أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

العلاقات السعودية ـ الأميركية... واقع جديد

بعد زيارة ولي ولي العهد، وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأميركية، ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب منتصف مارس (آذار) الماضي، نشرت «فوكس نيوز» الأميركية على موقعها مقالاً للواء أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع، شرح فيه بإسهاب ودقة بالغة ما تقوم به المملكة العربية السعودية من جهود لمكافحة الإرهاب ومواجهة الأعمال التخريبية التي تمارسها إيران لزعزعة أمن المنطقة. وأظهر العسيري في مقاله ترحيباً صادقاً بعودة الإدارة الأميركية من جديد لإيلاء منطقة الشرق الأوسط الاهتمام الذي تحتاج إليه في هذه الظروف الصعبة، ودعمها للقوات الدفاعية للمملكة، واستعداد بلاده للوقوف مع واشنطن لإيقاف الإيرانيين عند حدهم، كما دأبت دائماً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مما حقق استقراراً لمنطقة الخليج وضماناً لاستمرار إمدادات الطاقة. وأوضح العسيري أن إعادة توثيق العلاقات السعودية الأميركية مسألة استراتيجية وليست عاطفية، ومن خلالها فقط يمكن دحر الإرهاب في العالم. وأشار إلى أنه حتى من جهة التمويل المالي للإرهابيين فقد كانت السعودية شريكاً فعالاً في وقف الإمداد المالي للإرهابيين من البنوك في الغرب من خلال المشاركة بالمعلومات الاستخباراتية مع الدول الغربية. وفي الداخل، منعت حكومة المملكة جمع التبرعات العشوائي من خلال المساجد أو بعض المؤسسات الخيرية التي كان بعضها ينحرف عن مساره ويذهب لتعزيز خزينة المتطرفين، كما جرّمت الحكومة انضمام شباب المملكة لمناطق الصراع في العراق وسوريا. ولأن المملكة هي قائدة العالم الإسلامي بحكم احتضانها للحرمين الشريفين فقد جاء العسيري على ذكر التحالف الإسلامي الذي أنشأته وضم 41 دولة لمكافحة الإرهاب، وتبادل هذه الدول بعضها البعض الخبرات والتدريب والمعلومات، ومن ذلك مشاركة 350 ألف جندي من هذه الدول مع عتاد من 20 ألف دبابة و2500 طائرة حربية في أكبر تدريب عسكري على مستوى الشرق الأوسط الشهر الماضي في منطقة صحراوية في المملكة. ومن الناحية الآيديولوجية والنشاط الفكري، تبذل السعودية جهوداً عظيمة في إعلاء صوت الوعظ المعتدل على حساب الوعظ المتطرف الذي كبحت جماحه ووضعته تحت المراقبة الدقيقة. وأكد العسيري أن كل هذه الجهود لا تكفي رغم أهميتها ما دامت إيران لا تزال تمارس تجاربها على الصواريخ الباليستية، بل وتمول بها جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، التي أصبحت تكافئ حزب الله المدعوم أيضاً من إيران وتأثيره السلبي الواضح على لبنان حتى بلغ هذا التأثير المساس ببنية الدولة اللبنانية. ولم تسلم المملكة، كما ذكر العسيري، من شرور الحوثي الذي استخدم الأسلحة الإيرانية في ضرب المدن السعودية، ما نتج عنه تهديد حياة الناس وأمنهم، فقتل 375 مدنياً، ناهيك عن تهجير الآلاف من المناطق المحاذية للحدود اليمنية وإغلاق مدارسها. ومع أن المملكة أنشأت تحالفاً عسكرياً في اليمن من 12 دولة لإعادة الشرعية والأمن والاستقرار، لكنها كانت بمحاذاة ذلك تجهد في التمسك بالحل السياسي الذي يعطي كل الأطراف اليمنية حق المشاركة في إدارة بلادهم. وختم العسيري مقاله بأن بلاده تعمل يداً بيد مع الولايات المتحدة لهزيمة الإرهابيين سواء «داعش» أو التنظيم الأم «القاعدة»، وكذلك كف السلوك الإيراني العابث الذي يهدد مستقبل المنطقة.
وبعد نحو أسبوع جاء الرد على اللواء أحمد العسيري من النائب إدوارد رويس، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس خلال جلسة منعقدة سرد فيها مقال العسيري كاملاً، ورد فيه بأن الولايات المتحدة تثمن جهود المملكة في محاربة الإرهاب والوقوف في وجه إيران التي تموله. ودلل على هذه الجهود من خلال إقدام المملكة على تبادل المعلومات الاستخباراتية التي ساهمت بشكل كبير في تحجيم الأعمال الإرهابية، كما أظهر رويس تقديره للمملكة على قدرتها في قطع سبل تمويل الإرهابيين، وأبدى إعجابه بما تقوم به الحكومة السعودية لحماية شبابها من الانخراط في الجماعات المتطرفة وكذلك قدرتها على إعادة تأهيل من غرر به منهم وإعادته لجادة الصواب. أيضاً أشار السيد رويس إشارة مهمة إلى دور التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب في مكافحة «داعش» والجماعات المتطرفة وصد التمدد والعدوان الإيراني على بلدان المنطقة خاصة في اليمن، الذي أقر بتقدير كبير بما قدمته المملكة له خلال حربها ضد الحوثيين من تضحيات، سواء من جنودها أو من الضحايا المدنيين الذين سقطوا عدواناً بالقصف الحوثي، أو ما بذلته من أموالها لدعم القوات الوطنية لتحقيق الاستقرار، وأشاد شاكراً بمساعدة الحكومة السعودية في إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين اليمنيين الذين كانوا ضحية التدخل الإيراني في بلدهم، كما أكد على أن مواقف المملكة واضحة في محاولاتها الجادة للوصول لحل سياسي ينهي الأزمة القائمة. وختم كلمته بأن الولايات المتحدة تنظر للمملكة كشريك في كل ذلك، وأنها ملتزمة للعمل مع السعوديين في حربها ضد الإرهاب.
أنا بدوري سردت المقال والرد الذي جاء عليه من الطرف الأميركي لاستعراض جانب من الواقع الجديد في العلاقات السعودية الأميركية. هذا الواقع الذي بتنا ندركه ونستوعبه في أكثر من تصريح وأكثر من فعل.
حادثة الدهس في استوكهولم تبعتها عمليتا تفجير لمتعبدين في كنائسهم في مدينتي طنطا والإسكندرية في مصر خلال أسبوع واحد، دلالة على أن الإرهاب لا يمكن أن يعيش طوال هذا الوقت وبهذا الانتشار لولا أنه يستند إلى دول تدعمه وتموله، وتحرض عليه من خلال أتباعها. الإرهاب مثل أي فكر، له مؤسسون وأتباع وأفكار يستميتون في سبيل تحقيقها، وكلنا نعرف أن التكفيريين والمحرضين منشأهم واحد وإن تعددت أسماؤهم وأشكالهم. الذي يحرض على قتل المسلم أو المسيحي أو اليهودي هو نفسه الذي يبتز حكومة بلاده ويساومها على وقف العنف مقابل المشاركة في الحكم، كما حصل في مصر. كلهم طلع شيطاني من المنبت نفسه. وهنا تكمن أهمية توحيد القوى في الدول القادرة عسكرياً واستخباراتياً وتفهمها لأهمية حضورها في أرض المعركة، ليست المعركة الحربية فقط، بل والمعارك الفكرية كذلك.
[email protected]