زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

زمن فرعون الخروج

ما زلنا نعرض بحث الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار السابق عن فرعون موسى؛ وقدمنا في مقالات سابقة أدلة براءة الملكة حتشبسوت من كونها فرعون الخروج، وكذلك نعرض في هذا المقال والمقال المقبل بإذن الله أدلة نفي كون رمسيس الثاني هو أيضاً فرعون الخروج! وقد توقف حديثنا عند رأي الدكتور إبراهيم الذي يشير فيه إلى تلقي موسى عليه السلام الرسالة السماوية وهو في سن الأربعين، ويعود بأهله إلى مصر ماراً بأرض سيناء المباركة حيث كلم ربه: «فقال الرب: إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً...» (سفر الخروج).
دخل موسى مصر ليقابل فرعون ويعرض عليه الدخول في دينه وأن يسمح له بالخروج ببني إسرائيل، وفى ذلك يذكر العهد القديم: «ثم قال الرب لموسى: قلب فرعون غليظ. قد أبى أن يطلق الشعب. اذهب إلى فرعون في الصباح إنه يخرج إلى الماء. وقف للقائه على حافة النهر والعصا التي تحولت إلى حية تأخذها في يدك، وتقول له الرب إله العبرانيين أرسلني إليك قائلاً أطلق شعبي ليعبدني في البرية» (سفر الخروج). ويرفض فرعون الدخول في دين موسى ويرفض أن يرسل معه بني إسرائيل. وبسبب تكبره في الأرض ابتليت مصر ابتلاءات عظيمة بعنده وتكبره؛ وكما ورد في العهد القديم فإن ماء النيل تحول إلى دم، ثم انتشرت الضفادع في تخوم البلاد، يليها البعوض والقمل، إلا أن كل هذا لم يزد فرعون إلا شططاً، وأهلك الرب كل ماشية المصريين ثم أصاب الشعب بالدمامل. ورغم كل ذلك لم يرجع فرعون عن عناده فأرسل الله رعداً وبرداً وجرت نار على الأرض فضربت كل الحقول ثم أتى الجراد وقضى على البقية حتى لم يبقَ شيء أخضر في الشجر ولا في عشب الحقل في كل أرض مصر؛ وأخيراً خيم الظلام على الأرض ثلاثة أيام. وأمات الله كل بكر في مصر بدءاً من بكر فرعون إلى بكر البهيمة فكان صراخ عظيم في كل أنحاء البلاد لم تشهد مثله من قبل. هنا ألح المصريون على فرعون أن يطلق بني إسرائيل لأن البلاد قد خربت.
وباستعراض كل هذه المصائب التي ابتليت بها مصر قبل خروج بني إسرائيل نجد أننا بصدد أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية غير مستقره؛ ولا تستقيم مع ما عرف عن عصر رمسيس الثاني الذي حكم نحو سبعة وستين عاماً كانت مصر خلالها دولة قوية ذات سيادة ويؤيد ذلك كثرة احتفال رمسيس بعيد السد؛ التي كان آخرها في العام الأخير من حكمه وقبل وفاته بقليل. وكان من نتيجة هذا الاستقرار أن استطاع رمسيس الثاني أن يعمر ويبني في طول البلاد وعرضها.
وأخيراً يخرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر يتبعهم فرعون وجنوده، ويضرب موسى بعصاه فيعبر بنو إسرائيل ويغرق فرعون وجنوده؛ وهو الحدث الذي ورد ضمنياً في العهد القديم: «مخلص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين؛ ونظر إسرائيل للمصريين أمواتاً على شاطئ البحر». أما القرآن الكريم فكان أكثر اهتماماً بالفرعون ذاته وقد خصه بالحديث: «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية. وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون» (يونس).
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.