جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

ليلة القبض على «واتساب»

ليلة أمس كانت هادئة، لا بل هادئة جداً، الهاتف الجوال بجواري هادئ أيضاً، يشبه صمت ليل لندن البارد، الذي لا تسمع فيه إلا حفيف أوراق الشجر وهي تتراقص على أنغام النسمات... «كفاية» شعراً واستشعاراً وتكلماً عن الأشجار، فلنتكلم عن نغمات الموبايل، ودعونا من النسمات.
يا جماعة الخير، لم أسمع أي نغمة من هاتفي مطلع السهرة، وهذا الأمر مقلق للغاية. أين نغمات «الواتساب»، وطنين الجوال الذي تعني كل نغمة منبثقة منه كم أنت محبوب، وكم أنت مرغوب؟ ولكن ما الأمر؟ ماذا حصل؟
واسترجعت في تلك اللحظة مشهداً من فيلم «بريدجيت جونز دايري»، عندما كانت تتفحص هاتفها، ولم تجد أي رسالة صوتية، فيقول لها جهاز تسجيل الرسائل: «لا توجد أي رسالة، ولا حتى من والدتك».
ففي تمام الساعة التاسعة، تأزم الوضع، ولم يبقَ أمامي إلا تفحص الجوال لمعرفة ما يجري، وأين الرسائل، وأين الأصدقاء. ولم أرَ إلا ما يشير إلى أن تطبيق «واتساب» غير متوفر. وهنا، شعرت بالفعل وكأني فقدت الاتصال بالعالم الخارجي، فلجأت إلى نظام الرسائل الذي كان يستعمل في قديم الزمان، هل تتذكرون الـ«SMS»؟ وبدأت تلك الرسائل تتهافت على جوالي من شتى بقاع العالم، ولجأ البعض إلى وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أشكالها، فدبت حالة من الذعر الحقيقي في صفوف التكنولوجيين في أوروبا وجنوب أميركا وأفريقيا والولايات المتحدة وآسيا، لدرجة أن «تويتر» كان على وشك الانهيار هو الآخر بسبب الضغط الشديد عليه، بعدما توجه إليه الملايين من المستخدمين لنشر «تغريداتهم» لتعلم من لم يعلم بعد بأن «واتساب» تعطل.
وبعد تفحص شبكة «الواي فاي»، والـ«3 جي»، والـ«4 جي»، تبين أن المشكلة ليست في الجوال، إنما في تطبيق «واتساب» ذاته الذي انهار وتوقف عن العمل من نحو الساعة التاسعة مساء حتى منتصف الليل في بعض الأماكن، وتناول مستخدمو «فيسبوك» القضية على محمل الجد، وتبادلوا التهاني الإلكترونية بعد عودة التطبيق الحميدة للعمل من جديد.
الأمر مضحك ومبك في الوقت نفسه، فهل يعقل أن نصبح متصلين إلى هذا الحد بتطبيق إلكتروني يجعلنا نتواصل مع الآخرين؟
وفي الصباح، لم تنته قصة «الواتساب»، فكانت «كارثة» الليلة الماضية على لسان الجميع، وأضحكتني مقابلة على إحدى الإذاعات في لندن، فتحت باب النقاش أمام المستمعين لمناقشة ما حصل، خاصة أنها كانت المرة الأولى التي يتعطل بها «واتساب» لفترة طويلة متواصلة، والعطل كان ضخماً جداً، بحسب المسؤولين. فقال أحد المتصلين إنه شعر بالرعب عندما فكر بإمكانية تعطل «واتساب» إلى الأبد، فهذا يعني أنه يتعين عليه الاتصال بأصدقائه وذويه والتكلم معهم على الهاتف، وهذا الأمر إذا ما دل على شيء، فهو يدل على تلاشي قدراتنا على التخاطب والتكلم.
قد تكون الفكرة التي أتناولها هنا غير مهمة للبعض، ولكنها مهمة من ناحية النقد الذاتي، لأننا بالفعل أصبحنا أمة تكتب وتقرأ الرسائل ولا تتكلم، بعدما كانت أمة تكتب ولا تقرأ.
وذكرني الصباح، الذي تلا القبض على «واتساب»، بصباحات بيروت، بعد ليلة من القصف المستمر، حيث كنا نستيقظ باكراً للخروج من الأماكن التي نتقوقع بها، لنخرج بعدها لتفقد الأضرار، وقد لا تجوز المقارنة لأن المصيبتين غير متوازيتين، ولكن المشكلة الحقيقية هي أننا أصبحنا نقيم كوارث التواصل الاجتماعي بحجم كوارث الحرب والمآسي.
والآن، وبعدما استتب الوضع، وعادت رسائل «واتساب» إلى مجاريها، نأمل في ألا نرى مكروهاً مماثلاً، لأن توقف «واتساب» كان أشبه بمسلسل رعب «ينذكر وما ينعاد».