عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

الإسلاموفوبيا وحرب الإرهاب

في تعامل بريطانيا سياسيا وإعلامياً مع الجريمة الإرهابية التي استهدفت الأسبوع الماضي منطقة ويستمينستر بما فيها مبنى البرلمان في قلب لندن، كان لافتاً عدم القفز منذ الوهلة الأولى إلى عناوين صارخة أو اتهامات جاهزة تضع الإسلام في دائرة الاتهام باستخدام تعبيرات مثل «الإرهاب الإسلامي» أو «الإرهاب الراديكالي الإسلامي». صحيح كانت هناك تحليلات عن احتمال ارتباط المجرم بتنظيمات متطرفة مثل «داعش»، أو تأثره بدعاياتها، لكن لم تقفز الجهات الرسمية وغالبية وسائل الإعلام إلى استخدام ذلك النوع من اللغة الذي يصب في تأجيج الإسلاموفوبيا.
هذا الموقف أثبت صحته، لأنه على الرغم من مرور أسبوع حتى الآن على الجريمة الإرهابية، فإن السلطات البريطانية ما تزال تبحث عن خيوط لفهم دوافع منفذها خالد مسعود. فعلى الرغم من مسارعة ما يسمى بـ«الدولة الإسلامية» إلى إعلان أن منفذ العملية هو «أحد جنودها»، فإن التحقيقات تتعامل معه على أنه ممن يطلق عليهم «الذئاب المنفردة» الذين يقومون بمثل هذه العمليات من تلقاء أنفسهم ومن غير أن يكونوا مرتبطين مباشرة بخلايا تابعة لتنظيم إرهابي، وإن تأثروا أحياناً بدعايات مثل هذه التنظيمات. كما أن مسعود لم يكن مسلماً متطرفاً ولا ملتزماً حتى، بل لديه ماضٍ حافل بالإجرام والعنف، وربما عانى من مشاكل اجتماعية أو عنصرية أسهمت في التحول الذي حرفه نحو ارتكاب جريمته.
على الرغم من ذلك فإن المتطرفين كانوا حاضرين أيضاً ومستعدين لاستغلال الحدث للترويج لخطابهم. فلم يمض وقت طويل قبل أن يظهر بعض رموز حركات التطرف والعنصرية ليشنوا هجوماً على الإسلام والمسلمين. كذلك سعى هؤلاء من خلال بعض المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي إلى محاولة استغلال صورة فتاة محجبة كانت تسير في موقع الحدث وتنظر في هاتفها الجوال بينما كان بعض الناس يحاولون إسعاف رجل مصاب. كان الهدف من نشر الصورة هو إعطاء انطباع بأن الفتاة لأنها مسلمة لم تكن مكترثة ولا متأثرة، بل تتحدث غير مبالية في هاتفها الجوال بينما آخرون في المكان يحاولون مساعدة المصابين. نشرت مع الصورة تعليقات تهاجم الفتاة وتصب في نشر الكراهية والتحريض ضد المسلمين.
كان هناك من انجر وراء التعليقات السلبية بسبب الصورة النمطية التي رسخت في أذهانهم عن أن هناك ارتباطاً بين أي مسلم وكل مسلم مع الإرهاب بشكل أو بآخر. لكن مقابل هؤلاء كان هناك أيضاً عقلاء يرفضون هذه الصورة النمطية، ويستهجنون بث الكراهية والأحكام المسبقة التي تحاول استهداف الناس بسبب ديانتهم أو زيهم أو عرقهم. هكذا رأينا أيضاً تعليقات تدافع عن الفتاة المسلمة وتهاجم منتقديها ودوافعهم التي جعلتهم يعطون تأويلات وتفسيرات لمشاعرها لا تستند إلى أي منطق، بل فقط إلى صور نمطية قائمة على الكراهية والتحريض ضد كل مسلم. من هؤلاء كان المصور الذي التقط الصورة ضمن صور أخرى كثيرة من موقع الحدث، إذ سارع إلى الحديث مع وسائل الإعلام ونشر صورة أخرى للفتاة تظهر بوضوح أنها كانت مصدومة تحت تأثير تلك اللحظات العصيبة، وتحاول مثل كثيرين مغادرة المكان.
في هذا الإطار أيضاً قام بعض من انبروا للدفاع عن الفتاة بنشر صور لأناس آخرين كانوا يسيرون في موقع الحدث في تلك اللحظات ولم يتوقفوا لمساعدة المصابين أو يبد عليهم أنهم كانوا مذعورين أو منهارين، لكن لم ينتقدهم أحد، لأنهم لم يكونوا مسلمين. الفتاة ذاتها اضطرت لتعميم بيان تناولته كثير من وسائل الإعلام هاجمت فيه أولئك الذين «لم ينظروا أبعد من ملبسي، ليتوصلوا إلى أحكام تقوم على الكراهية والعنصرية».
هذه القصة لا تعبر عن حالة فردية، بل تمثل انعكاساً لمشكلة الإسلاموفوبيا التي يتغذى منها المتطرفون على الجانبين. فالأحزاب اليمينية المتطرفة والعنصرية في الغرب تستغل قضية الإرهاب ضمن أدواتها لتأجيج العداء والكراهية ضد المسلمين والمهاجرين، مثلما رأينا في انتخابات هولندا الأخيرة، أو في الخطاب الذي تستخدمه مرشحة الجبهة الوطنية العنصرية في فرنسا ماري لوبان التي تنافس في انتخابات الرئاسة المقبلة. الأمر ذاته يمكن رصده في دعايات وخطاب الحركات المتطرفة في دول أخرى كثيرة من أوروبا إلى أميركا، إلى حد دفع دولة مثل كندا إلى التصويت لصالح إجراءات وقوانين لمحاربة الإسلاموفوبيا، وذلك بعدما صدمتها جريمة قتل المصلين في مسجد كيبيك على يد طالب متعصب ومتأثر بالخطاب المعادي للمهاجرين والمسلمين.
على الجانب المقابل، لا يخفى على أحد أن الحركات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» وغيرهما تستخدم الإسلاموفوبيا أيضاً لتجنيد المتعاطفين والتأثير على الشباب الساخط من العنصرية وخطاب اليمين المتطرف والعنصري في الغرب.
المتطرفون بلا شك يشتركون في أنهم مساهمون في تأجيج خطاب الكراهية، وفي استثماره لكسب المتعاطفين. لهذا ربما أصبح من الضروري وضع محاربة الإسلاموفوبيا ضمن برامج جهود محاربة الإرهاب وتجفيف المنابع التي يتغذى منها.