إميل أمين
كاتب مصري
TT

زمن الحوار... وبناء السلام

مع تسارع الأحداث الإرهابية حول العالم، والمحاولات الدؤوبة لقوى الشر والإرهاب لجرّ العالم إلى دائرة الصدام والقتال، أدرك أصحاب النوايا الطيبة أن هذا هو زمن الحوار والتلاقي والدعوة للقاء عوضاً عن الافتراق.
قبل أيام قلائل من الزيارة التاريخية للبابا فرانسيس بابا الفاتيكان إلى القاهرة، بدا الأزهر الشريف وكأنه يمهد الأرضية العالمية لمسيرة مختلفة، طابعها السلام، وأدواتها الكلمات الطيبة.
نهار الأربعاء المنصرم كانت أروقة «الأزهر» تمتلئ بحكماء الشرق والغرب الساعين في طريق إنقاذ العالم من دروب المهالك، حضروا من الشرق والغرب، ممثلين للقوى الإسلامية المعتدلة ونظيرتها المسيحية، في جولة خامسة من الحوار البناء والفاعل.
بنظرة سريعة على جدول أعمال تلك الجولة، يدرك المرء أن هناك إرادة طيبة بالفعل عند الكثيرين، وأن الداعين للصدام والخصام لن تكتب لهم الغلبة، طالما هناك من يفكر بعزم، ويعمل بحزم من أجل تفعيل مبادرات المواطنة، والعيش المشترك في العالمين العربي والإسلامي، عطفاً على تأكيد دور القادة الدينيين في نشر قيم التعايش والتسامح.
الأثر الإيجابي لهذه اللقاءات لا يتوقف عند حدود العالم العربي، بل ينسحب كذلك على الحضور الإسلامي في الغرب، وهذا ما أشار إليه الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي القس أولاف فايكس تفايت، الذي اعتبر الإسلام ديناً منفتحاً يدعو جميع الأطراف والطوائف والقيادات الدينية إلى الحوار بهدف تحقيق السلام والعدالة والمساواة في العالم، ومؤكداً أن استخدام مصطلح الأقليات يحمل في طياته معاني العزلة والتفرقة بين المواطنين في الدولة الواحدة، داعياً الدول الأوروبية إلى ألا تفرق بين المسلمين والمسيحيين عند استقبالها اللاجئين من مناطق النزاعات.
والشاهد، أن مجلس حكماء المسلمين؛ ولما يلمسه من أزمات طاحنة يعيشها المجتمع الإنساني في أوقاتنا الراهنة، فقد وجّه دعوة إلى انعقاد مؤتمر عالمي للسلام يشارك فيه ممثلو الأديان، والرموز الفكرية والثقافة من قادة التنوير حول العالم.
هنا لا يفوتنا أن نذكر أن الذين تابعوا زيارة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى إندونيسيا، قد استمعوا بشكل واضح لتشجيعه الحوار بين أتباع الأديان، وإشارته على نحو خاص إلى مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات «كايسيد» في النمسا، الذي بات اليوم تجربة ثرية شرقاً وغرباً في دعم وزخم صانعي السلام، أولئك الذين وصفهم البابا فرنسيس بالأحرار والمحررين.
على مدى السنوات الخمس المنصرمة، ومنذ تأسيس «كايسيد» عام 2012، لم يألُ المركز جهداً في تعزيز التعاون وبناء جسور التواصل بين القيادات الدينية وصناع القرار بهدف تحقيق السلام بين مجموعات دينية متنوعة في مناطق كثيرة حول العالم.
أحسن كثيراً جداً الأمين العام لـ«كايسيد» فيصل بن معمر حين اعتبر أن مؤتمر السلام الذي دعا إليه الأزهر، وشارك فيه على رأس الحضور الفاعلين، يعد فرصة للتعريف برسالة المركز وجهوده في تعزيز السلام من خلال الحوار الهادف البنّاء حول المشتركات الإنسانية وترسيخ قيم الحوار، والتعايش والتفاهم بين مختلف الأديان والحضارات، إلى جانب إبراز القواسم المشتركة لقيم المواطنة، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لمكافحة الصراعات المانعة من التعايش والاستقرار.
وعبر لقاءات ومؤتمرات، ندوات ودورات تكوينية عمل «كايسيد» الذي يضم في عضويته كلاً من النمسا وإسبانيا والفاتيكان بصفتها عضواً مراقباً، على ترسيخ فلسفة الحوار، في العالم العربي، وفي بعض الدول الأفريقية والآسيوية بين أتباع الأديان؛ بهدف مكافحة التطرف ومجابهة الإرهاب.
يمكن للمرء أن يطلق على حاضرات أيامنا أنها «زمن الحوار»؛ ففي مواجهة الشر المجاني والكراهية المطلقة ضد الآخر لا مناص من الحوار.
الأصوات المنادية بالحوار تدرك أن فعل الشر وتشجيع العنف والعداوة يشكلان تناقضاً رهيباً مع الذات الإلهية التي هي رحمة ومغفرة ومحبة، بل وإهانة كبيرة لها، وإن كان التاريخ في الماضي، والبعض في الحاضر يعكس مع الأسف الكثير من أمثلة الاستغلال السيئ للأديان؛ لذا يتحتم على الجميع في الوقت الحاضر، العمل على تقوية الالتزام بالحوار، هذا الذي يرسل إشارة أمل كبيرة إلى شعوب العالم.
يدرك المجتمعون في القاهرة هذه الأيام بعضاً من الحقائق الثابتة والمؤثرة من أقصى الأرض إلى أقصاها، ومنها أن المسيحية والإسلام هما الدينان الأكثر انتشاراً من حيث عدد أتباعهما في العالم؛ مما يجعل حسن العلاقة بين مجتمعات هذين الدينين أهم عامل من العوامل المساهمة في إحلال سلام مؤثر حول العالم.
والحقيقة النهائية التي يعلمها كل أصحاب الطوايا والنوايا الحسنة من المسلمين والمسيحيين، هي أنه إذا لم يكن أتباع الدينين في حالة سلام، فلا يمكن للعالم أن ينعم بالسلام، وخلف الباب تطرف وراديكالية، ومؤامرات سياسية وقوى استخباراتية تعزف ألحاناً كريهة على آلات الموت، ومع وجود الأسلحة الرهيبة في العالم الحديث، ولا سيما تلك التي وفّرتها العولمة من وسائط اتصال اجتماعي كالسحر.
الخلاصة... الحوار هو الحل والسلام هو الأمل.