ملفات الإرهاب والأمن والحرب في سوريا تفرض نفسها على مرشحي الرئاسة الفرنسية

دبلوماسي لـ«الشرق الأوسط»: لا أحد منهم يملك رؤية متكاملة لسياسة باريس مع العواصم العربية

ملفات الإرهاب والأمن والحرب في سوريا تفرض نفسها على مرشحي الرئاسة الفرنسية
TT

ملفات الإرهاب والأمن والحرب في سوريا تفرض نفسها على مرشحي الرئاسة الفرنسية

ملفات الإرهاب والأمن والحرب في سوريا تفرض نفسها على مرشحي الرئاسة الفرنسية

تقول ألكسندرا دو هوب شيفر، الباحثة وأستاذة العلوم السياسية في «معهد العلوم السياسية في باريس»، إن «تحديات السياسة الخارجية لم تكن أبداً ملتصقة لهذا الحد بمسائل السياسة الداخلية الفرنسية وبواقعها اليومي المعاش، وبالتالي فإن التوازي بين التحديات الخارجية والداخلية يفترض وجود قيادة سياسية قوية ورؤية واضحة وواقعية». وتضيف الباحثة المتخصصة بالعلاقات الدولية أن ما يفرض نفسه على الجدل الانتخابي في فرنسا يتناول «العلاقة مع أوروبا، ومستقبل الاتحاد، والعملة الموحدة، والصلات مع ألمانيا»، وهناك أيضاً المعطى السياسي الأميركي الجديد، وما سيدخله على التوازنات الدولية والعلاقة مع روسيا بشكل خاص. أما بخصوص منطقة الشرق الأوسط، فإن الحرب على الإرهاب والوضع في سوريا وتيارات الهجرة الكثيفة أضحت موضوعات «أليفة» للمواطن الفرنسي. وجاء توقيف شخصين في مدينة مرسيليا المتوسطية أول من أمس الثلاثاء كانا يخططان للقيام بعملية إرهابية بمناسبة الانتخابات الرئاسية ليذكر الفرنسيين بأن الخطر الإرهابي ما زال يطأ بثقله على فرنسا، وبالتالي أعاد الجدل حول «الراديكالية الإسلامية» والعلاقة بالفكر المتطرف إلى واجهة المشهد السياسي.
بيد أن التداخل بين الخارجي والداخلي لا يعني أن الناخب الفرنسي، وفق ما يقوله الباحث في الشؤون السياسية الفرنسية باسكال بيرينو، سيكون تحت تأثير التحديات الخارجية عندما يسقط ورقته في صندوق الاقتراع، إذ إن «الاهتمامات الداخلية ستكون هي الطاغية»؛ في إشارة منه إلى ما يقترحه المرشحون لمواجهة البطالة، وللمحافظة على صناديق الرعاية الاجتماعية، وإصلاح الإدارة وخفض «العجوزات»، ومواجهة المنافسة الخارجية وما شابه، فضلا عن القدرة على توفير الحماية للفرنسيين. ويمكن، إلى ذلك، إضافة التساؤل عن صورة فرنسا المستقبل، والتعايش بين مكوناتها، والمحافظة على هويتها الوطنية بوجه العولمة.
الثابت في الحملة الرئاسية الفرنسية أن «خط الفصل» التقليدي في فرنسا بين يمين ويسار قد تراجع، وسببه الأول أن إيمانويل ماكرون الذي يبدو حظه كبيراً في التأهل للجولة الانتخابية الثانية سعى أساساً من خلال حركته السياسية المسماة «إلى الأمام» إلى تخطي ثنائية «اليمين - اليسار» متبنياً تيارا وسطيا منفتحا على الطرفين معاً. وفي أي حال، فإن الانتظام القديم، كما يقول بيرينو: «لم يعد صالحاً» في المرحلة الراهنة بسبب التغيرات التي تعرفها العلاقات الدولية. ولكن كيف تنعكس هذه المعطيات على مواقف المرشحين الرئيسيين الأربعة «ماكرون، وفرنسوا فيون (مرشح اليمين الكلاسيكي)، ومارين لوبان (يمين متطرف)، وجان لوك ميلونشون (اليسار المتشدد)»، الذين سيخرج من بينهم المرشحان المتأهلان للجولة الثانية، من قضايا المنطقة؟
يقول سفير فرنسي قضى سابقاً سنوات في منطقة الخليج ويعرف عن قرب تفاصيل العلاقات مع العالم العربي إن المشكلة مع المرشحين الأربعة أن أياً منهم «لا يملك رؤية متكاملة» عن السياسة التي يريد إرساءها في علاقات باريس مع العواصم العربية. وبرأيه أن «الكثير مما سمع» في الخطاب الانتخابي «لن يكون بالضرورة الخط السياسي الذي ستسير عليه الدولة الفرنسية لاحقا». ويضرب مثلا على ذلك بالانتقادات التي أطلقها غالبية المرشحين من غير استثناء لعدد من الدول العربية والخليجية حول كونها الحاضنة الفكرية لـ«الراديكالية الإسلامية». وبرأيه، أنها خطأ في الأساس وعودة الحديث إليها مرده لـ«الأجواء الانتخابية» السائدة في فرنسا، وللخوف من الإرهاب، وللربط الذي يقيمه الرأي العام بين الإرهاب وبين الإسلام، فضلاً عن الخوف من الهجرات المكثفة التي عرفتها أوروبا في العامين 2015 و2016. ويضيف السفير، المشار إليه، أن مرشحة اليمين المتطرف مثلاً عندما «تربط في جملة واحدة بين الإرهاب والإسلام والمهاجرين» وتطرح نفسها حصناً منيعاً بوجه «جميع التهديدات»، فضلاً عن حماية الهوية الوطنية، فإنها تدفع المرشحين الآخرين للحاق بها، مستفيدة من الأجواء العامة، ومن «المزاج» الفرنسي الحالي. وهكذا، فإن فرنسوا فيون، مرشح اليمين الكلاسيكي، الذي كادت الفضائح تطيح بترشيحه، عمد إلى «إعادة تدوير» موضوعات الدفاع عن الهوية والوطن والجذور المسيحية لفرنسا وأوروبا، وغيرها من الموضوعات التي يراد منها إعادة تعبئة قاعدته الشعبية ومحاكاة لوبان، سعياً وراء استمالة نسبة من مؤيديها، أو استرجاع الأصوات التي هجرته بسبب الاتهامات التي واجهها. ولكن «المفاجأة» غير السارة بالنسبة إليه تكمن في أن إيمانويل ماكرون استخدم اللغة نفسها في مبارزة تلفزيونية جمعت كل المرشحين. وبرأيه، فإن ماكرون الذي تعتبره استطلاعات الرأي الأوفر حظاً ليصبح الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية في حال تخطى اختبار الجولة الأولى الأحد المقبل: «يفتقر للخبرة الدبلوماسية ولا يعرف المنطقة»، فضلاً عن كونه «جارى» ما يقوله الآخرون.
يمثل الإرهاب والوضع في سوريا الموضوعين الأساسيين اللذين استقطبا اهتمام المرشحين الرئيسيين. ويتميز فرنسوا فيون عن الثلاثة الآخرين بأنه يركز على وضع «مسيحيي الشرق». وبمناسبة «عيد الفصح»، شارك في «قداس» لطائفة الأقباط في المنطقة الباريسية، كما سبق له أن زار العراق ولبنان. ويعزو مراقبون اهتمامه بهذا الموضوع لمحيطه الكاثوليكي، ولقربه من عدد من الجمعيات المسيحية الفرنسية الناشطة في هذا الملف. وينظر إلى فيون على أنه قريب من موسكو ومن الرئيس بوتين، وهو يعتبر أن هناك حاجة «أساسية» لإقامة تحالف استراتيجي مع موسكو من أجل محاربة الإرهاب. ويؤكد فيون أن «المواجهة مع روسيا لا معنى لها»، ويتعين بالتالي فتح باب الحوار مع الإدارة الروسية. وبين «داعش» والنظام السوري، يعتبر فيون أن «الأولوية» هي لمحاربة «داعش» الذي يشكل «خطراً» على فرنسا، بعكس نظرته إلى رئيس النظام السوري الذي يرى أنه لا يمثل تهديدا لفرنسا. لكنه «طور» مؤخرا نظرته حيث أخذ يصفه بـ«الديكتاتور». ورداً على الضربة الصاروخية الأميركية، رأى فيون أنه إذا كان صحيحاً أن النظام استخدم أسلحة كيماوية ضد خان شيخون، فإنه «يكون قد ارتكب أخطاء سياسية لا تصدق». أما بصدد انتقاداته لبعض الدول الخليجية، فيرى السفير الفرنسي أنه يريد أن «يمحو» مسؤوليته من الخط السياسي الذي انتهجه الرئيس ساركوزي وتقاربه مع الدول الخليجية، خصوصاً مع قطر عندما كان هو رئيساً للحكومات المتعاقبة في عهد الرئيس السابق.
ما يصح على فيون يصح بشكل أكبر على مارين لوبان التي لا تخفي «إعجابها» بالرئيس بوتين الذي تتماهى معه في سلطويته وقوميته وتشديده على محاربة الإرهاب «الإسلامي»، أكان ذلك في سوريا أن في روسيا نفسها. وكانت لوبان التي زارت موسكو مؤخراً وحظيت باستقبال بوتين لها في الكرملين، تحلم بحلف «روسي - أميركي - فرنسي» لمحاربة الإرهاب. ومن جانب آخر، كانت ترى في الرئيس ترمب «قدوة» في التدابير التي أراد إقرارها، مثل: منع مسلمي 6 بلدان ذات أغلبية مسلمة لفترة محددة من الدخول إلى الولايات المتحدة، ورغبته في الانصراف بالدرجة الأولى للاهتمام باقتصاد أميركا وأمن الأميركيين وضرب الإرهاب. لكن الأخير «فاجأها» بالضربة الصاروخية ضد نظام الأسد الذي تعتبره «حليفاً» في الحرب على الإرهاب. وإزاء ذلك، اكتفت بالإعراب عن «دهشتها وخيبتها» مما قام به ترمب، وطالبت قبل تجريم النظام بانتظار نتائج تحقيق محايد حول المسؤوليات، وهو ما طالبت به موسكو.
باستثناء بونوا هامون، مرشح الحزب الاشتراكي الذي يتبنى كلية مواقف وسياسات هولندا إزاء سوريا، يريد الجميع سياسة فرنسية «مستقلة». وبينما يرفض ميلونشون التدخل العسكري ويريد أن تكون باريس «عامل سلام» في المنطقة كما قال لنا جورجي كوزمانوفيتش، مستشاره الدبلوماسي، فإن آخرين وعلى رأسهم ماكرون، لا يستبعدون مشاركة فرنسية في العمليات العسكرية الخارجية، إذا كانت بموجب قرار دولي صادر عن مجلس الأمن وليس مبادرة أحادية.
هكذا، تبدو صورة تموضع المرشحين الرئيسيين من مسائل الشرق الأوسط الذين غابت عنهم جزئياً قضايا رئيسية مثل الدور الإيراني، وحرب اليمن، والملف «الفلسطيني - الإسرائيلي»، ومستقبل العلاقات مع العالم العربي والمحيط المتوسطي باستثناء ملف الهجرات والحاجة لتقويم الوضع في ليبيا. والثابت أن المواطن الفرنسي، لا ينظر عادة إلى ما وراء الحدود إلا فيما يمس معيشته وأمنه. والحال أن الانتخابات الحالية فرضت عليه أن يوسع إطار رؤيته من غير أن يكون لذلك تأثير مباشر على خياراته في اللحظات الانتخابية الحاسمة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».