مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الرجل {سم ناكت}

قبل ردح من الزمن وفي إحدى السنوات كنت في رحلة إلى لندن مع أحد الزملاء، واستأجرنا شقة صغيرة مخدومة في حي (سوهو) - السيئ السمعة في ذلك الوقت - نظراً لاختلال الأمن فيه، ولكننا فضلناه لعدة اعتبارات، الاعتبار الأول والمهم هو (رخص السعر)، أما الاعتبارات الأخرى، فالحي متوسط بالمدينة، ويعج بالسينمات والمطاعم والمسارح من حوله، كما أن محطة (الأندرغراوند) هي على مسافة (فشخة)، ومحطات الأتوبيسات على مسافة (فشختين).
لم نكن قلقين من ناحية انعدام الأمن، فمنظرنا وملابسنا لا تغري أي مجنون بالسطو علينا، كما أننا مسالمان بطبعنا، فالابتسامة على الفاضي والمليان لا تفارق محيانا، وكأننا فعلاً مصابان بمرض نفسي، وبالأحرى متخلفان.
وكانت ترعانا وتقوم على خدماتنا امرأة أفريقية هي نعم المرأة، وتفاجأنا بها بعد أربعة أسابيع تعلن توقف خدماتها لأن زوجها بلا عمل الآن.
وقلنا لها: ولكنك يا (لولو) - وهذا هو اسم الدلع الذي نناديها به - في هذه الحالة تكونين في أشد الحاجة للمال فكيف تفعلين ذلك؟!
أجابتنا بمنطقها العجيب قائلة: طبعاً أحتاج للمال، ولكن حاجة زوجي لكرامته أعظم، ذلك إذا كنت أعمل وهو عاطل، فسوف يكتئب، ثم يتجه لشرب الخمر، فإذا شربها قد يغازل إحدى الفتيات وأنا لن أسمح له بذلك.
وما هي إلاّ عدة أيام حتى رجعت لنا لكي تعاود العمل، وكان وجهها ممتلئاً بالكدمات، لم نسألها عن السبب حفاظاً على كرامتها.
وحادثة أخرى حصلت مع امرأة سعودية رواها لي رجل نافذ وله قيمته في المجتمع، وقال: ما أن ركبت سيارتي في الصباح للذهاب إلى المكتب، حتى وجدت امرأة واقفة عند باب الخروج وبيدها ورقة، فتوقفت لكي أستطلع الأمر، فعلمت منها أن زوجها الذي يعمل في حرس الحدود له أكثر من ثلاث سنوات في منطقة نائية، وكلما قالت له: لماذا لا تطلب أن تنقل عندنا، يقول: إنني أحاول ولكن الظروف لا تسمح.
ويمضي الرجل قائلاً: الواقع أنني عطفت عليها، وتوسطت لزوجها حتى نقلوه إلى حيث شاءت زوجته.
وبعد شهر تقريباً، كنت في مكتبي الخاص، وخرجت منه إلى مكتب أكبر لكي ألتقي بعض المواطنين لحل بعض قضاياهم، وإذا رجل يسلم عليّ ويقول لي: إنني الرجل الذي سعيت لنقله، وأتمنى أن أتكلم معك على حدة، فعرفت أنه زوج المرأة.
وبعد أن انتهيت أدخلته بمكتبي الخاص، وتوقعت أنه أتى ليشكرني، وإذا به يعاتبني ويخبرني أنه هو الذي كان راغباً بطوعه أن يخدم في هذه المناطق النائية طوال تلك المدة.
ولولا قليل من الخجل لقال لي: اترك (اللقافة)، ولا تتدخل مرة أخرى فيما لا يعنيك، لقد نكدت عليّ حياتي!!