د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

«الإخوان» والهيمنة على النفط الليبي

تنظيم الإخوان تاريخ طويل من التكتم والتلون ونقض الاتفاقات وتتبع التهييج السياسي وإثارة النعرات والفتن وإشعال فتيل الحروب جراء الإفلاس السياسي إلى الإثراء عبر نهب الثروات الوطنية والسيطرة على البنوك ومفاصل الاستثمار والاقتصاد، أو إهدارها في حالة الفشل في السيطرة والحصول عليها.
النفط، الذهب الأسود، يسيل لعاب هذه الجماعة عليه، ولهذا وبتعليمات من مرشدها ومراقبها وقادتها، باعتبار النفط الليبي بيت مال الجماعة في نظرهم، قامت الذراع العسكرية للجماعة بشن هجوم على الهلال النفطي الليبي، تحت أسماء وشعارات كاذبة لتمرير الخطة المفضوحة أصلا، مما تسبب في معركة كسر عظام يخوضها الجيش الليبي منفردا لاستعادة جزء من الهلال النفطي تعرض لتسلل ولاحتلال تحالف ميليشيات الإخوان وبقايا «القاعدة» تحت اسم «سرايا الدفاع»، التي يتزعمها ضابط سابق مفصول من الخدمة العسكرية.
ميليشيات جمعها العداء للجيش والدولة الوطنية، وإن كانت تتطاحن وتتقاتل في طرابلس، وتتوحد في هجومها على الهلال النفطي وقتالها الجيش الليبي لإحكام السيطرة على منابع النفط ليبقى لهم مصدر دخل دائم.
تكرار هجوم ميليشيات الإخوان و«القاعدة» على الحقول والموانئ النفطية في الهلال النفطي الممتد من ميناء الزويتينة والبريقة وراس لانوف والسدرة، في ظل صمت دولي على تصنيف هذه الجماعات ضمن الجماعات الإرهابية، في حين سارعت الدول الغربية الست بإصدار بيان طالبت فيه بانسحاب الجيش من الهلال النفطي خلال ساعات من تحريره الموانئ النفطية، نجدها صمتت اليوم واكتفت بإصدار بيان خجول، تقلص فيه عدد الدول من ست إلى ثلاث، طالبت فيه بوقف التصعيد دون الإشارة إلى الجماعات الإرهابية المهاجمة التي بعضها تتبنى منهج «قطب» التكفيري وفكر «القاعدة» وتجاهر به، وتتخذ من المفتي المعزول مرشدا لها، بل وفرض مبعوث الأمم المتحدة ممثلا لها في المجلس الرئاسي، حيث مثل الإخوان و«القاعدة» كليهما بنائب رئاسي رغم افتقارهما إلى القاعدة الشعبية والحاضنة المجتمعية، ولكن معيار مبعوث الأمم المتحدة في حينها كان من يملك السلاح على الأرض والتعاطي مع «سلطة» الأمر الواقع، وبالطبع كانت ميليشيات الإخوان التي تلقت الدعم المستمر من دول معروفة.
جماعة الإخوان ومحاولتها السيطرة على الهلال النفطي الذي يمثل 80 في المائة من النفط الليبي تعتبر محاولة خطيرة، كانت إيطاليا وجنودها المحتلون لجزء من الأراضي الليبية جزءا منها، في محاولة لاسترجاع ماضي موسيليني وحلمه بالشاطئ الرابع في ليبيا. سارعت إيطاليا لمباركة استيلاء هذه الميليشيات على جزء من الهلال النفطي، لتؤكد وتثبت تورطها في الأزمة الليبية هي الأخرى، كما أن إيطاليا وعبر مستشفى ميداني تقيمه في مدينة مصراته قامت بعلاج جرحى هذه الميليشيات، كما أن الجنرال الإيطالي المتقاعد باولو سيرا كان في زيارة لقاعدة الجفرة الجوية، حيث معسكر ونقطة تجمع هذه الميليشيات في الصحراء الليبية قبيل انطلاق الهجوم بساعات، مما يجعل إيطاليا طرفا في الأزمة وجزءا من التوتر وخلط الأوراق والتلاعب بالاستقرار في ليبيا.
محاولة الاستيلاء والهيمنة على الهلال النفطي هي خطوة لجعل وارتهان الثروة النفطية الليبية في خدمة دولة المرشد، والإنفاق على مشاريع توطين فكر الجماعة وتمددها على نهج ما فعله «داعش»، حين استولى على آبار النفط في العراق وسوريا، ليوفر مصادر تمويل كبيرة له.
الهجوم والسيطرة محاولة منها لفرض واقع تفاوضي جديد وقلب المعادلة التفاوضية من خاسر أكبر إلى الرابح الأوحد، بعد أن خسرت حتى اتفاق الصخيرات الذي جاء ثوبا مفصلا لشرعنة وإعادة تدوير الإسلام السياسي في المشهد الليبي، بعد خسارته المسار الديمقراطي بعد الرفض الشعبي والمجتمعي لهذا التنظيم الذي يحمل شعارا دينيا، بينما يتعاطى مع السياسة وخبثها.
جماعة الإخوان جماعة متناقضة تمارس التضليل والمراوغة، ولا قاعدة شعبية لها في الوسط الليبي، إلا أن هناك دولا تدعمها لفرضها بالقوة على هذا الشعب، ولكن هذا يقابل برفض شعبي كبير والشعب الليبي مصر على دحر هذه الجماعة كما دحرت في الجارة مصر، لا بد من وفقة جادة مع الشعب الليبي حتى لا تتحول بلده إلى مستودع وبيت لمال الإخوان المسلمين، لأنها إذا تحولت فستكون المنطقة على كف عفريت.