صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

أسوأ الاحتمالات... انتقال «داعش» إلى المربع الأخطر!

حتى قبل أن يتم القضاء على «داعش»، إنْ في الموصل وإنْ في الرقة، وهذا يبدو أنه سيحتاج إلى مزيد من الوقت، فإنه على الدول التي تعتبر أنها مستهدفة أن تعلن حالة الاستنفار القصوى منذ الآن، وأنْ تسأل وتتساءل عن الجهة والجهات التي سيتوجه إليها وسيقصدها مقاتلو هذا التنظيم الإرهابي، وهم بعشرات الألوف، بخاصة أن الواضح أنه إذا استطاع بعضهم كأفراد التوجه تسللاً إلى بعض الدول الأوروبية وإلى بعض الدول الأفريقية، شمال أفريقيا على وجه التحديد، فإن الغالبية من هؤلاء سيحاولون التمركز في بعض دول هذه المنطقة، بخاصة أن هناك في هذا الإقليم الشرق أوسطي من سيستمر في استخدامهم في صراعاته وحروبه المذهبية والطائفية.
وهنا، فإن ما يعطي هذه التوقعات والاحتمالات مزيداً من الجدية، وبالتالي مزيداً من الخطورة، هو أنَّ هناك معلومات متداولة، وعلى نطاق واسع، وليس على نطاق ضيق، قد تحدثت ولا تزال تتحدث عن أن تنظيم «الحشد الشعبي» التابع لحرس الثورة الإيرانية، قد قام، وربما لا يزال يقوم، بـ«ترحيل» أعداد كبيرة من قادة وقوات تنظيم داعش الإرهابي من مدينة الموصل ونقلهم بصورة مكشوفة وعلنية إلى المناطق العراقية المتاخمة للحدود الأردنية والحدود السورية، واستطراداً أيضاً إلى المناطق العراقية المتاخمة للحدود السعودية في اتجاه حدود بعض الدول الخليجية.
ثم، وفي هذا الاتجاه، تحدثت بعض المعلومات المؤكدة أيضاً عن أن هناك عمليات ترحيل ليس للمدنيين وعائلات منتسبي «داعش» في مدينة الرقة؛ وإنما لمقاتلي وقادة هذا التنظيم الإرهابي في اتجاه هذه المناطق آنفة الذكر؛ أي الحدود السورية - الأردنية التي يقع فيها مخيم «الركبان» الذي ثبت وبالأدلة القاطعة أن هؤلاء الإرهابيين قد حولوه إلى قاعدة حدودية متقدمة للسيطرة على المربع الحدودي السوري - الأردني - العراقي - السعودي وتحويله إلى دويلة «داعشية» صحراوية تقوم بما كانت تقوم به مدينة الموصل ومنطقة نينوى والأنبار عموماً وبما كانت تقوم به قواعد هذا التنظيم العسكرية في سوريا.
والأخطر أنه ثبت وبالأدلة القاطعة أن لـ«داعش»، مثله مثل «القاعدة»، علاقات عسكرية وأمنية وسياسية مع إيران، وأن الإيرانيين إنْ هُمْ لم يوجدوه؛ فإنهم قد استغلوا وجوده، إنْ في سوريا وإنْ في العراق، لتحقيق تطلعاتهم وأطماعهم التوسعية في هذين البلدين العربيين وفي المنطقة كلها، والمعروف هنا أن نظام بشار الأسد قد أخرج إرهابيي هذين التنظيمين وغيرهما من السجون السورية، وأرسلهم للقيام بعمليات تدميرية ودموية في بغداد واستهداف وزارتي الخارجية والصحة تحديداً في تلك الاعتداءات المعروفة.
إن إيران التي تتعرض لتهديدات من الولايات المتحدة ومن إسرائيل، وسواء كانت هذه التهديدات جدية أم استعراضية، لا يمكن أن «تُفرّط» في تنظيم داعش الذي بقيت تستخدمه لتسويق تلك المعادلة الخبيثة التي استخدمها الروس أيضاً وهم ما زالوا يستخدمونها حتى الآن، والقائلة: «إما الإرهاب وإما النظام السوري»، ويقيناً أنه لا يمكن أن تُفرّط طهران في هذا التنظيم الإرهابي وفي «القاعدة» ما دامت ستواصل مخططها التمدّدي في هذه المنطقة بعدما سيطرت، سيطرة فعلية كاملة، على عاصمتي أهم دولتين عربيتين تاريخيتين هما الدولة الأموية والدولة العباسية، وما دامت تواصل عمليات التغيير المذهبية والطائفية التي تقوم بها في هاتين الدولتين.
الآن، وهذه معلومات صحيحة ومؤكدة، أصبحت إيران تسيطر على أهم عشر مدن عراقية، من بينها بغداد العاصمة، سيطرة كاملة، ويبدو أن الموصل «الحدباء» قادمة على هذا الطريق، والمعروف، إلا لمن لا يريد أن يرى ولا يسمع، أنَّ سبب «اختراع» هذا التنظيم الإرهابي ودفعه للسيطرة على المدن السُنيّة الرئيسية إنْ في بلاد الرافدين وإنْ في سوريا هو القضاء على العرب السنة بحجة أنهم «داعش» وأن «داعش» هم، وهنا فإن الأخطر في هذه المؤامرة الخبيثة هو أنَّ «السياسة» التي نفذها بريمر بعد غزو عام 2003 قد تدنت بنسبة هؤلاء، أي العرب السنة، إلى أقل من 17 في المائة، وهذا في حقيقة الأمر غير صحيح على الإطلاق، وهو ما تجلى في معادلة النفوذ التي لا تزال قائمة ومأخوذ بها في هذا البلد العربي حتى الآن.
ربما أن كثيرين لا يعرفون أن مدينة الموصل سلمت بكل بنوكها وبكل ما فيها تسليماً لبضع مئات من مقاتلي تنظيم داعش لإضفاء الطابع الإرهابي على هذه المدينة السنية العربية وكي يتم تدميرها وتهجير سكانها كما يجري الآن بحجة أنها مدينة «داعشية» إرهابية لا بد من استبدال «هويتها» المذهبية والطائفية لتصبح المدينة العراقية الحادية عشرة التي يسيطر عليها الإيرانيون، الذين سيطروا على المدن العشر الأخرى بهذه الحجة، التي يستخدمونها الآن وعلى نطاق واسع في سوريا التي تتعرض لعمليات استيطان ممنهج بالاتفاق مع نظام بشار الأسد، وبصمت تآمري من قبل روسيا الاتحادية.
إن هذه هي الحقائق التي لا يستطيع إنكارها إلا متآمر أو أعمى بصر وبصيرة، ولعل ما تجب الإشارة إليه في هذا المجال هو أن الإيرانيين لا ينكرون أنهم باتوا يسيطرون على العراق بمعظم مدنه الرئيسية، وأن السنة العرب باتوا يُحشرون في بعض الجيوب الصغيرة المستباحة من قبل حراس الثورة الإيرانية والحشد الشعبي (الإيراني) والتنظيمات المذهبية المتعددة، وهذا يعني أن هوية بلاد الرافدين القومية والطائفية قد يجري تغييرها وبصورة كاملة ونهائية، وذلك إن لم تكن هناك صحوة عروبية للشيعة العرب أو العرب الشيعة، الذين باتوا يشكون مُرَّ الشكوى مما يتعرضون له من اضطهاد وتمييز من قبل الإيرانيين، فرساً وغير فرس، الذين يتصرفون مع أهل البلاد الحقيقيين والفعليين كتصرف الإسرائيليين «الصهاينة» مع الفلسطينيين.
وهكذا وبالعودة إلى بدايات هذا الموضوع فإن إيران، التي قام ويقوم تنظيم «الحشد الشعبي» التابع لحراس ثورتها بترحيل مقاتلي «داعش» وقيادته من الموصل ونقلهم إلى مناطق الحدود السورية - الأردنية - العراقية - السعودية، لن تتخلى عن هذا التنظيم الإرهابي على الإطلاق والواضح أنها ستسعى لتمكينه بعد مغادرة مواقعه الحالية، إنْ في سوريا وإنْ في العراق، من إقامة «دولته» الجديدة في هذا المربع الاستراتيجي والخطير فعلاً، وبحيث تكون بعض دول الخليج العربي القريبة والمتاخمة في القبضة الإيرانية إنْ من الشرق وإنْ من الغرب وإنْ من الشمال وإنْ من الجنوب أيضا، وهذا إن لم يتم حسم الأوضاع في اليمن وفي فترة قريبة.
إن هذا هو السلاح الذي ستواجه إيران به التهديدات الأميركية والإسرائيلية، وإن هذا المربع الحدودي الخطير جداً سيكون منطلق التمدد الإيراني في هذه المنطقة العربية كلها إن هو تحول إلى دولة «داعشية» جديدة أكثر خطراً من «دولة» هذا التنظيم الإرهابي في الموصل ونينوى والأنبار وفي الرقة ودير الزور وتدمر، ولهذا فإن خوض هذه المعركة المصيرية يجب أن يبدأ بالإصرار على إخراج الإيرانيين من سوريا ومن العراق... وبالطبع من اليمن، وبيت الشعر العربي يقول: «لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها.. إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنب».