حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الجامعة والقضية المحورية «الجديدة»!

مع كتابة هذه السطور تكون انطلقت أعمال القمة العربية في الأردن. وتأتي هذه القمة وسط ظروف غير مسبوقة تمر بها المنطقة (ألم نسمع هذه الجملة من قبل في كل قمة عربية عند انطلاقها؟) ويبدو أن البيان الختامي سيكون ديباجة عن أمثاله من البيانات الختامية التي سبقت في القمم الماضية... بيان يبين أن القضية الفلسطينية تبقى القضية المحورية المركزية الأولى للعرب، وهذا يصل بنا إلى مسألة حيوية مطلوب طرحها بجدية وموضوعية وبعيداً عن العواطف.
لماذا لا تكون التنمية هي القضية المحورية المركزية الأولى في العالم العربي؟ العالم العربي وهو يعاني من أمية وسط 40 في المائة من سكانه، وبنية تحتية مهترئة، ونظام صحي بحاجة لعلاج، ونظام قضائي يفتقر للعدل، ونظام تعليمي ينافس الجهل، وشبكة مياه متخلفة، وشبكة صرف صحي رديئة، وشبكة كهرباء مظلمة... عالم عربي يعاني مر المعاناة من كل هذه العلل الجادة، هل يستطيع أن يحرر فلسطين؟ بالطبع لا!
العالم العربي من خلال جامعته بحاجة لأن يجعل التنمية هي القضية المحورية المركزية الأولى، وأن يضع نصب عينيه خطة نمو للعالم العربي بمعدل عام 5 في المائة في السنة الواحدة، وتكامل كهربائي خلال عشر سنوات. أهداف محددة الملامح قابلة للقياس خلال فترة زمنية واضحة ومباشرة. هذه نقلة نوعية جداً في الواقعية والأهداف والتفاعل مع القاعدة الشعبية.
ارتبطت فكرة العروبة والقومية بأنظمة «طاغية» وديكتاتورية روّجت لشعارات فلسطين وتحريرها المبارك والمقاومة وخلال ذلك أممت ثروات شعوبها وولدت أنظمة ركيكة غير إنتاجية قلصت من رقعتها الزراعية وأضعفت الفكر الابتكاري الرأسمالي المقدام الذي كان يستثمر ملايين الدولارات ويوظف الآلاف من البشر بشكل مبهر ومتواصل، وكان نتيجة ذلك طرد رؤوس الأموال الوطنية إلى خارج بلادها وبالتالي خسارتها للأبد.
التنمية والنمو الاقتصادي لهما آثار اجتماعية مهمة ولا يمكن إغفالها؛ فهي تعزز الانتماء وتزيد من الولاء لأن الإحساس بالإنجاز يكرس ذلك وينمي الشعور المتزايد بالأمل في غد أفضل بدلاً من جلد الذات المتواصل والتذكير غير المنتهي بالفشل المستمر والمتكرر.
الإحساس بأهمية التنمية كهدف عربي عام مطلب شعبي رئيسي وأولوية لا قبلها ولا بعدها سيغير من أسلوب وطريقة التعاطي مع الشأن السياسي، لأن الاقتصاد والتنمية هما أهم محركات الآلة السياسية كما هو معروف، ومع الأسف لعقود طويلة من الزمن تحول العمل السياسي في العالم العربي إلى مجرد شعارات جوفاء وخرقاء بلا معنى وبلا هدف. عقود طويلة من شعارات ترفع لا علاقة لها برغبات الناس وتحسين حالهم العام الاقتصادي.
التنمية هي الهدف الأول، أمة لا تستطيع أن تصرف مجاريها ومياه الأمطار فيها لا يمكن لها أن تحرر شبراً من فلسطين، فلنكن جادين قليلاً وبعيداً عن الأحلام والشعارات المغناة.
آن الأوان لأن يتم إعادة ترتيب الأولويات لتكون التنمية هي الهدف الأول والتوجه الأسمى للجامعة العربية ووقتها سيكتسب هذا الكيان جاذبية شديدة شعبية غابت عنه لأسباب كثيرة. بقدر تمنيات الشعوب العربية بنجاح قممهم العربية لإعادة اللحمة ولم الشمل وإصلاح ذات البين بقدر رغبتهم في أن يكون للجامعة قضية محورية مركزية جديدة تعنى بكرامة العيش وتأمين المستقبل عبر خطة قوية وشاملة.