أبرز التنظيمات الإرهابية في تونس وليبيا

أبرز التنظيمات الإرهابية في تونس وليبيا
TT

أبرز التنظيمات الإرهابية في تونس وليبيا

أبرز التنظيمات الإرهابية في تونس وليبيا

* انتشرت خلال العقدين الماضيين تنظيمات سياسية متشددة وجماعات إرهابية كثيرة تنتسب إلى ما يسمى تيار «الصحوة الإسلامية» (السنّية) الشبابية في البلدان المغاربية، من أبرز مكوّناتها في تونس تنظيم متشدد مسلح «للدعوة والقتال» قُدّر عدد عناصره بالعشرات. وكان تابعاً لتنظيم مسلح نشأ في الجزائر خلال عقد التسعينات من القرن الماضي بعد أحداث 1991، وضم منذ تأسيسه جزائريين وعشرات من المسلحين التونسيين والليبيين والمغاربة والموريتانيين والعرب العائدين من أفغانستان ممن كانوا يسمون «الأفغان العرب». وعندما أعلن الحكم الجزائري في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مطلع القرن الحالي عفواً عاماً عن المسلحين التائبين في الجبال - وكان عددهم نحو 10 آلاف - نزل إلى المدن نحو 8 آلاف من مقاتلي «الجيش الإسلامي للإنقاذ» التابع لحزب «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظور منذ 1992، ومن «الجماعة الإسلامية المقاتلة» المنشقة عنه. ولكن بقي نحو 3 آلاف في الجبال. ولقد قدّرت السلطات الأمنية الجزائرية عدد الإرهابيين الذين قتلتهم خلال «عقد الإرهاب» بنحو 15 ألفاً.

«جماعة عقبة بن نافع»
وتفرّع عن هذا التنظيم المسلح في تونس، قبل 2010، تنظيمات مسلحة صغيرة؛ من بينها «جماعة أسد بن الفرات»، و«جماعة عقبة بن نافع» التي دخلت في صدام مسلح مع قوات الأمن والجيش التونسي عامي 2005 و2006 وكان من بين قادتها الذين سجنوا حينذاك «أبو عياض» التونسي (سيف الله بن عمر بن حسين).
أبو عياض من بين مواليد نوفمبر (تشرين الثاني) 1965، وتزعم عام 2011 تنظيم «أنصار الشريعة» في تونس. ثم تزعم عام 2013 التنظيم في تونس وليبيا بعد فراره من تونس وانتقاله إلى شرق ليبيا. وتتهم أوساط يسارية تونسية قيادة «حركة النهضة» التونسية وقيادات إسلامية قريبة من جماعة الإخوان المسلمين الليبية بالتحالف مع أبو عياض ومجموعته الراديكالية «أنصار الشريعة»، قبل أن يتهم التنظيم بارتكاب عدة أعمال إرهابية في تونس وليبيا.
أما «جماعة عقبة بن نافع» التونسية الليبية الجديدة، فهي فرع تونسي مسلح تابع لتنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي»، أسسها «أمير» التنظيم الجزائري أبو مصعب عبد الودود - واسمه الثاني هو عبد الملك دروكدال - ووظف مقاتلين من صفوف «الأفغان العرب» من تونس وليبيا والمغرب وموريتانيا ومالي. وينتمي إلى الجماعة حالياً عشرات الراديكاليين المتشددين التونسيين والجزائريين. ولقد رفعت الجماعة قبل 2011 شعارات كثيرة لتبرير عملياتها المسلحة، من بينها مهاجمة الغربيين من سياح ورجال أعمال لـ«تحرير المغرب الإسلامي من الاستعمار الأجنبي الجديد»، حسب زعمها. وكوّنت فرعاً لها في تونس بعد سقوط حكم زين العابدين بن علي. وتقدر مصالح الأمن عدد أفرادها بنحو مائة فرد، وأنهم أجروا تدريبات في منطقة الجبال الحدودية الجزائرية التونسية في مرحلة الانفلات الأمني عامي 2011 و2012، بما مكّنها من تنظيم عمليات إرهابية كثيرة؛ من بينها الهجوم على السياح في المتحف الوطني بحي باردو في العاصمة التونسية خلال مارس (آذار) 2015. وهو هجوم أدى لسقوط نحو 20 قتيلاً و50 جريحاً غالبيتهم من الأوروبيين واليابانيين والأميركيين.

«أنصار الشريعة»
تنظيم «أنصار الشريعة في تونس وليبيا»، بزعامة أبو عياض وقيادات سابقة من تنظيم القاعدة و«الجماعة الليبية المقاتلة». وأسس تنظيم «أنصار الشريعة» عام 2011 بعد نحو 3 أشهر فقط من سقوط حكم بن علي والعفو العام الذي شمل كل المساجين في تونس، بينهم عشرات من بين المتهمين بالإرهاب... على رأسهم أبو عياض. وأسس هذا التنظيم عدة مواقع إعلامية إلكترونية - منها صفحات على «فيسبوك» و«يوتيوب» - رفعت في البداية شعارات الدعوة للإسلام والإصلاح الاجتماعي، ثم تبنّت دعوات للقتال ومبايعة قيادات تنظيم القاعدة ثم «داعش». وتتهم السلطات التونسية «أنصار الشريعة» منذ عام 2012 بالحصول على دعم مالي كبير من بعض الدول العربية.
ومنذ صيف 2013 صنّفت قيادة «حركة النهضة» وأيضاً الحكومة التونسية تنظيم «أنصار الشريعة» ضمن «التنظيمات الإرهابية». وأصدرت الحكومة مذكرة جلب دولية ضد مؤسسه أبو عياض بتهمة ضلوع التنظيم في أعمال إرهابية بتونس. واتهمته بالخصوص بالتورط في الهجوم على السفارة الأميركية في تونس خلال سبتمبر (أيلول) 2012، واغتيال المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013. وكذلك قتل عدد من عناصر الأمن والجيش بين 2012 و2016 ومهاجمة محطة «نسمة» التلفزيونية التي عرضت في خريف 2011 فيلم «برسيبوليس» الإيراني الذي شوه صورة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. كذلك اتهم التنظيم بالاعتداء على ساسة تونسيين ولبنانيين وإيرانيين احتفلوا بـ«يوم القدس العالمي» في مدينة بنزرت بشمال تونس عام 2013 وبمحاولة اغتيال المحامي عبد الفتاح مورو، نائب رئيس البرلمان التونسي الحالي، ونائب رئيس «حركة النهضة» عندما كان منشقاً عن الحركة.

«الجماعة الليبية المقاتلة»
ثم هناك في ليبيا «الجماعة الليبية المقاتلة»، وهي انطلقت في أفغانستان كجماعة تابعة لتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، ثم انشقت عنه. ومن ثم، أعلنت معارضة النظام الليبي في عهد معمر القذافي. من بين زعاماتها عبد الحكيم بالحاج. وحسب التقارير بين أبرز قيادات «الجماعة الليبية المقاتلة»، المتهمة بالإرهاب في ليبيا وتدريب المسلحين التونسيين ثم إرسالهم إليها للقيام بعمليات إرهابية (بينها الهجمات على المتحف الوطني بباردو والمنتجع السياحي في سوسة وبعض مراكز الجيش والأمن التونسي وحافلة الأمن الرئاسي التونسي) كل من:
- عبد الوهاب القايد، الذي يعتبر «أمير التنظيم المسلح الجديد»، وهو شقيق «أبو يحيى الليبي»، المعروف بأنه الرجل الثالث في تنظيم القاعدة الليبي.
- عبد الحكيم بالحاج، يرأس «حزب الوطن» حالياً، وترأس «المجلس العسكري» في طرابلس الذي لعب دوراً رئيسياً في الإطاحة بحكم القذافي بدعم مالي وعسكري و«لوجيستي» من بريطانيا وتركيا وقطر.
- خالد الشريف، تزعم التقارير أنه من بين المقرّبين من عبد الحكيم بالحاج. تولى خطة وكيل أول وزارة الدفاع وآمر الشرطة القضائية في الكلية، وشغل منصب رئيس الحرس الوطني. ويقال إنه من بين أكثر الشخصيات تأثيراً في تنظيمات «أنصار الشريعة» و«القاعدة في المغرب الإسلامي» و«جماعة عقبة بن نافع».
- المهدي الحراتي، رئيس المجلس المحلي السابق في طرابلس. وهو المتهم باستقبال المقاتلين الليبيين في سوريا عبر تركيا من بوابة تسمى «بوابة عمر المختار» على الحدود السورية - التركية.
- محمد أبو سدرة، وهو عضو «القاعدة» سابقاً، وعضو البرلمان الليبي السابق في طرابلس، المؤتمر الوطني العام.
- زياد هاشم، عضو «الجماعة الليبية المقاتلة»، وهو مكلّف بالعلاقات الجيش الإلكتروني.
- أبو عبد الله الليبي، بايع زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي على «الخلافة» المزعومة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».