خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من ظريفات النساء

الظُرف النسائي بضاعة نادرة، لا سيما في عالمنا العربي الذي يعد مضاحكة النساء عيبًا في المجتمع. وينطبق ذلك على الغربيين إلى حد ما. ولكن برزت منذ سنوات امرأة ظريفة؛ فيكتوريا وود، في إنجلترا، ولكنها توفيت مؤخرًا. يظهر أن ممارسة الفكاهة قد أودت بحياتها. ونحن نعد القهقهة من امرأة قلة أدب وعيبًا شنيعًا. وإزاء هذا النقص في عالم الأدب، اتصلت بي إحدى الصحافيات وطلبت مني قبل سنوات كتابة مقالة عن الفكاهة الأنثوية.
كانت الكاتبة الإنجليزية إليزابيث جاسكل قد نشرت كثيرًا في موضوعات الفكاهة التي استمدتها من الحياة اليومية. وكان من ذلك روايتها «كرانفورد» التي تصور مجتمعًا نسائيًا يقوم على المرأة، ولا محل فيه للرجال. وكانت هذه الكاتبة مثالاً للدعابة الريفية التي برعت بها، وقد عاصرت تشارلز ديكينز في القرن التاسع عشر، وساهمت في مجلته الأدبية. ومن ذلك القطعة التالية التي تروي حادثة حقيقية، كمعظم ما سجلته هذه الكاتبة.
«كانت هناك سيدة عجوز تملك بقرة من صنف الـ(الدرني)، عاملتها كأنها ابنتها الحقيقية. لا يستطيع أحد أن يزور هذه السيدة لربع ساعة دون أن يسمع شيئًا منها في الثناء على الحليب الرائع لتلك البقرة، أو ذكائها الخارق. لقد عرفت كل سيدات المدينة البقرة الـ(الدرني). نظروا إليها بإجلال. ولذلك شعرت بعطف عظيم عندما تعثرت البقرة في لحظة سهو منها وسقطت في حفرة مليئة بالجير الحار، وصرخت صرخات مدوية سمعها الجميع. فأسرعت إليها صاحبتها السيدة بيكر وأنقذتها من عذابها. لكن الحيوانة المسكينة فقدت جل شعرها، وخرجت من الحفرة عارية تمامًا وترتجف من البرد والأذى. لم يبقَ عليها ما يسترها غير جلدها العاري. شعر الجميع بالشفقة عليها. بيد أن بعض النساء لم يستطعن مقاومة الابتسامة عندما نظرن إليها بهذه الهيئة الخرافية! انفجرت السيدة بالبكاء حزنًا وقلقًا. قيل إنها فكرت بتحميم بقرتها في حمام من الزيت بناء على نصيحة من إحدى السيدات. بيد أن رئيسة (جمعية الرفق بالحيوان) استنكرت الفكرة، وقالت للسيدة بيكر، ألبسيها سترة صوفية وسروالاً من البوبلين، إذا كنت حريصة على المحافظة على حياتها. ولكن نصيحتي الحقيقية هي أن تذبحي هذه المخلوقة السيئة الطالع بأسرع وقت...
جففت السيدة بيكر دموعها وشكرت من كل قلبها رئيسة (جمعية الرفق بالحيوان) على نصيحتها. ثم مضت لتقوم باللازم شيئًا فشيئًا. طلبت من أحد الخياطين أن يفصل ويخيط سترة وبنطلونًا لبقرة»!
سرعان ما رأت نساء المدينة البقرة النفيسة الـ(الدرنية) تخرج كل يوم بوجه ذليل لتذهب إلى المرعى لابسة السترة والبنطلون غامقي اللون. ولقد رأيتها بنفسي عدة مرات تخرج من البيت للرعي لشدة دهشة بقية الأبقار واستئناسها، وتعود بهذا الشكل. وهو شيء على أشد ما يكون من الطرافة في لندن أن يرى القوم بقرة حلوبًا تمشي بسترة وبنطلون من آخر طراز.
وهذا مثال من أمثلة الظرف الحريمي! مش بطّال!