حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

من خطف الفدائي وحوله إلى انتحاري؟

أنا من جيل ينتمي إلى مصطلح المقاومة الطاهر قبل أن يلوث من تنظيم «حزب الله» الإرهابي ومن هم على شاكلته.
كانت الأدبيات سواء أكانت قصص الأطفال أو روايات البالغين تمجد المقاومة تحت اسم «الفدائي»، فكانت عادة أن يقوم فلسطيني بعملية ضد جنود إسرائيليين في منطقة عسكرية ويفدي بنفسه خلال العملية كنتيجة جانبية وليس كهدف للعملية أن يكون منتحرا فيها... كان هذا هو المشهد «الرومانسي» الذي روّجت له الأدبيات الجميلة. وكان لكلمة فدائي معنى مليء بالنبل والفروسية والجسارة والشجاعة والرجولة والنخوة، حتى جاءت فرق الظلام لتحاول سرقته وإعادة صياغته وإلصاقه بفكرة اسم «الجهاد»، وبدأت بتأكيد الصورة الذهنية وترسيخها أن الجهاد هو الانتحار وقتل الأبرياء معهم، وهو ما حصل على مدى العقود الماضية حين صعدت على المشهد حركات إرهابية مثل «حزب الله» الذي قام بكثير من العمليات الإرهابية الانتحارية وراحت ضحيتها أعداد مهولة من الأبرياء، مثل ما قام به ضد جنود المارينز في بيروت والسفارة الأميركية في بيروت أيضاً، ومجمع الجنود الأميركيين في الخبر بالسعودية وغيرها، وفي كل هذه العمليات راح فيها ضحايا من المدنيين الأبرياء وأعداد مهولة لا يذكرها إعلامه المضلل.
كذلك الأمر حصل مع الحركات المتأسلمة الأخرى مثل «القاعدة» و«حركة الجهاد» وغيرهما، وكانت المحطات الفضائية المعروفة تأتي بـ«مشايخ» من الوزن الثقيل، وتطلق العنان لهم وتمنحهم ساعات طويلة من البث المباشر وفتاوى الكراهية وتبرير الانتحار تتكرر، ويتم تمجيدها بشكل غير معقول والاحتفاء بمن قام بها على أنهم أبطال و«مجاهدون»، وتم بذلك زورا وبهتانا ربط مفهوم الجهاد بالانتحار وقتل الأبرياء حتى تم الوصول إلى محطة الإرهاب التي نحيا فيها جميعاً. هناك تغيير ممنهج تم بناؤه عبر سنوات من الحشد والتلقين والترويج والتسويق والتمجيد لمفهوم خاطئ ومضلل جداً. اليوم ندفع نحن في العالم العربي أولا هذا الفاتورة ويعاني العالم بأسره نتاج ذلك.
الإرهاب كلمة مطاطة حمالة أوجه، كل يقرأها بحسب فهمه وبحسب مساحة وحجم رؤيته، وكذلك بحجم جرأته وموضوعيته وأمانته ونزاهته. فلو كان منصفا وأمينا لأدرج كل من تسبب بتكريس هذه المسألة عبر حلقات الزمن ونقل المسألة من مقاومة فدائية نبيلة ولا غبار عليها إلى عشوائية حيوانية مجنونة ومصروعة لا يُحصى أعداد الضحايا فيها من كثرتهم، وقتها سنكتشف حجم التآمر الذي لحق بنا، وسنتمكن من توجيه أصابع الاتهام بصريح العبارة إلى من أفتى ومن بث الفتوى ومن هلل وطبل وزمر للأفعال الإرهابية الإجرامية الانتحارية التي سميت زورا أنها مقاومة وجهاد.
لا نزال في حالة إنكار بشكل عام رافضين التوغل بعمق في أسباب تطور ظاهرة الإرهاب التي تحولت إلى وباء عابر للحدود ويصل إلى بقية دول العالم. عندما يعلن العالم الإسلامي عموما والعالم العربي منه تحديدا موقفا صريحا من كل «العناصر» التي تسببت بتلك المأساة، وقتها سنكون على بدايات الطريق الصحيح. البرامج التي «تهلل» لكل عمل انتحاري يُقتل فيه مدنيون ويسمى هذا العمل على أنه جهاد ومقاومة مطلوب معاملتها كمعاملة برامج العري والبرامج الرخيصة والبذيئة واعتبارها تهديدا للسوية الاجتماعية والسلم الأهلي، ولست أبالغ في أي من ذلك. أو ليس ما يحدث حولنا مؤكدا لكل ذلك؟ المرض الإرهابي ذاتي الصنع وأدواته لدينا ومقوماته من عندنا، وبالتالي تقع مسؤولية العلاج علينا دون البحث عن الداء والدواء خارج الحدود وإلقاء اللوم هناك.
كم كانت جميلة فكرة «الفدائي»، وكم هي قبيحة فكرة «الانتحاري».