محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

قوة «الابتسامة الصفراء»!

من أشهر الباحثين في مجال تعابير الوجه طبيب الأمراض العصبية الفرنسي دوشين، الذي سميت الابتسامة الصادقة باسمه بعدما اكتشف علمياً أن المرء حينما يبتسم بعفوية تتحرك عضلات وجهه في منطقتين؛ حول فمه وعينيه، في حين وجد أن تصنّع الابتسامة يحرك فقط المنطقة المحيطة بالفم، غير أن هذه الابتسامة المصطنعة أو «الصفراء»، كما يسميها العامة، قد تبين علمياً أن لها تأثيراً مريحاً على الإنسان حينما يكون في أوج ضغوطاته، وهو ما اكتشفته الباحثتان كرافت وبرزمان من جامعة كانساس الأميركية، حينما تبين لهما أن إحدى المجموعات الثلاث المشاركة في الدراسة حينما كان يطلب من أفرادها عمل أنشطة لا يعلمون أنها ستتحول لاحقاً إلى نشاط مجهد ثم يطلب منهم الابتسام لوحظ أن هذه الابتسامات المصطنعة للمجموعة قد بدأت تخفض من معدل ضربات القلب رغم الإجهاد النفسي الذي يتعرضون إليه. وهذا دليل جديد على أن الابتسامة أثناء الضغوطات الحياتية تعزز صحة القلب وتخفف من وتيرة نبضاته.
هناك دراسات كثيرة تظهر أثر المشاعر الإيجابية على الفرد في أثناء تعرضه للضغوطات الحياتية؛ منها أن التبسم يؤثر إيجاباً على هذه المشاعر، غير أن دراسة جامعة كانساس تعد من أوائل الدراسات التي درست أثر الابتسامة المصطنعة على ضغوطاتنا الحياتية. وهذا يذكرنا بروعة دقة وصف الحديث النبوي «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، حيث إن كلمة «تبسمك» فيه افتعال إيجابي مسبق وليس الأمر وليد الصدفة.
والابتسامة عموماً لا تريح الفرد فحسب، بل تولد شعوراً مريحاً لدى كل من يستقبلها. وهذا ما يجعلني دوماً أقدم في دوراتي للمهارات الشخصية فقرة التدرب على الابتسامة باستخدام أعواد الأكل الصينية chopsticks، بحيث يعض عليها المشاركون أفقياً بالنواجذ، فالابتسامة مسألة تدريب ومن شب على شيء شاب عليه. وهذا ما يجعل كبريات شركات الطيران في العالم والفنادق العريقة تدرب موظفيها على التبسم باستخدام تلك الأعواد.
وكثيراً ما أتساءل لماذا نجد شخصاً يبتسم ليلاً ونهاراً وفيه من الهموم ما يوازي ما يحمله نظيره؟ الجواب أن الأول قرر أن يواصل الابتسامة فتحولت إلى عادة أو سمة من سماته الحميدة، في حين واصل الثاني مشروع التجهم.
مشكلتنا مع الابتسامة أننا لا نمنحها إلا لشخص بشوش وننسى أن إشاعة البشاشة لا تأتي عبر «المعاملة بالمثل» بل بالمبادأة. وبعضنا يتوقع أن الابتسامة تولد فقط عند رؤية أمر يستحق الابتسام، وننسى أنها تحية عفوية وبلسم شفاء لقلوب أرهقتها وطأة الضغوطات اليومية.