سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الأميركية الأولى

يبدو أن ميلانيا ترمب ترفض أن تؤدي دور «الأميركية الأولى». الأسباب قابلة للتخمين، لا للتبيين. ربما أن يكون أحدها، ما دامت زوجة الرئيس الثالثة هي الحسناء الأولى، فما الحاجة إلى اللقب التقليدي.
طبعاً: «السيدة الأولى» مجرد لقب فخري، غير ملحق بأي نفوذ رسمي. لكن أحياناً يمكن أن تتجاوز هالة «سيدة البيت الأبيض» هالة سيده، كما في حالة جاكلين كيندي، التي دحرجت نفسها من أرملة جون كيندي إلى زوجة أرسطو أوناسيس. ومع ذلك، بقيت صورتها في المجتمع الأميركي، وربما العالمي، كأهم أميركية «رسمية» في التاريخ. حاولت نانسي ريغان تقليدها خلال سنوات البيت الأبيض. وزوجة جيمي كارتر. وحتى هيلاري كلينتون. لكن «جاكي» ظلت أسطورة السيدات الأوليات.
بينهن من حاولت أن تلعب دوراً «سياسياً» خارج دائرة الصلاحيات، مثل إليانور روزفلت، التي نشطت في وضع شرعة حقوق الإنسان، يساعدها في ذلك إلى حد بعيد، اللبناني شارل مالك، كما تروي سيرة مأذونة عن حياتها، صدرت قبل نحو 20 عاماً.
أما الدور الآخر الذي أدته سيدات أخريات فكان ما يمكن وصفه «سفيرة النوايا الأميركية الحسنة». وهنا أيضاً تفوقت جاكلين كيندي، التي ذهبت في زيارة رسمية إلى الهند أيام حكومة نهرو. ويبدو أنها أثارت غيرة ابنته أنديرا غاندي وغضبها، وطغى ذلك على الزيارة، وليس على هالة جاكي.
وكانت جاكلين بوفييه من أصول فرنسية. وعندما انتهت جنازة جون كيندي، وكان يحضرها الجنرال ديغول، التفت الرئيس الفرنسي إلى وزيره للثقافة أندريه مالرو، وقال: «لو لم تترمل جاكلين، لكانت أدت دوراً مهماً في تحسين علاقاتنا بالأميركيين».
أحد أسباب خفوت الاهتمام بموقع «السيدة الأولى» أن المرأة الغربية أصبحت حاكمة حقاً، وليست في حاجة إلى لقب فخري. ففي واشنطن نفسها كادت هيلاري كلينتون تنتقل من الخارجية إلى الرئاسة، مشياً على الأقدام. والوضع السياسي في القارة الأوروبية برمتها، يعتمد على قرارات ثلاث سيدات: أنجيلا ميركل، وتيريزا ماي، ومارين لوبان، إضافة إلى رئيسة ليتوانيا، ورئيسة وزراء النرويج، ورئيسة مالطا، ورئيسة كرواتيا، ورئيسة وزراء بولندا، ورئيسة إستونيا، ورئيسة الاتحاد السويسري.
لم تعد «حقوق المرأة» مسألة مطروحة سياسياً في الغرب. وبالتأكيد ليس اجتماعياً أيضاً. فشركة «آي بي إم»، أي أم الشركات العالمية، ترأسها الآن امرأة. وكذلك معظم الشركات الكبرى الأخرى. ولذلك، تفضل ميلانيا ترمب الانصراف إلى تفوقها الطبيعي في الحسن والأناقة.