير (كانون الثاني).
الحرمان من زيارة القاهرة للصحافي العربي عقاب، ولو كان ذاتياً. وفي الماضي كان يكفي أن تصلها حتى تبدأ بغرف المواضيع. فهي مدينة ثرثارة، حيوية، لا تتوقف عن الحكايات مثل شهرزاد. وكل أحداث المدن العربية العادية تبدو عادية كما هي إلا أحداث القاهرة، فهي دائماً ذات طابع عربي، في السياسة، أو في الثقافة، أو في الفنون.
جزء من الوفاء والتحية، يجب ألا أغفل إطلاقاً العرض الذي تلقيته قبل أشهر من الأستاذ صلاح دياب، صاحب «المصري اليوم». لم يبلغني بالعرض شخصياً، بل نشره في زاويته اليومية «نيوتن». وإذا لم أكن مخطئاً، فهو العرض الأول من نوعه في الصحافة. وإذا كانت أدبيات المهنة تحول دون قبول هذا السخاء المعنوي، فمن الممكن دائماً الاحتفاظ به كشهادة تكريم، مثل مشاعر الدكتور الفقي. تحية وشكراً.