نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

ماذا سيقول ترمب لعباس؟

تعاملت الطبقة السياسية الفلسطينية الرسمية مع الاتصال الهاتفي الذي جرى بين عباس وترمب، على أنه حبل نجاة من حالة الفراغ التي استفحلت في الآونة الأخيرة، ما أشعر الفلسطينيين بأنهم في عزلة.
قبل الاتصال الهاتفي كانت إسرائيل تبالغ في الحديث عن أن لا شريك فلسطينياً لها، وكان جفاء إدارة ترمب لمحمود عباس يغذي هذه الأقوال، كما لم يكن خافياً أن بروداً أصاب العلاقات الفلسطينية مع الجوار ما أفسح في المجال لاستنتاجات مسّت الشرعية الفلسطينية والدور السياسي، وحتى شبكات الأمان التقليدية.
وحين يكون الوضع هكذا فإن اتصالاً من الرئيس ترمب ودعوة منه للقاء الرئيس الفلسطيني في البيت الأبيض، بدت كما لو أنها حبل نجاة من العزلة ومقدمة تستحق الرهان لانتهاء الجفاء الأميركي وعودة الحرارة والحياة للقنوات التي إن لم تكن أغلقت فقد كانت مهددة بالإغلاق.
كان بديهياً ومنطقياً وضرورياً أن يجري الرئيس الأميركي اتصالاً مع الرئيس الفلسطيني قبل يوم واحد من زيارة مبعوثه الخاص للمنطقة، وتحديداً تحت عنوان استطلاع الفرص لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، فمع من سيتحدث المبعوث عن الجانب الفلسطيني إن لم يتحدث مع محمود عباس؟ كيف سيستقبل عباس المبعوث الأميركي، وهو الوحيد من زعماء الشرق الأوسط لم يتصل به الرئيس الأميركي؟
وفق هذه المعادلة البديهية لم يكن الاتصال استثنائياً ولا مفاجئاً أو دراماتيكياً، كان تحصيل حاصل ويندرج تحت بديهيات العمل السياسي.
هذا هو الجزء السعيد من الحكاية، غير أن الجزء الآخر هو بيت القصيد فيما سيأتي من فصول تتصل بالجهد الأميركي على صعيد الشرق الأوسط، وأحد محاوره ومداخله المسار الفلسطيني الإسرائيلي. تتحدث مصادر كثيرة عن أن الرئيس ترمب مصمم على حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، ووفق التبسيط المألوف عنه، فالصفقة في متناول اليد، وحين كلّف صهره بالمتابعة صارت الصفقة السياسية المعقدة تندرج تحت مصطلح «الفاميلي بيزنس».
قد نتجادل طويلاً في أمر نجاحه من عدمه، فما سيقدم عليه ترمب أقدم عليه غيره من الرؤساء الأميركيين، وكانت النتائج مخيبة للوعود والآمال، حتى تكرست معادلة ثابتة في التعامل الأميركي مع الملف الفلسطيني الإسرائيلي وهي بدايات مزدهرة ونهايات كارثية، ولا يوجد منطقياً وواقعياً ما يمنع من أن ينطبق على ترمب ما انطبق على جميع أسلافه.
وإذا كان التفاؤل غير مبرر بحكم التجارب، بل إن الفلسطينيين تحديداً تعودوا عليه، فأين يكمن الخوف المسبق مما سيجري؟ الإدارات الأميركية السابقة كانت تقصر في الأمر الذي يؤدي إلى تسوية، وهو الضغط على إسرائيل، أما الإدارة الحالية فيبدو أنها ومن أجل بلوغ نتائج مضمونة ستركز ضغطها على الفلسطينيين للتكيف مع الأسقف الإسرائيلية، ذلك أن العلاقة المميزة بين ترمب ونتنياهو، لن تستخدم وفق المنطق الساذج الذي يقول إن نتنياهو لا يملك إلا قبول ما يطرح ترمب؛ لأن المنطق الأصح في هذه الحالة هو أن ترمب لن يفاجئ نتنياهو بمقترحات محرجة، بل سيتفق معه مسبقاً حول المقترحات التي يستطيع قبولها وهضمها.
الفلسطينيون أصحاب التجربة الغنية مع الأميركيين يواجهون أمراً لم يكن مألوفاً لديهم في تاريخهم السياسي الطويل، وهو التغير الجوهري في قواعد اللعبة الشرق أوسطية التي تحمل تغييراً جوهرياً في كيفية التعامل مع قضيتهم وحقوقهم، التغير الجوهري هنا هو طغيان منطق الصفقات الذي يعتمد على أحجام القوى وليس أحجام القضايا، والرئيس الأميركي الجديد يؤمن بذلك بل ويعتبره أساس عملياته السياسية في القضايا الدولية كافة، وانطلاقاً من ذلك، ماذا يمكن لرجل الصفقات أن يعطي الفلسطينيين المجردين إلا من السلاح المعنوي والأخلاقي والقانوني.
أتوقع أن يكون اللقاء الأميركي الفلسطيني، المفترض أن يتم قريباً، بداية الدخول إلى طريق وعر مليء بالمطبات والمنحدرات.
قد لا يبدأ ترمب بحديث مباشر عن التنازلات الفلسطينية المطلوبة إلا أنه سينصح عباس بقبولها حين تعرض، وقد يطلب من مساعديه أن يترجموا عمومياته إلى لغة أقرب إلى الاشتراطات، فإن أردتم حصة في الصفقات التي أعمل على إبرامها وخصوصاً في الشرق الأوسط، فليس لكم أكثر من حكم ذاتي مع احتفاظكم بكل مظاهر الدولة بما في ذلك السفارات والتمثيل الخارجي وعضوية الأم المتحدة، ولإسرائيل مقابل ذلك سيطرة أمنية من النهر إلى البحر مع استعدادنا واستعدادها للإنفاق على هذا الحل مهما كانت التكلفة باهظة، هنا سيقرر الفلسطينيون بعد أن يعرفوا إلى أين تتجه الأمور ما إذا كانت العلاقة مع ترمب حبل نجاة أم حبلاً يقود إلى ما لا يرغبون.