حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

السعودية: خطوة جريئة بصوت عاقل

السياسة الخارجية للسعودية ترتدي حلة جديدة منذ بداية عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. هذه مسألة لم تعد سراً وآثارها الواضحة باتت في أكثر من موقع. هناك اتجاه أكثر جرأة واستباقي وهو نتاج خبرة وحكمة وثقة تراكمية. تقود السعودية اليوم مواقف لإعادة الاستقرار والأمن في منطقة عربية التهمتها موجات التشدد والتطرف والإرهاب، وهي مع دول مؤثرة ذات ثقل تحاول جاهدة رفع الصوت العاقل البعيد عن فكر الجماعات والأحزاب المتآمرة ضد الدول المستقرة.
والسعودية التي أطلقت سلسلة مهمة من «الحوارات» مع الأديان والثقافات الأخرى وأنشأت مركزاً مخصصاً لذلك العمل النبيل في فيينا بالنمسا، تواجه العالم اليوم بحراك دبلوماسي لافت للمشاركة في الحرب على التطرف والإرهاب، فلا تتوانى عن الاشتراك في كافة المناسبات الخاصة بهذه المسألة سواء بالحضور أو التمويل وتكون دوماً في واجهة المشهد. والمنطقة اليوم تتعرض لحملة عنيفة من الإرهاب؛ مجاميع تقاتل تحت أعلام وشعارات دينية، فرق إرهابية تسبب قتالها في تشريد الملايين وقتل المئات من الآلاف، فرق مثل «داعش» و«القاعدة» و«حزب الله» وقتال مهووس تقوده مجاميع مجرمة كلهم سواء لا فرق بين أحد منهم. ويتهم المجتمع الدولي دول المنطقة بأنها تحولت لبيئة متشددة طاردة للوجود المسيحي القديم جداً فيها، والأرقام مفزعة فتنذر بقرب تفريغ المنطقة العربية من الوجود المسيحي منها.
السعودية بحكم مكانتها القدرية، دولة تحتضن الحرمين الشريفين، مكة المكرمة قبلة كل المسلمين والمدينة المنورة حيث مرقد رسول الله صلى الله عليه وسلم... دولة اختارت لحكامها لقباً فريداً من نوعه وهو خادم الحرمين الشريفين، واختارت عبارة الشهادة الركن الأول في الإسلام لتكون في علم بلادها... كل ذلك يجعل موقعها رياديا بلا جدال في العالم الإسلامي وعليها تقع مهمة مواجهة كل تهديد وأخطار.
التراث الإسلامي مليء بالأدلة القطعية الواضحة الدلالة على وجوب احترام أهل الكتاب، فالقرآن به الآيات العظيمة التي تؤكد ذلك والهجرة الأولى كانت لملك مسيحي في الحبشة وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه «ملك لا يظلم عنده أحد»، وهناك أحاديث توصي بالأقباط خيراً، والرسول تزوج ماريا القبطية، وحاور نصارى نجران في مسجده بالمدينة وأحسن استقبالهم، والخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه له الوثيقة العمرية التي أطلقت في القدس لحماية كافة الكنائس ودور العبادة المسيحية. كل هذا هو أساس في التعامل مع أهل الكتاب وغير ذلك ليس من الإسلام. نقطة على السطر. وإذا أخذنا هذا الفهم وتذكرنا الروح الجديدة التي تسير عليها السياسة السعودية وأهمية أن الوقت مناسب لإطلاق مبادرة استثنائية من الوزن الثقيل أن تقوم السعودية صاحبة مقر منظمة التعاون الإسلامي بدعوة بابا الفاتيكان فرنسيس وبابا الكنيسة القبطية تواضروس الثاني وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا كيريل واللقاء معهم لإبداء التضامن مع أبناء جالياتهم من مواطني دولهم في المنطقة، وبذلك ترسل السعودية رسالة لا مثيل لها وبشكل عملي وصورة تغني عن ألف مؤتمر وتصريح وتنديد. ولتكن هذه ولادة «الوثيقة السلمانية»؛ موقف إسلامي يرفض فيه أي ممارسة تحت أي فتوى أو رأي أو موقف ضد أهل الكتاب في العالم الإسلامي ليكون هذا الموقف وسيلة إخراس لكل الحملات والألسنة والأصابع التي توجه الاتهامات تباعاً وتواصلاً.
السعودية تقود الحرب على الإرهاب بشكل متواصل في الداخل وفي الخارج ومبادرة من نوع «الوثيقة السلمانية» تليق بالتوجه السعودي الجديد وستكون إضافة مهمة لا يمكن إنكارها مهما اعترض عليها من اعترض، فتلك أصوات ضد السياق الشرعي نفسه الذي أصل المسألة بوضوح.