مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

دائرة الصداقة

نزل لي بالأمس مقال ليس في يومه المعتاد، نظراً لظروف خاصة، لهذا أردت الإشارة، والآن أدخل في الموضوع اليوم:
من منا لا ينشد السعادة، ولا يهرب من التعاسة؟!
الجواب الطبيعي: لا أحد، وهذا هو المفروض، غير أن الواقع عند بعض الناس هو العكس، فتجدهم كالكباش العمياء تهرب من كل معطيات السعادة، وترمي بأنفسها في هوة التعاسة دون أن تعي... وهذه الفئة من البشر مصابة بأمراض نفسية لها أول وليس لها آخر.
فالفرد من هذه الفئة هو يركز على المآسي لا على الآمال.
صحيح أن العالم لا يخلو من الحروب والأمراض والفقر والجهل والظلم، ليس في هذا العصر فقط، ولكن في كل العصور منذ أن خلق الله الأرض والإنسان معاً، وسوف تستمر هذه السلبيات مع الإنسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
غير أن استمرارها سوف يكون مع الزمن أقل حدة، نظراً لتطور الإنسان واستفادته من تجاربه.
فالمشكلات التي تستهلك وقتك تعامل معها على أنها قابلة للحل، ولا تكن كأسطورة (سيزيف) الذي يؤدي مهمة لا نهاية لها، بأن يرفع صخرة ضخمة إلى قمة التلة، وكلما وصل إلى القمة انفلتت منه وتدحرجت للسفح، فيهبط ويحملها صاعداً، وما إن يصل حتى يختل توازنه وتتدحرج الصخرة، وهكذا دواليك إلى أن يموت.
من أجل السعادة يجب أن يستمتع الواحد منا بكل ما هو عادي، لأن الغالبية العظمى من وقتنا وأيامنا هي روتينية، ونستطيع نحن أن نكيفها ونبعث فيها الحيوية بقليل من البصيرة، ونفعل مثلما فعل رجل الشارع الشعبي المصري عندما ادعى أنه صنع من (الفسيخ شربات) على حد قوله، فهناك الكثير في يومنا من الأشياء الممتعة والبسيطة، بل والمثيرة أيضاً.
لا بد لكل إنسان من هواية، بل عدة هوايات إن أمكن، فالإنسان الذي لا هواية له هو كالماء الراكد الآسن حتى لو كان موظفاً كبيراً أو عاملاً ملتزماً.
ومن ضمن الهوايات التي لا تتطلب تعباً ولا عبقرية هي هواية (الصداقة) المجرّدة التي يجب أن تبتعد عن الغيرة. صحيح أن هناك غيرة إيجابية تدفع الإنسان للتفوق، بيد أن هناك أيضاً غيرة سلبية تقود الإنسان إلى الحسد ومن ثم إلى البغضاء والفشل.
وأعجبتني دائرة الصداقة التي حصلت في (هيوستن) بأميركا، وذلك عندما رتبوا دائرة مكونة لأناس من جميع الأصناف والأعمار والألوان والأجناس والأديان ومن كل المستويات بالآلاف، وأمسكوا أياديهم بأيادي بعض في دائرة قطرها أكبر من ميل ونصف، وكانت أوسع دائرة للصداقة في العالم. وقالت طفلة من بينهم: من المهم أن نكون أصدقاء، ولا نجرح مشاعر بعضنا بعضاً.