مع تطور صناعة أواني الطهي وأدوات المائدة وتلاشي الاعتماد على أوعية الطعام النحاسية القديمة، باتت مهنة مبيض النحاس في تركيا جزءاً من التاريخ ولم يبق إلا القليل جدا ممن يمتهنونها.
في أحياء إسطنبول القديمة والشعبية يمكن بين وقت وآخر رؤية أحد مبيضي النحاس يجلس على جانب الطريق في الأزقة الضيقة يلمّع بعض الأواني البسيطة التي لا يزال عشاق النحاس يحتفظون بها.
ولم يبق في سوق النّحاسين التاريخي في محافظة أضنة جنوب تركيا سوى اثنين فقط من الحرفيين يمتهنان تبييض النحاس ويتقاسمان الزبائن فيما بينهما، ويعمل لديهما عامل واحد نظرا لعدم وجود أيدٍ عاملة جديدة في هذا المجال.
ورث جبار إحسان ياراشيك (85 سنة) وزميله علي جوزال أوغلو (69 سنة) المهنة عن أبويهما وأجدادهما وأصرا على الاستمرار فيها على الرغم من عزوف معظم الناس عن استخدام الأواني النحاسية في المطبخ بعد التطور الهائل في صناعة أدوات المطبخ والتخلي عن النحاس نهائيا.
ويرسل كل منهما الزبون الثاني إلى المحل الذي لم يأته أي زبون في اليوم ليتقاسما الرزق في سوق النحاسي الذي لم يعد به من يعمل بهذه المهنة غيرهما.
يقول ياراشيك إنه يمارس مهنة تبييض النحاس منذ 70 سنة، وفي الماضي كان هناك نحو 100 مبيض نحاس في سوق أضنة بينما لم يتبق سوى هو وزميله الآن.
أما زميله جوزال أوغلو فيقول إنه لم يعد هناك إقبال من الشباب على تعلّم هذه المهنة التي تواجه الاندثار، لا سيما وأنّ مردودها المادي ضعيف.
وفي أنطاليا، جنوب تركيا، يحافظ التركي حيدر دمير على مهنة تبييض النحاس التي ورثها أيضاً أباً عن جد ويعمل على ضمان استمراريتها عبر توريثها لابنه.
دمير، البالغ من العمر 51 سنة، تعلم مهنة صناعة وتلميع الأواني النحاسية من والده قبل 40 سنة، في مدينة أنقرة، واستمر في تلك المهنة حتى أصبح الوحيد الذي يمتهنها في العاصمة التركية، لكن مع تضاؤل الحاجة إلى عمله اضطر للانتقال إلى مدينة أنطاليا حيث افتتح لنفسه محلا صغيرا قبل 10 سنوات، وشيئا فشيئا أصبح صانع وملمع الأواني النحاسية الوحيد في أنطاليا.
يقول دمير إن زبائنه يتنوعون بين أهالي المناطق الريفية الذين لا يزالون يستخدمون الأواني النحاسية لطهي الطعام والفنادق التي تتبع الطرق العثمانية التقليدية في مطابخها.
يقول دمير إن الطعام الذي يطهى في الأواني النحاسية أكثر لذة وفائدة غذائية، ويدعو للعودة لاستخدامها على نطاق واسع.
والآن يعمل جوركان (20 سنة) مع والده حيدر دمير في هذه المهنة، ويقول إن تلميع النحاس مهنة شاقة وتحتاج إلى القوة إلا أنه أكد حبه لها ورغبته في حمايتها من الاندثار.
ويرى جوركان أن الأجيال الجديدة بدأت في إحياء الماضي والعودة لممارسة الكثير من عاداته، وبينها استخدام الأواني النحاسية وهو ما يحمل أملا لمهنة عائلته في الاستمرار.
«مبيض النحاس»... تاريخ يقاوم من أجل البقاء في تركيا
مع انتشار أواني الطهي الحديثة وتطور صناعتها
«مبيض النحاس»... تاريخ يقاوم من أجل البقاء في تركيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة