موسكو تودع «مباني خروشوف» لارتداء حلة عمرانية عصرية

السلطات منحت السكان حق «الفيتو» على تطوير منازلهم القديمة

المباني البديلة التي تتعهد محافظة موسكو تقديمها للمواطنين عوضا عن المباني الخروشوفية المتداعية  -  هكذا بدأ عهد شقق خروشوفكا في الأربعينات من القرن الماضي
المباني البديلة التي تتعهد محافظة موسكو تقديمها للمواطنين عوضا عن المباني الخروشوفية المتداعية - هكذا بدأ عهد شقق خروشوفكا في الأربعينات من القرن الماضي
TT

موسكو تودع «مباني خروشوف» لارتداء حلة عمرانية عصرية

المباني البديلة التي تتعهد محافظة موسكو تقديمها للمواطنين عوضا عن المباني الخروشوفية المتداعية  -  هكذا بدأ عهد شقق خروشوفكا في الأربعينات من القرن الماضي
المباني البديلة التي تتعهد محافظة موسكو تقديمها للمواطنين عوضا عن المباني الخروشوفية المتداعية - هكذا بدأ عهد شقق خروشوفكا في الأربعينات من القرن الماضي

تستعد العاصمة الروسية موسكو لتغييرات جذرية في مظهرها العمراني - العقاري، حيث ستتخلص من غالبية العمارات القديمة التقليدية المكونة من خمسة طوابق، لتحل عوضاً عنها أبنية حديثة، يُستخدم في تشييدها مواد بناء متطورة، وتأخذ تصاميمها بالحسبان متطلبات العصر.
إذ أعلنت محافظة موسكو مؤخراً عن خطة لإزالة نحو 5 آلاف مبنى سكني من المباني التي شُيدت في عهد الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف، وتُعرف باسم «الخروشوفية» أو «خروشوفكا»، وغيرها من أبنية متداعية، واستبدال أبنية عصرية حديثة بها، توفر لساكنيها كل شروط الراحة والأمن.
وتقول محافظة موسكو على موقعها الرسمي إن برنامج تحديث البناء السكني يهدف إلى عدم الانتظار حتى تصبح الأبنية القديمة من خمسة طوابق غير قابلة للاستخدام ومهددة بالانهيار، وعليه توضح المحافظة أن البرنامج ينص على إزالة تلك الأبنية، ونقل ساكنيها للعيش في أبنية حديثة، وتؤكد أن كل مواطن يخضع سكنه للبرنامج سيحصل على شقة سكنية بمساحة شقته القديمة؛ وأكبر بأمتار في بعض الحالات.
ولن يضطر المواطن للاعتياد على السكن في منطقة جديدة من العاصمة الروسية، حيث سيحصل على شقة في مبانٍ جديدة يجري تشييدها في ذات المنطقة التي يقع فيها المبنى القديم.
وتقول محافظة موسكو إن البديل عن مباني الخمسة طوابق القديمة المتداعية، سيكون أبنية من الجيل الحديث، ستُستخدم في تشييدها أحدث مواد البناء ما يضمن جودتها العالية، وسيتم تزويد كل مبنى بمصاعد مريحة، مع مستويات عالية من ضمان أمن السكان، عبر وضع كاميرات مراقبة تسجل على مدار اليوم كل ما يجري حول المبنى. ولن تكون مداخل الأبنية الحديثة ضيقة كما في القديمة، بل واسعة رحبة، مزودة بممرات حديدية خاصة لعبور عربات الأطفال.
ولضمان راحة قاطني الشقق الجديدة ستكون هناك أنظمة هندسية حديثة مسؤولة عن ضمان تزويد السكن الجديد بالماء والكهرباء والتدفئة دون انقطاع، وتعمل هذه الأنظمة في نفس الوقت على تنظيم ضخ الماء الدافئ، وضبط عمل التدفئة المركزية بما يتناسب مع حالة الطقس ودرجات الحرارة لكل يوم.
أما التصميم الداخلي، فتتعهد محافظة موسكو بضمان أجواء مريحة في الشقق الجديدة، وستحرص بالدرجة الأولى على توفير عناصر لم تكن متوفرة في الشقق القديمة، حيث ستكون الغرف في كل شقة منفصلة عن بعضها، ويصل بينها ممرات. وفي الشقق القديمة من غرفتين على سبيل المثال، فإن واحدة من الغرف تشكل ممراً نحو الغرفة الأخرى. وتطول قائمة الإيجابيات في الشقق الحديثة، التي تنوي محافظة موسكو تقديمها مجاناً لقاطني الأبنية القديمة المتداعية التي يشملها برنامج تحديث البناء السكني.
ويعود تاريخ الأبنية السكنية المعروفة باسم «خروشوفكا»، إلى عهد الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف، الذي تضاعف في عهده عدد سكان موسكو، من مليونين في مطلع القرن العشرين حتى 4 ملايين في الأربعينات. وجاءت هذه الزيادة بسبب تشييد الكثير من المصانع والمؤسسات العلمية والبحثية في العاصمة، الأمر الذي تطلب بالضرورة انتقال أعداد كبيرة من العمال والمهندسين والأطباء والأساتذة الجامعيين، وغيرهم للعيش في العاصمة، وكان غالبية هؤلاء يقيمون إما في شقق مشتركة، حيث تعيش أسرة في كل غرفة ويكون المطبخ والخدمات الأخرى مشتركة للجميع، أو في أبنية مؤقتة تابعة للعمل.
وقررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي حينها إطلاق برنامج «شقة لكل أسرة». وكان لا بد من مشروع عمراني يجمع ما بين السرعة والإتقان والتكلفة المحدودة اقتصاديا. وتزامن ذلك مع قرار من السلطات السوفياتية بالابتعاد في السياسة العمرانية عن مظاهر الرفاهية، لا سيما الإفراط في الإنفاق على جمالية المظهر الخارجي للأبنية. وفاز حينها مشروع عرضه المهندس فيتالي لاغوتينكو، الذي شكلت تصاميمه للأبنية الحديثة في ذلك الوقت بداية عهد أبنية «خروشوفكا».
واعتمدت الفكرة آنذاك على تشييد الأبنية مسبقة الصنع، لأنها اقتصادية ولا تتطلب وقتاً للتنفيذ. وبالفعل تمكنت السلطات السوفياتية من تأمين مسكن مجاني لملايين المواطنين في موسكو وفي معظم المدن الروسية. غير أن مرور عقود طويلة على تلك الأبنية، دون أن تخضع لعمليات صيانة شاملة، وظهور متطلبات عصرية في فن العمارة، فضلا عن زيادة أعداد السكان، لا سيما في موسكو التي يقدر عدد قاطنيها حاليا بنحو 11 مليون نسمة، كل هذه العوامل دفعت السلطات الروسية إلى إطلاق مشروع استبدال السكن القديم بمباني حديثة.
والآن، وبعد أن أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما حول إطلاق مشروع تحديث البناء، وبعد أن اعتمدت محافظة موسكو خطة نهائية لاستبدال أبنية حديثة بتلك المتداعية تتوفر فيها كل شروط الرفاهية والأمان، عبر عدد لا بأس به من سكان الأبنية التي تشملها خطة التحديث عن رفضهم للمشروع.
لذلك قرر سيرغي سوبيانين عمدة موسكو أن يترك الأمر لسكان الأبنية التي أدرجتها السلطات على قائمة التنفيذ، يقررون بأنفسهم عبر التصويت ما إذا كان المبنى الذي يعيشون فيه سينضم إلى مشروع التحديث أم لا. كما يمكن لسكان الأبنية التي لم تدرجها المحافظة ضمن المشروع أن يصوتوا كذلك لصالح إدراج مبناهم على قائمة الأبنية الخاضعة للإزالة، مقابل الحصول على بديل أفضل في المنطقة السكنية ذاتها.
وسيبدأ التصويت اعتبارا من 15 مايو (أيار) الجاري، ويستمر طيلة شهر كامل، لغاية 15 يونيو (حزيران). وتقول سلطات موسكو إنها جعلت التصويت لمدة شهر كامل لتتيح بذلك الوقت الكافي أمام المواطنين ليفكروا مليا ويتخذوا قراراهم النهائي بهذا الخصوص. وتعهد عمدة موسكو بأن يثبت تشريعياً الوعود بتقديم سكن بديل في ذات المنطقة السكنية.
ودار جدل واسع في المجتمع الروسي حول خطة التحديث العمراني للأبنية السكينة، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تكليف الحكومة والبرلمان الروسيين للعمل على اعتماد مجلس الدوما (البرلمان) تشريعاً يضمن حقوق المواطنين كاملة خلال تنفيذ مشروع التحديث. وحذر من أنه لن يوقع على أي خطة تنتهك القوانين السارية وحقوق المواطنين، وشدد على ضرورة أن يجري الأمر باحترام كامل لتلك الحقوق، لا سيما حق المواطن في الملكية الخاصة، ودعا إلى العمل على أساس الموافقة الطوعية من جانب المواطنين على العرض الذي تقدمه السلطات، دون أن يتم فرض أي أمر عليهم.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن مشروع تحديث البناء السكني في موسكو شمل في البداية نحو 8 آلاف مبنى، بمساحة سكنية تزيد عن 25 مليون متر مربع، على أن يتم إنجاز المشروع خلال 20 عاماً. وبعد الكشف على تلك الأبنية قررت السلطات استبعاد نحو 3500 منها من المشروع، نظراً لمتانتها وتوفر شروط جيدة للحياة فيها، وبذلك يشمل المشروع حاليا نحو 5 آلاف مبنى فقط، تنتشر على شكل تجمعات ضخمة في مختلف مناطق العاصمة الروسية، بما في ذلك في وسطها.
ويعيش في تلك الأبنية نحو 1.6 مليون مواطن، سيحصلون على شقق سكنية جديدة بنفس مساحة شققهم السابقة، لكن ضمن شروط خدماتية أفضل، دون مقابل، وبعد ذلك فقط تبدأ عملية إزالة المبنى القديم... ويتوقع أن تصل تكلفة المشروع نحو 3.5 تريليون روبل روسي (نحو 60 مليار دولار).



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».