د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

مصر... تساؤلات حول محاربة الإرهاب

أدانت دول العالم أجمع، قادة وشعوباً، العملية الإرهابية التي طالت المسيحيين في مصر في كنائسهم وأدت إلى مقتل أكثر من 45 فرداً وجرح نحو مائة فرد... وقد طالب أكثر من زعيم في الغرب والشرق والعالم العربي بوضع استراتيجية شاملة للتصدي للإرهاب الذي أصبح يهدد البشرية جمعاء.
السؤال: ما هي الخطوات التي ستتخذها الحكومة لمواجهة الإرهابيين في مصر؟ خصوصاً أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وعد بمحاربة جذور الإرهاب ودعاة التطرف، وقد شكلت الحكومة المصرية مجلساً أعلى لمكافحة التطرف ووضع ضوابط للخطاب الديني والمناهج، وهذه خطوة جريئة ومطلوبة، لكن هل هناك اتفاق حول دور المجلس الجديد... جريدة «الشرق الأوسط» الصادرة يوم الثلاثاء 11-4-2017 نقلت عن اللواء طلعت مسلم قوله إن دور المجلس الأعلى هو تجديد الخطاب الديني الذي سيكون معنياً بالتجديد في جميع الأحوال، وسيوصي الجهات المسؤولة عنه بكثير من التوصيات التي سيتم تطبيقها على أرض الواقع. في السياق ذاته قال الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب (البرلمان)، إن مشروع القانون الخاص بتشكيل المجلس الأعلى القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف سيخرج من مجلس النواب بضوابط محددة للخطاب الديني والمناهج التعليمية... السؤال هل تشمل المراجعة المناهج الدراسية الإسلامية وكل ما يرفض فكرة التعايش والتفاهم بين كل مكونات المجتمع في تراثنا الإسلامي؟ أفكار التطرف والمغالاة في مفهوم البعض للدين ليست جديدة على مصر وستبقى ما دام هناك من يدعم الفكر المتطرف خلال المناهج الدراسية التي تسمم العقول، وتدعو إلى شيوع فكر رفض الآخر. إن تحالف الحكومات السابقة مع جماعات الإسلام السياسي هو ما أنتج وفرخ الفكر الداعشي المتطرف، ويبقى السؤال لماذا يضرب الإرهابيون في مصر المسيحيين؟
يخطئ من يظن أن الهدف ديني أو التعصب ضد مذهب أو دين، إنما الهدف هو شق الصف وخلق الفتنة والفرقة، وتنفيذ سياسة تقسيم مصر والعالم العربي كما أوضح الرئيس السيسي في خطابه.
محاربة التطرف والإرهاب واقتلاع جذوره الفكرية وتمويله ليست بالأمر السهل، خصوصاً أن الحكومات العربية، ومنها مصر، حاولت مهادنة هذه الجماعات الإسلامية أو ترويضها، متصورة بأنه يمكن تطويقها وكسب ولائها.
تيارات الإسلام السياسي لها جذور تاريخية راسخة في المجتمع المصري منذ عشرينات القرن السابق... الحكومات العربية حاولت تقريب قيادات الإسلام السياسي سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو غيرهم من الحركات المحافظة المتشددة متصورة أنها أكثر اعتدالاً من الجماعات التي تسمي نفسها بـ ا«لجهادية»... لكن ممارسات السلطة القوية والعنيفة ضد قيادات الإخوان دفعتهم للاقتراب أكثر من الجماعات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش».
نتساءل مرة أخرى هل يستطيع النظام تحقيق نصر كاسح ضد الجماعات الإرهابية بمن فيها جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من حركات الإسلام السياسي؟... نقولها بكل صراحة ووضوح إن الحلول العسكرية والأمنية لن تحقق الهدف من محاربة التطرف والإرهاب، فاللجوء إلى العنف والملاحقة الأمنية سيطولان قوى وطنية وديمقراطية لأنها تطمح بالحوار والتفاهم لحل مشاكل البلد بشكل ديمقراطي سليم... القوى الديمقراطية في مصر تؤمن بالتعددية الفكرية والدينية وأهمية التسامح والتعايش لحل الخلافات.
مشكلة مصر وكثير من الدول العربية في التعامل مع قوى الإسلام السياسي هو عدم الحسم في طبيعة النظام السياسي، هل هو نظام علماني مدني يحكمه الدستور والقانون، ويتعامل مع قوى المعارضة له حسب القانون والدستور والمصلحة الوطنية؟ أم هو نظام إقصائي يريد التعامل مع المعارضة الدينية أو غيرها من منظور أمني مطلق من دون الأخذ في الاعتبار المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية لسياسات التفرد بالسلطة.
وأخيراً نرى أنه لا يمكن القضاء على التطرف والإرهاب من دون آيديولوجيا أو فكر مستنير برفض زج الدين بالسياسة. اجتثاث جماعات الإسلام السياسي أصبح هدفاً غير واقعي بعد أن أصبح لهذه الجماعات أحزاب وحركات سياسية وقواعد شعبية حاضنة تمول هذه الجماعات مادياً ومعنوياً.