د. عبد السلام سيد أحمد
الممثل الإقليمي لمفوض الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
TT

في اليوم العالمي للمرأة

مرة أخرى وفي احتفالية اليوم العالمي للمرأة، نجدد دعوتنا للدول بضرورة النظر إلى التشريعات وتطويرها، لتكون الضامن لحماية حقوق المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام. فالتشريعات إما أن تنبثق من احتياجات المجتمع، وإما أن تكون نتيجة لرؤية استراتيجية يقدمها صانعو القرار في البلدان المختلفة بهدف نقل المجتمعات وتطويرها.
في الأعوام السابقة، عمل المكتب الإقليمي لمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع عدد من القضاة في المحاكم الإدارية والمحاكم العليا، للنظر في آليات إصدار اجتهادات وأحكام قضائية تنسجم والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخصوصاً في مجالي عدم التمييز وحرية التعبير في المحاكم العربية. ومن خلالها استطعنا أن نطلع على عدد من الأحكام القضائية المهمة التي أنصفت المرأة بناء على معايير عدم التمييز، وقدمت نماذج مهمة في كيفية قراءة النصوص القانونية برؤية تبنى على مفاهيم متأصلة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي الدساتير الوطنية حول المساواة وعدم التمييز. إلا أن الاجتهادات القضائية، على أهميتها، تتفاوت بناء على قراءة القضاة للقانون الذي تصوغه المؤسسات التشريعية في بلدانهم. ففي حين يقدم بعض القضاة أحكاماً جريئة بهدف حماية الحريات العامة وضمان عدم التمييز، يقيد نص القانون قضاة آخرين، مما قد يؤثر على طبيعة الأحكام الصادرة عنهم. ولا تزال المنظومة القانونية في بعض بلدان المنطقة العربية - خصوصاً فيما يلي التشريعات الخاصة بالمرأة - حبيسة نصوص، يعود بعض منها للحقب بعيدة، وذلك على الرغم من التطور الهائل الذي حدث في مختلف جوانب الحياة، وانعكس على الفقه القانوني على الصعيد العالمي، الذي بالطبع اكتسب زخماً إضافياً مع بروز واتساع الطلبات الدولية حول حقوق الإنسان التي التحقت بها غالبية بلدان المنطقة.
لقد مر عدد من الدول العربية في السنوات الستة الأخيرة بتغييرات جذرية، أثرت على البنية المؤسسية في كثير من المواقع. وفي حين لا تزال بعض البلدان تصارع للخروج من مأزق الحروب والنزاعات الأهلية والداخلية، خرجت دول أخرى من أزماتها وكلها أمل في تطوير نظمها الدستورية والقانونية لضمان عدم تكرار ما جرى من حجب للحريات والتمييز بين الأفراد. فطورت دساتير تؤكد موضوع المساواة، وتحرص على أهمية المناصفة بين المرأة والرجل في كل المجالات. وقد أسهمت هذه الرؤية في إعادة النظر بعدد من التشريعات لضمان عدم تعارضها ومبدأ المساواة بين المرأة والرجل. هكذا برزت أخيراً قوانين أو مشروعات لقوانين لها علاقة بممارسة الحق السياسي للمرأة، وقوانين أخرى خاصة بالعقوبات وبالأحوال الشخصية، وأخرى تتعلق بحق المرأة في العمل وحقها بالأجر المتساوي وبكل المستحقات والضمانات الاجتماعية.
وإجمالاً هناك عدد من المبادرات في الدول العربية للنظر في التشريعات القائمة ومحاولة إيجاد توافق بينها وبين المعايير الدولية. ونحن بدورنا ندعم هذه المبادرات ونأمل أن تسهم في تقديم نماذج للدول العربية الأخرى تحقق من خلالها تكاملاً تشريعياً يحمي كل أصحاب الحقوق، وعلى رأسهم المرأة.
لقد أأرست اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية، جملة من المعايير، ومنها أهمية أن تشكل التشريعات الناظم الرئيسي لحماية الحقوق، وضمان المساواة بين كل الأفراد. ونحن من هذا المنبر نؤكد أهمية أن تتقدم التشريعات على الواقع المجتمعي لصياغة «المجتمع الذي نريد»، ولا تكون أداة تعمق من حالة التمييز المجتمعية والمؤسساتية التي نراها في كثير من بلدان المنطقة التي كثيراً ما ترفد التشريعات التي تتعلق بالمرأة. صفوة القول، يجب أن تقف هذه التشريعات موقفاً قوياً في وجه الأنماط الاجتماعية السائدة، التي لا تزال تمييزية في جوهرها.

* الممثل الإقليمي لمفوض الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا