محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

جمهور لا ينتقد نفسه

تكشف القضية التي أثيرت في الأسبوع الماضي عندما كشف الإعلامي اللبناني الجيد طوني خليفة عن شراكة بين إعلامي لبناني آخر (اسمه نيشان) وبين صاحب برنامج المقالب (ومدبّرها) رامز جلال عن عدة مسائل في آن واحد.
أولاها أن رامز جلال يعتمد على من يستطيع الاعتماد عليهم من الوسطين الإعلامي والفني لاستدراج من يريد أن يوقع بهم في ذلك البرنامج التلفزيوني الذي يبدو أنه لم يستقر بعد على عنوان نهائي.
هذا قريب الشبه من جريمة الخطف. شخص ما يستدرج شخصاً آخر وقبل أن تدري الضحية ما تقدم عليه تستلمه العصابة وتقوده إلى حيث تريد. في الواقع لا أرى فرقاً بين المسألتين حتى بالنسبة للعواقب. فالمخطوف من قِبل زمرة البرنامج قد يُصاب بنوبة قلبية فيموت أو يصاب بهلع شديد يؤثر على صحته، وقد يعود سالماً غير سعيد، كذلك المخطوف من قِبل العصابات: إما أن يُقتل وإما أن يخلى سبيله فيعود إلى أهله غير سعيد أيضاً.
وفي الحالتين المسألة مادية: رامز جلال يقوم بها لأنها تدر رغد العيش وبعض الشهرة والنجومية، والعصابة تختطف لكي تطلب الفدية أو لتحول المخطوف إلى أي تجارة تعمل بها.
دفاع الجهات التي تعد هذا البرنامج جاهز دائماً، وهو أن البرنامج يحظى بإقبال جماهيري كاسح. لكن هذا الدفاع لا يبرر المفهوم ولا الفكرة ولا الأسلوب. أي شخص يتم خطفه لكي يكون ضحية مقلب يبث على الهواء تُهدر كرامته كحد أدنى فهل هدر الكرامة أمر مقبول؟ يكفي أنه خُدع من قبل القائمين على هكذا برنامج والخدعة هي كذبة والكذب محرّم. أليس كذلك؟
لكن على اعتبار أن الصدق انتفى من الجميع والكذب ملح الرجال وبرامج التلفزيون، ألا يوجد هناك من أخلاقيات تحد من هذا العبث؟ هل المال هو كل شيء والإنسانية هي لا شيء؟
كل ما سبق يؤدي إلى أن الجمهور «عايز كده». وهو «عازَ كده» منذ أيام المصارعين الرومانيين في حلبات القتال. الهيجان الذي كان يصاحب الجمهور آنذاك، يشبه الهيجان الذي يصاحب جمهور مصارعي الثيران منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم، وهذا يشبه هيجان برامج المصارعة المدبّرة نتائجها حسب جدول أعمال ورهونات وشبيه بكل هيجان شعبي بما فيه ذلك الذي يتوخاه (ويحصده) برنامج رامز جلال.
الجمهور ليس بريئاً كذلك. وشهر رمضان أسمى وأفضل من مثل هذه الفخاخ المنصوبة «احتفاء بالشهر الفضيل»، كما يقولون. هناك فئات كثيرة وغزيرة من المشاهدين الذين لا تعيرهم غالبية المحطات الدارجة أي اهتمام. في سعيها للربح، وهو سعي مبرر كنظام اقتصادي، تسقط كل الاعتبارات والحسابات. وإلى حين قريب انطلقت الشكوى من ابتذال بعض البرامج اللبنانية واستخدامها عبارات خادشة للحياء. وهذا حدث ويحدث لسببين: الأول أن القائمين على هذه البرامج ومحطاتها يدركون أنهم سيجذبون الجمهور (الذي هو ليس أكثر من رقم يتم استخدامه لجذب المزيد من الإعلانات) والثاني أن الجمهور السائد ينأى بنفسه عن النقد. لا ينقد البرامج ولا ينقد نفسه، أساساً. جمهور لا يخلو من الأنانية ولا يريد أن ينمو ويفرض على محطات التلفزيون أن تتبعه في هذا النمو.