لو تصادف وقوف جوسيب غوارديولا أمام شاشة التلفزيون مساء الأحد، ربما كانت ستجتاحه موجة من مشاعر الحنين إلى الماضي؛ ذلك أنه في غضون ساعات قلائل من الأداء الفاتر الذي قدمه مانشستر سيتي على استاد ويمبلي، جاء «كلاسيكو» رائعا بكل المقاييس، وشهد نهاية مذهلة على استاد بيرنابو.
لقد نجح لاعبو ريال مدريد الـ10 في القتال والمقاومة لينتقلوا من خانة الهزيمة إلى التعادل قبل نهاية المباراة بخمس دقائق، ووقفوا على بعد ثوان من وضع نهاية لآمال برشلونة في اقتناص البطولة. ولم يتبق أمامهم سوى التصدي لهجمة واحدة أخيرة يائسة من جانب برشلونة. في الحقيقة، كان الأمر أبسط من ذلك ـ لقد كان كل المطلوب منهم إبقاء الكرة بعيداً عن ليونيل ميسي.
بطبيعة الحال، نعلم جميعاً ما حدث لاحقاً، فقد تمكن سيرجي روبرتو من الاستحواذ على الكرة في عمق نصف الملعب الخاص ببرشلونة وظل اللاعب الذي يشارك بمركز الظهير الأيمن يعدو ويعدو قبل أن يمرر الكرة إلى أندريه غوميز، ومنه إلى جوردي ألبا ناحية اليسار، وتمكن الأخير من تمرير الكرة إلى الخلف، ولو كانت وجدت في طريقها أي لاعب آخر، ربما كانت المباراة لتنتهي بنتيجة 2 - 2. إلا أنه بدلاً عن ذلك، وجدت الكرة طريقها إلى ميسي.
وفي جزء من الثانية، تغير الخطاب بصورة دراماتيكية، فلم تعد القصة تدور حول صحوة جديدة في صفوف ريال مدريد، وإنما تحولت دفة المباراة إلى الاتجاه المعاكس تماماً لينهي برشلونة اللقاء في صدارة الدوري الإسباني الممتاز (لا ليغا). وفي الوقت الذي يعود جزء كبير من الفضل وراء الهدف الأخير إلى صحوة روبرتو وثبات غوميز والدور المعاون الذي اضطلع به ألبا، فإن لاعباً واحداً فقط كان بإمكانه تسديد الكرة على هذا النحو القاتل بمثل هذا القدر اللافت من رباطة الجأش.
ويأتي هذا الهدف ليذكر الجميع بإمكانات أعظم اللاعبين على تمزيق الأنظمة الراسخة إرباً في لحظات من الإبداع الفردي ينجحون خلالها لفرض إرادتهم على المباراة بأسرها. وفي اللحظة التي صوّب ميسي الكرة لتنطلق أمام الحارس كيلور نافاس، ثمة تساؤل فرض نفسه دونما شك على أذهان الكثير من المتابعين للمباراة: هل اتخذ غوارديولا، الذي عايش فترة عصيبة في أعقاب هزيمة مانشستر سيتي بدور قبل النهائي ببطولة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أمام آرسنال، قراراً صائباً بتخليه طواعية عن العمل مع أفضل لاعب في العالم منذ خمسة سنوات؟
تحت قيادة المدرب غوارديولا، نجح ميسي في الوصول بإمكاناته إلى حدودها القصوى على نحو ألجم الألسنة وسحق صفوف الخصوم. ومع تولي ميسي زمام قيادة خط الهجوم، فاز غوارديولا بـ14 بطولة خلال أول مهمة تدريب يتولاها في مشواره.
إلا أن العلاقة بين غوارديولا وميسي افتقرت إلى التكافؤ، فقد استمر ميسي في اقتناص جائزة «الكرة الذهبية»، بجانب مشاركته في الفوز بثلاث بطولات أخرى للدوري الممتاز. وعندما فاز برشلونة ببطولة دوري أبطال أوروبا عام 2015، تمكن ميسي من سحق صفوف بايرن ميونيخ بقيادة المدرب غوارديولا بمفرده تقريباً.
على النقيض، نجد أنه في الوقت الذي لم يُمن غوارديولا بالفشل منذ اتخاذه قرار عدم الاستمرار تحت وطأة التوتر اليومي الهائل داخل برشلونة، فإن الحياة دون ميسي لم تكن سهلة. وهنا تحديداً يتعين علينا الاعتراف بأن غوارديولا اتخذ قراراً شجاعاً حقاً باتخاذه قرار الرحيل عن برشلونة طواعية، وسعيه لاختبار نفسه أمام تحدٍ جديد، وتطوير أفكاره داخل بلد أجنبي.
إلا أن النقاد الذين كانوا يتحرقون شوقاً للحظة التي يتعثر خلالها يحظون اليوم بما طال انتظارهم إليه. ونظراً لكل ما حظي به غوارديولا وحققه، دائماً ما كانت تحيطه الشكوك ـ من عيّنة الادعاءات بأن «لا ليغا» ليس بدوري حقيقي، وإنما أشبه بمزحة، وأن الدوري الألماني الممتاز مجرد ملهاة، وأنه من اليسير على أي شخص عادي تدريب نجوم كبار مثل تشافي وميسي وأنيستا. ومع هذا، نجح غوارديولا في إبقائهم بمكانة متناسبة داخل بايرن ميونيخ، رغم إخفاقه في الوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا بعدما ورث أبطال أوروبا خلفاً ليوب هاينكس.
ورغم تركه قصة نجاح خلفه في ألمانيا، فإن عامه الأول المخيب للآمال في مانشستر سيتي شجع كارهي غوارديولا الذين يعتقدون أن شهرته تضخمت زيفاً بفضل ميسي. وجاءت الهزيمة التي تلقاها على يد آرسنال لتؤكد أن هذا سيكون الموسم الأول لغوارديولا دون بطولات. وحتى إذا نجح مانشستر سيتي في التغلب على مانشستر يونايتد في الصراع الدائر بينهما حول اقتناص واحد من المراكز الأربعة الأولى بالدوري الممتاز، يبقى من المستحيل القول بأن هذا هو الإنجاز الذي كان في ذهن مالكي النادي عندما رحل المدرب مانويل بيليغريني عن الفريق الصيف الماضي.
وبطبيعة الحال، سيبقى من الممكن دوماً رصد نمط غريب من الشماتة كلما أخفق غوارديولا، وشكوك إزاء خبرته، ولا تملك أحياناً سوى الشعور بأن بعض الأفراد ينتابهم شعور غريب بالبهجة لدى معاينتهم سقوط مدرب أجنبي يحب حراس المرمى الأقوياء ومشاركة لاعبي الجناح بصفتهم ظهيرا كاملا ولاعبي خط وسط، والي قال: إنه لا يدرب اللاعبين على استخلاص الكرة، وذلك في أعقاب الهزيمة المدوية التي نالها على يد ليستر سيتي بنتيجة 4 - 2.
ومما سبق، يتضح أنك بصفتك مدربا يمكنك بث الروح من جديد في صفوف برشلونة ودفعه للنهوض من عثرته وتحويله إلى أعظم فرق العالم على امتداد التاريخ، والتفوق على ريال مدريد في اقتناص البطولات، والتفوق على سير أليكس فيرغسون في مباراتي نهائي أوروبي، وإحداث تحول هائل في صفوف بايرن ميونيخ، ومع ذلك يبقى كل ما سبق دون قيمة طالما أنه ليس بمقدورك التألق على مستوى الدوري الممتاز الإنجليزي. ويمكننا وصف هذا الأمر بـ«مبدأ ألارديتشي».
ولا يعني أي مما سبق أننا نحاول إعفاء غوارديولا من اللوم عن أداء مانشستر سيتي الباهت أمام آرسنال، أو وهنه الذي سمح لتشيلسي بالتفوق عليه بفارق كبير. لقد بدأ مانشستر سيتي البطولة بنشاط كبير وبدأ منطلقاً كفرس جامح. ومع ذلك، خفتت جذوة منافسة مانشستر سيتي على البطولة منذ وقت طويلة. كما خرج الفريق من بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة في وقت مبكر، وقدم أداءً رديئاً أمام موناكو في بطولة دوري أبطال أوروبا، وأخيراً وجد نفسه متقدماً على مانشستر يونايتد بفارق نقطة واحدة قبل استضافته الأخير اليوم.
الواضح أن غوارديولا أخفق في التغلب على أوجه القصور الدفاعية لدى مانشستر سيتي. كما أنه أولى ثقة مفرطة إلى كلادويو برافو، حارس المرمى الذي ينهار كلما وجدت الكرة طريقها نحوه. كما خاض تجارب لم يحالفها التوفيق مع بابلو زاباليتا بمنتصف الملعب وخيسوس نافاس في مركز الظهير الأيمن ـ وهي قرارات تركته عرضة لاتهامات بتعمد خلق تعقيدات داخل الملعب دون مبرر. ومع ذلك، فإن هذه القرارات ربما كانت ستصبح دون داع حقاً لو أن مانشستر سيتي لم يكن يعاني كل هذه الثغرات الكثيرة في صفوفه.
في كل الأحوال، تظل الحقيقة أن التجريب والإبداع هما من حققا لغوارديولا مكانته المميزة فيما مضى.
وعندما يجتمع الاثنان، مثلما حدث خلال لحظات استثنائية خلال هذا الموسم مع مانشستر سيتي، تأتي النتائج مبهرة مثلما تجلى خلال فوز مانشستر سيتي على بايرن ميونيخ وفي لقائه أمام مانشستر يونايتد على أرض أولد ترافورد.
أمام تشيلسي في ديسمبر (كانون الأول)، جاءت خسارة مانشستر سيتي فقط بعدما رفض كيفين دي بروين فرصة ذهبية لتحويل النتيجة إلى 2 - 0. المعروف أن الفوارق الفاصلة بين الفرق المتصدرة للبطولات من الممكن أن تكون شديدة الضآلة. ويبقى التساؤل: إلى أي مدى كان سيأتي موسم مانشستر سيتي مختلفاً من دون الإصابات الخطيرة التي تعرض لها كل من إيلكاي غوندوغان وغابرييل خيسوس؟
مثلما الحال مع أي مدرب في العالم على هذا الصعيد، يبقى غوارديولا أسيراً للحظ والمصادفات، وتبقى مسيرته رهناً للحظات محدودة ذات أهمية كبرى، وما إذا كان لاعبوه يتمتعون بمستوى جيد بما يكفي من التحفيز واللياقة البدنية للالتزام بتوجيهاته.
لقد جاء غوارديولا إلى مانشستر سيتي وهو يحلم ببناء تاريخ مبهر. وربما يتعين عليه تعديل أسلوبه وبذل مزيد من الجهود للتكيف مع كرة القدم الإنجليزية، لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى مزيد من الوقت والصبر.
غوارديولا في حاجة إلى مزيد من الوقت لدحض منتقديه
عامه الأول في الكرة الإنجليزية جاء مخيباً... وطموح مانشستر سيتي يتجاوز المنافسة على المركز الرابع
غوارديولا في حاجة إلى مزيد من الوقت لدحض منتقديه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة