الخروب... طعام المجاعات وعسل الفقراء

استخدمت بذوره لقياس كتل الذهب والأحجار الكريمة

الخروب... طعام المجاعات وعسل الفقراء
TT

الخروب... طعام المجاعات وعسل الفقراء

الخروب... طعام المجاعات وعسل الفقراء

يعرف الخروب بأنه طعام الفقراء وعلف الحيوانات وطعام المجاعات والأزمات، وأن الناس يلجأون إليه فقط عندما يعز عليهم الطعام الآخر، وقد ربط النبي سليمان (صلى الله عليه وسلم) بينه وبين الخراب. و«دبس الخروب» من أطيب أنواع الدبس وأكثفها وأرخصها. وعادة ما يسعد الأطفال بشراء قرونه البنية الجافة وقضمها خلال أوقات الفراغ والأعياد والمناسبات الدينية، مثل الصوم الكبير والأعياد اليهودية. مهما يكن، فإن الخروب معلم من معالم طعام العالم القديم، وله احترامه الكبير لدى الفلاحين وأهل الريف منذ قديم الزمان.
* أصل الاسم
شجرة الخروب ممتدة الظلال دائمة الخضرة، وتحمل الاسم العلمي «سيراتونيا سيليكوا»Ceratonia siliqua، وهي من أسرة «Caesalpinioideae»، ومن الفصيلة البقولية «Fabaceae».
يعود أصل كلمة «خروب» الإنجليزية «carob»، إلى الفرنسية الحديثة «carobe»، وهذه بدورها مأخوذة من اللاتينية «carrubia»، المأخوذة عن العربية «خروب»، (يقول البعض إنها تعني «قرن فول الجراد»؛ حسب (قاموس أكسفورد)».
ويعتقد أن الكلمة العربية أو الاسم العربي للخروب مأخوذ من اسم اللغة الأكادية «kharubu»، أو من اسم اللغة الآرامية «kharubha» القريب من الاسم العبري «harubh». إلا أن الاسم العلمي للخروب وهو «سيراتونيا سيليكوا» Ceratonia siliqua، مأخوذ من اليونانية القديمة «kerátiοn κεράτιον»، و«سيراتيون» مأخوذة من «كيراس» (keras κέρας) التي تعني «قرن».
وكما هو معروف، فإن كلمة «قيراط»، وحدة قياس الكتلة التي تستخدم لقياس الأحجار الكريمة والألماس واللؤلؤ (تساوي 200 ملغم)، جاءت من كلمة «كيراتيون» اليونانية التي تعني «ثمرة الخروب»، «وذلك لأن بذور الخروب كانت تستخدم لقياس كتل الذهب والأشياء الثمينة، ثم انتقلت الكلمة عبر العربية إلى (قيراط) والإيطالية (كراتو) carato، ومنهما إلى كثير من اللغات الأخرى».
* التاريخ
ومن المعروف أن الكنعانيين استخدموا الخروب، وبالتحديد حبوبه، قديما مادة للوزن ووسيلة للعد. وتقول الموسوعة الحرة إن شجرة الخروب من الأشجار القديمة التي جاء ذكرها في كثير من الوقائع والمناسبات الدينية والكتب التاريخية، وإن أصولها تعود إلى سوريا وفلسطين، وكانت تسمى قديما «بازلاء المتوسط».
ويعود تاريخ الشجرة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط إلى 4 آلاف عام على الأقل، ولذلك عرف الإغريق استخداماتها وفوائدها العملية والصحية.
كما عرف البابليون الخروب قديما، وقد ورد اسم الخروب في ملحمة «غلغامش» التي تعد أول عمل أدبي في التاريخ. وربما كان البابليون وأهل العراق القديم، أول من بدأ الاستخدامات المتعددة على نطاق واسع؛ إذ كانت القرون مهمة جدا ومحترمة لكثرة فوائدها واستخداماتها، وعلى رأسها إنتاج العصير والحلوى.
ويقال أيضا إن شجرة الخروب «ظهرت لأول مرة في المناطق العربية منذ الألفية الثانية قبل الميلاد؛ في مصر بالتحديد... ومما يدعم هذه النظرية تقارير تحتمس الثاني ورمسيس الثالث»، بأن خشب الخروب كان يستخدم في عمليات البناء كغيره من الأخشاب المهمة كالجميز والأرز والصنوبر. وإضافة إلى ذلك، فإن الفراعين كانوا يستخدمون قرون الخروب لصناعة شرائط الأنسجة المستخدمة في تحنيط الموتى. وقد عرفت مصر القديمة الخروب وزراعته منذ العصرين اليوناني والروماني، وقد «عثر على بذوره في قبور اللاهون وهواره من عصر الدولة الوسطى، وعلى طبق من الفخار فيه ثمار (الخرنوب) من العصر القبطي معروض في المتحف الزراعي بالدقي».
وقد أتى الرومان بشجرة الخروب إلى اليونان وإيطاليا في القرن الأول للميلاد، وأكثر العرب من زراعته واستخدامه أيام وجودهم في شرق وجنوب إسبانيا وعلى طول الساحل الممتد من مصر إلى المغرب في شمال أفريقيا.
وتم نقل الخروب إلى أميركا اللاتينية، وبالتحديد المكسيك وبيرو والأرجنتين وتشيلي عبر مهاجر إسباني. وحسب الوثائق المتوفرة، فإن عملية النقل إلى أميركا تمت في منتصف القرن التاسع عشر، ومن هناك نقله البريطانيون إلى جنوب أفريقيا وأستراليا والهند؛ أي إلى المستعمرات السابقة. وأيام وجود البريطانيين في إسبانيا كان الجنود والفرسان يطعمون خيولهم ثمار الخروب. واستخدام ثمار الخروب علفاً للحيوانات والدواب لا يزال تقليدا ساريا حتى الآن في كثير من البلدان.
* الانتشار
تنتشر أشجار الخروب حاليا في شمال أفريقيا (الجزائر والمغرب وليبيا وتونس ومصر) وإسبانيا والبرتغال، وفي كاليفورنيا وأريزونا والمكسيك وتشيلي والأرجنتين وأفريقيا الجنوبية وفرنسا وتركيا وأستراليا وفلسطين ومالطة وسوريا والأردن والعراق واليونان وإيطاليا وقبرص وكرواتيا ولبنان الذي توجد فيه منطقة خاصة تحمل اسمه، وهي «إقليم الخروب» لكثرة أشجاره هناك.
* الاستخدامات
يلعب الخروب دورا كبيرا في اقتصادات كثير من الدول، مثل إسبانيا والبرتغال وقبرص وجزيرة كريت اليونانية. ويستخدم مسحوقه بديلا لمسحوق القهوة ومسحوق الكاكاو أو الشيكولاته في الكعك والحلويات.
وتستخدم قرون الخروب بشكل عام لصنع الكعك والفطائر، وفي المشروبات الساخنة، كما يستخدمه الخبازون لزيادة سُمك الخبز والمعجنات بشكل عام.
أضف إلى ذلك، «رُب الخروب» أو «دبس الخروب» الشبيه بالعسل والعصير.
وبالقرب من مدينة البيضاء في ليبيا يوجد الخروب بكثرة، ويستخرج منه شراب حلو المذاق يسمى «الرُب» يضاف أحيانا إلى العصيدة.
وتشتهر مدينة الناصرة بطبق المجدرة مع البرغل و«المقيقة» وهو شراب الخروب الأخضر، أي الفج مع الحليب.
يتم صنع مشروب «الخرنوب» من مسحوق القرون الجافة، وهو مشروب ملطف ومرطب في الصيف.
ويهتم كثير من القرى والبلدات الفلسطينية بصناعة شراب الخروب؛ حيث يُنقع الخروب في الماء لمدة 12 ساعة أو طوال الليل، ثم يُغلى قبل أن يصفى وتزال منه قطع الخروب، ويضاف إليه السكر، ثم يبرد ويشرب.
ويعد الخروب مشروباً فلسطينياً شعبياً، وله كثير من التقاليد التي تميزه عن كثير من المشروبات؛ فيتجول باعة شراب الخروب في شوارع كثير من مدن فلسطين وهم يلبسون ملابس تراثية خاصة بهذه المهنة، وهي تتكون من: طربوش خمري، وشروال مقصب لونه لافت للأنظار، وفلذة مقصبة بلون مماثل للون الشروال؛ أما «جرة الخروب» فهي نحاسية يصل وزنها إلى أكثر من أربعين كيلوغرامًا، ويعلق عليها البائع بعض الورود.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».