سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

حقيبة «نيوتن»

يوقّع المهندس صلاح دياب صاحب «المصري اليوم» زاويته اليومية بإمضاء مستعار هو «نيوتن»، نسبة إلى إسحاق نيوتن أبي العلوم الفيزيائية منذ القرن الثامن عشر. واختيار الاسم يعني اختيار النسق. أي أن الزاوية اليومية لن تتناول قضية أو شأناً، إلا بالطريقة العلمية، أو الحسابية، أو الموضوعية، أو الهندسية، أي بعيداً عما يخضع له الصحافيون أمثالنا من مؤثرات وحماسات.
أصبحت زاوية «نيوتن» ذات أهميتين: الأولى، ما يكتبه صاحبها من اجتهادات، والثانية، ما تتلقى من رسائل وتعليقات، أصحابها، في الغالب، رجال علم واختصاصات وأهل فكر ومسؤولون سابقون. ومن خلال يوميات «نيوتن» ومشاركيه، يتسنى لي متابعة شؤون مصر المهمة والضرورية، من دون أن أغرق في متاهات المعارك وتضارب المسالك. وعندما عرضت مع الدكتور عمرو موسى حول ما، ومن يُقرأ في الصحافة المصرية هذه المرحلة، ارتحت كثيراً إلى أنني مصيب في المتابعة، وخصوصاً صاحب الاسم المستعار، إضافة إلى مجموعة تفرض احترامها واجتهادها وصدقها، على ذلك النوع من القراء الذين لا يزالون يبحثون عن فكر وعقل واجتهاد واتزان، تاركين الصحافة المزيفة لمن يرغب.
مع بدء الإعداد لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن، كتب نيوتن مقالا بعنوان «حقيبة سفر» اقترح فيه على الرئيس المصري أن يحمل في حقيبته أمرين لا ثالث لهما: العلاقة الثنائية المشتركة، وإصرار مصر على حل الدولتين، باعتباره الباب الوحيد إلى حل سائر قضايا الشرق الأوسط.
ولا شك لدي بأن «نيوتن» شعر باعتزاز وهو يتابع أخبار القمة في واشنطن وبياناتها الرسمية. فالواضح أن الرئاسة المصرية تتابع هي أيضاً منتداه الفكري والوطني الذي لا يخرج إطلاقاً عن قاعدة العقل والمنطق، التي جعلت من سميه «نيوتن» رائد العلوم التي صارت أساساً للنهضة العلمية بين البشر.
لكي نقرأ نحن في هدوء، يجب أن يُكتب لنا في هدوء. وعندما نقرأ ما، ومن، يختارون الكتابة إلى منتدى نيوتن، نعرف أنه ليس صحيحاً أن الناس تلحق بالخفة والإثارة والهوائيات. ونعرف أن عدد الذين يغارون على مصر ومستوياتها وآدابها وتقدمها، لم يقل عددهم أبداً.
وتتبع «المصري اليوم» بالأكثرية الكبرى من كتابها، هذا النسق في الصحافة. ولكل كاتب من كتّابها الكثر أسلوب وذائقة ومدرسة صحافية، لكنّ لهم جميعاً مستوى مهنياً مشرّفاً وغير قابل للتراجع، مهما تنوعت بينهم الأفكار والقضايا. وتحية لهم جميعاً من زميل يؤمن أن العلم بالتعلم. ومعظمهم يعلمون كل يوم، بدءاً بالرجل الذي اختار كنية له، اسم رائد العلم.