تستمر دول جنوب آسيا وشرقها في استقطاب معظم الاستثمار الصناعي العالمي بلا منازع. فقد أحصت مؤسسة «ترندو» العالمية المتخصصة 36 ألف مشروع صناعي جديد في 140 بلداً خلال عام 2016 باستثمارات زادت على 2.3 تريليون دولار، وحظيت تلك الدول الآسيوية وفي مقدمها الصين والهند بنسبة 50 في المائة من إجمالي عدد المشروعات و44 في المائة من إجمالي الرساميل المستثمرة في تلك المشروعات بما يعادل 1.033 تريليون دولار.
وتوزعت باقي الاستثمارت الصناعية على النحو الآتي: 348 مليار دولار في أميركا الشمالية و335 مليارا في أوروبا و263 مليارا في أفريقيا و146 مليارا في الشرق الأوسط و117 مليارا في أوقيانيا و59 مليارا في أميركا الجنوبية... هذا من حيث القيمة؛ أما من حيث عدد المشروعات وعمالتها فقد تختلف المعادلة قليلاً.
وورد في التحاليل المرافقة لتقرير «ترندو» أن «الاستثمار في الدول الآسيوية ليس مدفوعاً فقط بانخفاض كلفة الإنتاج؛ بل بالطلب الكبير على المنتجات الصناعية في تلك الدول ذات الكثافة السكانية العالية، لا سيما الهند والصين، علما بأن طفرة الاستقطاب الصناعي تشمل أيضاً باكستان وماليزيا وإندونيسيا وفيتنام».
ففي الصين، تضاعفت الاستثمارات الصناعية بنسبة 250 في المائة خلال 10 سنوات، ويسجل هذا القطاع الآن نمواً سنوياً بنسبة 6 في المائة وفي معظم القطاعات أحيانا، وأكبرها حالياً إطلاق تنفيذ أكبر مصنع لحرق ومعالجة النفايات في العالم بطاقة 5 آلاف طن يومياً على أن يبدأ تشغيله في 2020.
ويقول تقرير لبنك «ناتكسيس» إنه «رغم الضجة العالمية التي ترافق أحياناً الاستثمارات الصينية حول العالم، يبقى أن الصينيين يستثمرون داخل بلدهم ما نسبته 47 في المائة من إجمالي عدد مشروعاتهم، وبنسبة 76 في المائة من قيمة إجمالي الاستثمار الصيني الصناعي في الداخل والخارج، ولا سيما في قطاعات مثل الإلكترونيات والطاقة... وعندما يتجهون إلى الخارج، تحظى أميركا وأستراليا أولا، ثم الدول الناشئة ثانيا، بمعظم الاستثمار الصيني الخارجي».
لكن الهند تفوقت قليلاً على الصين في عام 2017 بعدد المشروعات الصناعية الجديدة، وقد تتفوق الهند أحياناً في صناعات نامية بقوة لديها؛ كان آخرها إطلاق 104 أقمار اصطناعية «دفعة واحدة» لأهداف تجارية، وهذا الرقم يعتبر قياسيا عالمياً وبكلفة هي الأدنى على الإطلاق في هذا القطاع الحيوي.
ويشير تحليل تفاصيل الأرقام أيضا إلى أن مشروعات الطاقة (نفط وكهرباء...) الجاري تأسيسها وتنفيذها في البلدين المذكورين تستهلك رساميل مرتفعة، وتخلق فرص عمل كثيفة، علما بأن الدول الآسيوية المعنية في تقرير «ترندو» خلقت في 2016 نحو 778 ألف فرصة عمل صناعية جديدة من إجمالي بلغ 1.23 مليون فرصة على المستوى العالمي.
وتشير الإحصاءات الدولية إلى أن «الإنتاج الصناعي العالمي تعافى كلياً من أزمة عام 2008، لا بل هو الآن أعلى بنسبة 16 في المائة مقارنة بتلك السنة التي هزت أزمتها العالم. وفي مدى 16 عاما، سجلت الصناعة الدولية نمواً نسبته 53 في المائة، بعضها الأساسي في السنوات الثلاث الأخيرة»، بحسب دراسة مشتركة بين «جي بي مورغان» و«آي إتش إس ماركت».
وكان الباحث المتخصص بالصناعة الدولية بيير فلتز أكد في دراسة طويلة أن «العالم اعتقد لعدة سنوات أن الاقتصادين الخدمي والرقمي (أي غير السلعي الملموس) يتقدمان بقوة على حساب الإنتاج الصناعي»، ودعم ذلك الاعتقاد البنك الدولي الذي أشار إلى تراجع مساهمة الصناعة في الناتج العالمي من 33.5 في المائة إلى 27.5 في المائة في 20 سنة... لكن بحسب الباحث تبين خطأ ذلك.
فالعالم اليوم ينتج بأعلى طاقته تاريخياً، لا سيما على صعيد السيارات والأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الجوالة. وتؤكد دراسات فلتز أن «الطفرة الصناعية الغربية بعد عام 1800 أتت بعد طفرة إنتاج سلع سبقت ذلك في الهند والصين... فإذا بهذين البلدين يعودان الآن إلى قيادة العالم صناعيا».
وبالعودة إلى إحصاءات «ترندو»، نجد أن أوروبا الشرقية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدول الآسيوية والأميركية من حيث استقطاب الاستثمار الصناعي على حساب دول مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وحتى اليابان.
وتوزعت الحصص النسبية دولياً من حيث عدد (وليس قيمة) المشروعات كالآتي: 50.4 في المائة في دول آسيوية، مقابل 16.1 في المائة في أوروبا، لا سيما الشرقية منها، و15.1 في المائة في أميركا الشمالية، و9.6 في المائة في أفريقيا، و5 في المائة في أميركا الجنوبية، و2.2 في المائة في الشرق الأوسط، و1.7 في المائة في أستراليا.
واللافت في الإحصاءات أن المستثمرين الصناعيين الأميركيين والألمان يضخون في بلدانهم استثمارات أقل من تلك التي يوظفونها في الخارج. و«الأكثر استغراباً» بالنسبة لمحللي التقرير أن «ألمانيا، البلد الصناعي المتميز، تشهد نزوح مستثمريها الصناعيين إلى الخارج، إذ إن 10 في المائة فقط من الاستثمار الصناعي الألماني في 2016 كان في الداخل مقابل 90 في المائة في الخارج، لا سيما في قطاع السيارات الذي يستثمر حيث يجد طلباً».
نصف الاستثمار الصناعي العالمي من دول آسيوية
36 ألف مشروع جديد حول العالم في 2016
نصف الاستثمار الصناعي العالمي من دول آسيوية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة