مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

صراع «سي آي إيه» مع الإنترنت

كان يقال دوماً إن عمل الصحافي يشبه شغل عميل الاستخبارات، أو محلل الأجهزة الأمنية، من جهة أن الصحافي والأمني يبحثان عن المعلومة، بأي ثمن.
هذا في القديم، أيام الجاسوس الذي يندس وسط الحارة أو يقبع في ركن المقهى يقرأ جريدته بالمقلوب، أيام ما كان الصحافي يحمل دفتر ملاحظاته الصغير، ويلاحق المصادر في الأزقة المظلمة.
الآن، تطور الحال، وتصادم الطرفان، من جديد، وعلى أعلى مستوى يمكن لك تخيله.
الأربعاء الماضي اتهمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) موقع «ويكيليكس» الصحافي الفضائحي، للقرصان التكنولوجي الأسترالي (أسانج)، بمساعدة خصوم الولايات المتحدة من خلال كشفه الوسائل التي تستخدمها الوكالة لتحويل جهاز هاتف آيفون أو تلفزيون سامسونغ، مثلاً، لأدوات تجسسية.
الحديث كان معلومات تصف أكثر من ألف برنامج اختراق، تسمح بالتحكم بأجهزة إلكترونية مثل الهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون المتصلة بالإنترنت.. بل حتى السيارات، للتجسس على مستخدميها!
ضع هذا مع فضيحة عميل الاستخبارات الأميركية «الخائن»، حسب الوصف الأميركي، (إدوارد سنودن) في 2013 الذي كشف كيف أن وكالة الأمن القومي اخترقت خوادم «غوغل» أو «مايكروسوفت» أو «آبل».
أجهزة الأمن، هي مجمع جبار للقوة، بالمعنى التكنولوجي، فهي عادة تستقطب العناصر العبقرية، لتوظيف مهاراتها لصالح النظام.. والشركات كذلك.
تفرد شركات «السوشيال ميديا» والشركات المصنعة للهواتف الذكية، وكل نظم الاتصالات الديجيتال، كما في شاشات السيارات والتلفزيونات الحديثة، بهذا العالم المثير، يعتبر تفريطاً في الأمن، وضمان التقدم، خطوة بل خطوات، أمام الجميع في سباق المعلومات، هذا من وجهة نظر أباطرة الأمن.
نتذكر في هذا الصدد كيف تصادمت أجهزة الأمن الأميركية مع شركة «آبل»، بعدما رفضت الأخيرة فك الشفرة التابعة لهاتف الإرهابي الذي قتل الناس في (سان برناردينو) في ديسمبر (كانون الأول) 2015.
في أغسطس (آب) 2016 تذمّر نائب في البرلمان البريطاني من عدم التعاون «الجدي» من قبل شركات الإنترنت التي تمتلك أشهر التطبيقات التفاعلية، حين طلب منها التحقق من حساب ما أو محتوى ما، مفسّراً هذا التقاعس بحرص هذه الشركات على «حماية العلامة التجارية» لها.
هو سباق رهيب، بين مقتضيات الأمن، مهما بلغت من خشونة وتدخل في حياة الناس، وبين مصالح الشركات الكبرى، التي «تهذر» عن حماية الخصوصيات، وهي في الحقيقة تريد «تربية» الزبائن وتكثيرهم، ولو كان الأمر يتعلق بقداسة الخصوصيات، كيف باعت «واتساب» أرقام العملاء على «فيسبوك» في ضرب لتعهدات سابقة بحماية الخصوصيات والبيانات؟
صراع على أسرارك، بين الضابط والتاجر.. وبينهما الصحافي، وأنت تجود لهم كل لحظة بسلعتك الأغلى.. حياتك.

[email protected]